- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
نزعة الربوبية وعقدة الاستخفاف
د. ابراهيم الجعفري
لا وحدة في حركة أيّ ركبٍ اجتماعي مدنيٍّ أو عسكري رسمي أو غير رسمي من دون أمر وطاعة ففي الأمر سرّ قوة الرأي وبالطاعة سرّ تجسيده وبهما معاً
تتحقق وحدة حركة الركب مهما كان كبيراً ومهما كان متنوعاً.. على ألا يكون الأمر من وحي التفرد وألا تكون الاستجابة من وحي الاستغباء فالتفرد يعني التسلط الفردي وقتل الروح الجماعية بالعمل والتجاوب الآلي مع
عدم الوعي هو تكريس لروح التبعية العمياء.. المبادئ الانسانية الحقة تعمل على صهر الناس في إطار فهم المصالح ووعي المخاطر وتقديم القيم الحقة على الأنانيات بمظاهرها المختلفة الذاتية والأسرية والقبلية والقومية والحزبية!!.. وهو ما لا يُنكر عليها أصل وجودها ولكنه يهذّبها في حدود انسانية عامة ليتجلّى المكون الاجتماعي في أنصع صوره..
كثيرةٌ مجتمعات العالم ومتناثرةٌ في شرق الأرض وغربها وهي متعددة الأنظمة السياسية لكنها ورغم كل ذلك بقيت تتعاطى مع هذه المفردات بواقعية حتى أصبحت التعددية سمة العصر ولَم تقتصر بوجودها في قاعدة الهرم الاجتماعي بل تمثّلت بمستويات
مختلفة.. انها ورغم تعدد خلفياتها الفكرية والعاطفية تتمتع بقوة شدّ التعارف المشتركة تربطها بالبلد وتتحفز لتقديم كل ما لديها من أجله لتصل حد التفاني بالروح والمال.. "يَا أَيّهَا النَّاس إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَر وَأُنثى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِل لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمكُمْ عِنْد اللَّه أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّه عَلِيمٌ خَبِيرٌ"..
فمن مظاهر الصحة بل التفوّق ان تظم مؤسسات الدولة تعدديات المجتمع شريطة ان تكون الدولة هي الحاكمة بعدل وان تكون شرائح المجتمع هي المحتكمة اليها بقناعة.. وهنا يبرز مفهوم الطاعة ليسهّل مهمة أداء الدولة على قاعدة عدالة القانون وطواعية الاستجابة الشعبية الواعية حتى يكون ركب الدولة قد توافر على وحدة
الموقف وعدالة توزيع الثروة وإناطة المهام لأصحاب الكفاءات بثقة.. وهي بطبيعة حالها ليست حكراً على طائفةٍ ما أو حزبٍ ما أو شريحة قومية أو اجتماعية أو سياسية معينة ولا يجد المجتمع عادةً في نفسه حرجاً من الانصياع الطوعي لما تريده الحكومة ما دامت اجراءاتها مشرّعة ضمن القوانين وكلما تعمّقت الثقافة لديه ترسّخت عنده ارادة التمسك بالدولة ويكون وعي المواطن رصيداً لاندماجه بالدولة وتأخذ العلاقة بينما علاقة الثقة المتبادلة التي لا تزيدها مع الايام الا رسوخاً.. في مقابل هذه الحالة هناك "ظاهرة فرعونية" يفقد فيها الشعب وعيه وإرادته ليكون تابعاً لارادة الحاكم من موقع "الاستخفاف" وليس الوعي ما جعل الكثير من حكام العالم يجنحون "لمنطق الاستخفاف" بالشعب لضمان تسلط الحاكم "فَاسْتَخَفَّ قَوْمه فَأَطَاعُوهُ".. والاستخفاف يعني فيما يعنيه الاستهانة
والاستهزاء؛ والطاعة العمياء التي تقوم على قاعدة مقوماتها الجهل وفقدان الارادة ولا يرجى منها خيراً وقد تدفع بجمهورها نحو التسطيح كما تدفع من جانب آخر بقمتها نحو "عقدة الربوبية" وهو ما انتهى اليه فرعون في زمنه ولَم تقف عند حدوده بل تكررت على مر الزمن عبر الطواغيت!!.. الطاغوت لم يبدأ بشعور الربوبية فجأةً بل نمت عنده بشكل تدريجي من شاطئ "النرجسية" وحب الذات وتراكمت حتى وصلت الى الحد الذي لا يرى صواباً الا بنفسه ولا يحترم الا من يطيعه حد العبادة هذا ما جسده ستالين وهتلر وصدام ما يعني انه وقعوا في "حضيض ربوبية البشر" والتي أضحت ظاهرة انحراف واضحة وعلى أكثر من مستوى!!.. }
أقرأ ايضاً
- مجالس المحافظات .. محنه الذات وعقدة اللامركزية
- الدنبوس وعقدة عبد الكريم قاسم
- السعودية .. وعقدة الشيعة