حجم النص
فالح حسون الدراجي الآن وبعد أن باتت كرة الموازنة في ملعب البرلمان العراقي، واصبحت المصادقة عليها قاب قوسين أو أدنى كما يقولون. خاصة وأن الحكومة العراقية قد أقرتها بالإجماع، ورفعتها قبل ثلاثة أو أربعة أيام الى مجلس النواب. وربما تفيدنا الأنباء الواردة عن لقاء ثنائي تم بين رئيس البرلمان سليم الجبوري، ورئيس الحكومة حيدر العبادي بعد تسلم البرلمان مسودة الموازنة مباشرة. ويقال إن الرجلين بحثا موضوعات عديدة واتفقا على نقاط جوهرية كثيرة، كانت الموازنة احدى هذه النقاط المتفق عليها. وهنا لم يعد أمام مجلس النواب سوى أن يصادق عليها سريعاً، أو قد يجري عليها تعديلات سريعة وطفيفة، أما موضوع رفض الموازنة، وإعادتها الى الحكومة، فهذا أمرٌ لن يحصل قطعاً، ليس لأن كل أعضاء مجلس النواب، وطنيون وشرفاء (وخوش اوادم)، وإن قلوبهم جميعاً محروقة على الشعب، وعلى مصلحة البلد، أو أنهم يقدرون الحاجة الملحة للمصادقة على الموازنة، ويفهمون معنى السرعة والضرورة في توفير الخبزة للناس، خصوصاً الذين أعطوهم أصواتهم وجاءوا ببعضهم من الطهارة الى المنارة. إنما لأن أغلب هؤلاء النواب يدركون جيداً أن الجوع كافر، وإن العراقيين لن يصبروا على جوع أطفالهم، فهم سيرفعون السيف بوجوه الساسة الكفرة الذين تمادوا في تجويع أطفالهم، وتدمير رزقهم، ونهب ثرواتهم الوطنية، ولم يتوقفوا حتى هذه الساعة عن الضحك على جراحاتهم النازفة. ألم يقل معلم الثوار أبو ذر الغفاري يوماً: (عجبت لِمن لا يجد قوتاً في بيته، كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه) إذن..! فإن الموازنة ماضية نحو المصادقة، ماضية برأيي للتصديق بقوة الرغيف، وليس بقوة السيف فقط. فالرغيف أحياناً يكون أقوى من السيف، وأمضى منه. والرغيف الشريف الذي بات اليوم شحيحاً في بيوت الكثير من العراقيين النجباء للأسف، يدعونا الى طرح الف سؤال وسؤال، ومن بينها: اين تمضي المليارات النفطية؟ وكيف يمكن لعوائل عراقية تجوع، وبلادها تسبح في بحر من الذهب الأسود؟! أترك الجواب الى من لديه الجواب وأعود للموضوع وأقول بأن هذه الموازنة ماضية للإقرار حتماً، وذلك بسبب الظروف المالية والسياسية والأمنية والمعيشية للبلاد أولاً. وثانياً لأن هذه الموازنة قد أشرف على (ترتيبها) وزير المالية العراقية (وهو قيادي كردي)، وهذا يعني أن العصا الكردية سترفع حتماً عن عجلة الموازنة، بمعنى، أنها ستسير وعين (الكاكا) ترعاها!! أما ثالثاً، وهو المهم عندي، فأنا أتمنى على كل الحسَّاد الذين يفكرون بتوجيه عيونهم الحاسدة نحو العراقيين، باعتبار أن موازنة عام 2015 قد أنجزت وأقرت قبل أن تنتهي سنة 2014، وقبل أن تقر موازنات السنة الجديدة حتى في دول الخليج العربي، فأنا لا أكتفي بالتمني عليهم، إنما أتوجه بالرجاء لكل الحاسدين، طالباً منهم أن يتفهموا القضية جيداً، وأن لا يستعجلوا في حكمهم، فيحسدوننا