عباس الصباغ
بعد التغيير النيساني المزلزل لم تفتأ الاسباب التي ادت وتؤدي الى سلسلة الانسدادات والاستعصاءات السياسية المؤسفة والتي مازالت تعتور المشهد السياسي العراقي، ومن جملة هذه الاسباب ان الفرقاء السياسيين العراقيين المتصدين للقرار السياسي وعلى كافة مشاربهم لم يهضموا بعدُ فكرة المعارضة وتشكيل حكومة ظل بموجب هذه الفكرة التي ظلت بعيدة عن مخيلة هؤلاء السياسيين الذين ظنوا انهم وفي حال وجودهم خارج نطاق الحكومة الفعلية سيكونون خارج الاضواء و"محرومين" من الامتيازات التي يحصلون عليها وهم داخل الحكومة، كون حكومة الظل في ابسط مدلولاتها هي: عبارة عن حكومة غير رسمية وغير مُتواجدة على المسار التنفيذيّ للبلاد، ودون قوّة فعليّة أيضاً، تتشكل من قِبَل حزب أو تيّار غير مشارك في الحكومة التنفيذيّة، وتضم أعضاءً من الأحزاب المُعارِضة للحزب الموجود في السّلطة او عندما تظهر جماعة سياسية او احزاب او قوى تختلف مع الحكومة في البرامج والاهداف والاساليب وحتى التنفيذ، وهذا شيء جدا طبيعي في النظم الديمقراطية، امّا الديكتاتورية منها فلايوجد شيء من هذا القبيل اطلاقا، فحكومة الظل، باختصار شديد، ليست ذات سلطات تنفيذية فعلية ؛ لكنها تتشكل من الأحزاب المعارضة التي تحاول أن تقوّم مسار الحكومة الفعلية. ولذا فهي تكلف اي شخص يكون (وزير ظل) بمتابعة وزارة بعينها ليكون تركيزه منصباً بعمق على أعمالها مع فريق عمله المهني.
ولكنِ السياسيون العراقيون ومنذ تأسيس العملية السياسية الراهنة، خالفوا هذه النظرية المعمول بها في اغلب الدول ذات النظم الديمقراطية، فالجميع يحكم والجميع يعارض وهي ظاهرة تكاد تكون فريدة على مستوى العالم، فبعض الاحزاب والقوى السياسية تجدها في الحكومة وفي الوقت عينه في المعارضة فليس من الصواب ان يشارك الجميع في الحكم وصنع القرار، كما يشاركون في معارضة سياسة الدولة وتقويمها في آن واحد، فهذه شيزوفرينيا سياسية غير مقبولة، بل وادت الى هذه السلسلة المتراكمة من الاخطاء التأسيسية والبنيوية القاتلة، فكيف يمكن لسياسي ان يحكم ويقوّم اداءه بنفسه في ذات الوقت وطالما كانت ترافق ذلك مناكفات وتجاذبات سياسية محتدمة،اثّرت بشكل سلبي على مجمل الاداء الحكومي ومناسيب توفير سبل العيش الكريم للمواطن العراقي المنهك والمحروم والذي مايزال يعاني من تدني تلك المناسيب لاكثر من عقد ونصف من الزمان .
بالمقابل لم تتجذر عراقيا فكرة ثقافة المراقبة وتقويم الاداء الحكومي المعمول بها في الديمقراطيات العريقة كبريطانيا مثلا وهي ام حكومات الظل والرائدة في هذا المجال ولها قصب السبق فيه، يضاف اليها الولايات المتحدة الامريكية وبعض الدول الأوربية وغيرها، فهنالك حكومة ظل تتشكل فيها بالتزامن مع تشكيل الحكومة التنفيذية فيها.
وعدم شيوع ثقافة المراقبة هو خطأ بنيوي استراتيجي اضافي رافق العملية السياسية منذ تأسيسها ولحد الان، فتُركت المراقبة والتقويم للسلطة التشريعية التي اضطلعت بدورين مزدوجين هما التشريع والمراقبة، ولكن العيب في ذلك هو ان المراقبة لم تأتِ من جهة معارضة تشكّل حكومة ظل بل كانت تأتي من جميع اعضاء البرلمان اي من السياسيين انفسهم، وهذا خلل بنيوي اخر يضاف الى الخلل المذكور آنفا ومن هنا نعود الى كلامنا السابق نفسه من كون اغلب السياسيين يؤدون دورا مزدوجا في الوقت ذاته فكلهم تنفيذيون وكلهم متشرعون وكلهم مراقبون ومقوّمون!!!.
ونظريا تكمن اهمية وجود حكومة ظل في العراق في انها تعارض الحكومة الموجودة من جهة، وتنبّهها على الأخطاء التي من الممكن أن تقع فيها ليتم تَدَارُكّها من جهة اخرى ومبدأ التنبيه هذا سيُعزز من عمل الحكومة في الاتجاه الصحيح لأن هناك من يُراقبها فعلاً، وهي تدرس قرارات الحكومة وتتفاعل معها، وتقدّم الاقتراحات المختلفة حول هذه القرارات، للوصول إلى أفضل الحلول المتعلقة بالكثير من المشاكل الاقتصادية والسياسية والخدماتية والتعليمية والصحية وغيرها. وبوجود حكومة الظل في العراق يتم اشراك الجميع في الحُكم سواء الموالون للحكومات المُنتخبة أو المعارضون لها، على ان يكون دورها ايجابيا وليس معرقلا لعمل الحكومة بحجة انها معارضة.
وهذا هو اقل استحقاق يحصل عليه المواطن العراقي الكريم وان تصل متاخرا خير لك من الاّ تصل ابدا
أقرأ ايضاً
- فزعة عراقية مشرّفة
- مستقبل البترول في ظل الظروف الراهنة
- هل يستحق المحكوم ظلما تعويضًا في القانون العراقي؟