على مصادقة يظنونها هي موازنة 2015، بينما هي في الحقيقة والواقع موازنة عام 2014. نعم فهذه الموازنة ليست جديدة، ولا هي معروضة حديثاً، انما هي معتقة منذ أكثر من عام، ومخمرة في قارورة الحكومة والبرلمان معاً. ولأنها معتقة جداً، فهي تصلح نبيذاً مُسكراً، وبإمكان وزير المالية -وهو من الشرِّيبة الأصلية للنبيذ كما يقال- أن يتذوقها نيابة عن (الجماهيرالمحرومة من شرب الواين) فيأخذ كأساً منها (هنياً مرياً) ويشربه في الساعة الأخيرة من هذا العام، ليودع عامه وداعاً يليق بالفرسان -وطبعاً فأنا لا أقصد الفرسان أولئك الجحوش إنما أقصد بالفرسان الأبطال، ومعالي وزير المالية هو واحد من هؤلاء الأبطال- وأنا أثق بذائقة معاليه، فيقدر طعم هذا (المخزون المعتق) منذ فترة طويلة في خزانة الحكومة والبرلمان، وأن يعطينا رأيه بجودته، ولابأس أن يقدمه هدية لأصدقائه في أي مكان يشاء. إذن..! فرجائي الى كل الحاسدين أن يتوقفوا عن حسدنا إن كانوا قد بدأوا بالحسد فعلاً، وأن يبطلوا حسدهم إن لم يبدأوا به بعد، فهذه الموازنة (المصخمة والملطمة) التي تأتي في ظل ظروف نفطية قاهرة، وظل خلافات ساخنة على توزيع الأموال بين (كل أطياف الشعب)، كرداً وعرباً (سنة وشيعة) قد أكلت من عمر العراقيين المحرومين والمظلومين سنة كاملة، فعانى من غيابها شعبنا معاناة لم يعانِ مثله شعب آخر. فقد تعطلت أغلب مصالحنا، وتوقفت أعمالنا، وقطعت أرزاقنا، فلا تعيينات تتم، ولا رواتب للكثير من العاملين والجنود تدفع، ولا مشاريع تنجز، ولا دعم حكومي يذكر، ولا كل شيء يفيد فنذكره هنا. والمشكلة أن كل ما تسأل مسؤولاً، يقول لك: إنها الموازنة! فهل تصدقون أن الأمر قد وصل ببعض الناس الى أن تبيع كلاها، وأن البعض راح يتناول غذاءه من القمامة العفنة في الحاويات، بينما بعضهم أضطر الى بيع...! كل هذا يجري، والموازنة تشخر في منامها، وكذلك المسؤولون يشخرون في ملاهي ومراقص وفنادق وحمامات الدنيا (الفايخة)!! لذلك أقول لكل المسؤولين العراقيين بلا استثناء: أن العراقيين صبروا عليكم كثيراً، فاحذروا غضبة الحليم إذا غضب. وإن العراقيين قد جاعوا كثيراً في ظل حكمكم المتحيز الفاسد، وهم الأعزاء الكرماء النجباء، الذين لم يتعودوا الذل والمهانة، فاستعجلوا المصادقة على الموازنة، وانقذوا مصيركم بإطلاق التعيينات، وإعطاء رواتب الذين لم يتسلموا رواتبهم، وسارعوا بإنجاز المشاريع المؤجلة والمتوقفة، ففيها عمل للكثير من العاطلين. فوالله والله إن تكاسلتم، أو بالغتم بالفساد والاستهانة بهؤلاء الناس الطيبين، فلن تكون نهايتكم أفضل من نهاية صدام، ونهاية القذافي، وشاوشيسكو، وليكن بعدها ما يكون.. اللهم اشهد إني بلغت.. بلغت.
أقرأ ايضاً
- الأنيق الذي تمزقت ثيابه
- الإعلام الحسيني بين شاهقة التمني وطواعية التأني ..الجزء الثاني
- الإعلام الحسيني بين شاهقة التمني وطواعية التأني الجزء الاول