حجم النص
أولت الصحافة العراقية والعالمية اهتماما بانتخابات العراق، فقد قال الكاتب والمحلل السياسي علي الطالقاني في مقال له تحت عنوان "العراق..مخاض الولاية الثالثة"، بيّنت تجربة التحول الديمقراطي في العراق، مع كل التداعيات الناجمة، ان البلد يكابد من مشكلات تتعلق بطبيعة تفكير القادة السياسيين وتصورهم لمفهوم الدولة والديمقراطية. وان سقوط النظام عام 2003 لم يحل المشكلة حسب ما كان متوقعاً. ويقول الكاتب لعل أكثر ما يمكن الانتباه له في عملية التحول السياسي في العراق هو تشوه مفهوم الدولة الحديثة وتعثر تجسيد القيم الديمقراطية والثقافية في سلوك كل من النخبة والجماهير، كما ولد بصورة مشوهة في رحم الطائفية والمحاصصة، بوساطة العشيرة والارهاب والبروقراطية وتحويل مؤسسات الدولة إلى مجرد جهاز للسيطرة، وافضت هذه الولادة إلى نشوء دولة ضعيفة لا تفرق بين عمل السلطات الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية). ويعتقد الطالقاني برغم الجهود المبذولة من قبل الباحثين والمثقفين، حيث لم تستطع أية مؤسسة حكومية او منظمات المجتمع المدني او المنظمات الدولية ان تتجاوز مسألة التنظير. ولا شك ان للحسابات السياسية تأثير كبير على مسار التحولات السياسية.. ويرى الكاتب ان ما يمر به العراق يلغي مبدأ المواطنة ويمنع تأسيس نظام وثقافة تجعل الجميع متساوين أمام القانون والحقوق، بعيدا عن الطائفية والقبلية والاثنية والعشائرية التي بدورها أثرت على نشاة الدولة في وقت من المفترض فيه ان تنشأ بواسطة التطورات الطبيعية السياسية والاقتصادية والمجتمعية. وأشار الكاتب ان البلد يمر بمرحلة مهمة ينبغي من خلالها ترسيخ مبدأ التعايش السلمي، وتغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الشخصية، ونقل السلطة سلمياً. والحفاظ على حقوق الاقليات وترسيخ مفهوم الحريات العامة. وهي بمثابة فرصة أمام التطور. وبدون هذه الفرصة لا يمكن الحديث عن تشكيل دولة حديثة، تعتمد الاقتصاد والتنمية والثقافة والاجتماع أساس للتقدم. تحديات المرحلة القادمة وأشار الطالقاني ان البرلمان العراقي بعد انتخابات عام 2014، يضم ما مجموعه 328 مقعداً لفترة الأربع سنوات المقبلة. وسيكون تشكيل الحكومة الجديدة في غاية الصعوبة بسبب عدم وجود حكومة أغلبية، واعتماد المحاصصة الطائفية كمنهج لتشكيلها، ولو عدنا الى انتخابات عام 2006 نجد استمرار المفاوضات لتشكيل الحكومة امتدّ حوالي شهرين، فيما تم التوافق على تشكيل الحكومة بعد انتخابات عام 2010 استمر أكثر من ثمانية شهور. بحسب قول الكاتب وبحسب الدستور العراقي يتم اختيار رئيس مجلس النواب في الجلسة الأولى للمجلس، ليتم بعدها وخلال الجلسة الثانية اختيار رئيسا للبلاد بأغلبية الثلثين خلال مدة شهر واحد، فيما سيكلف رئيس البلاد رئيس الوزراء الذي سيتم اختياره خلال مدة خمسة عشر يوماً ليتم بعدها إجراء التصويت للمصادقة على تشكيل الحكومة في موعد أقصاه ثلاثين يوماً. وأضاف الطالقاني بعد ان انتهت الانتخابات العراقية يدور النقاش في وقت مبكر حول هوية رئيس الوزراء القادم، في غياب مرشحين لمنصب الرئيس من قبل الكتل السياسية الأخرى، وحسب المؤشرات يعتزم حزب الدعوة ترشيح رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي وتجديد ولايته لتصبح الثالثة، وهو الأمر الذي يتخوف منه محللون من أن اعادة حصول المالكي على ولاية ثالثة قد يؤدي إلى حدوث أزمة في وقت تزداد فيه التجاذبات السياسية مع تزايد حدة العنف والارهاب في مناطق عدة من العراق، فقد أكدت مصادر ان 750 شخصا قتلوا خلال شهر نيسان من عام 2014. ويرى الكاتب ان لهذه المخاوف أسباب يستند إليها الكثير من المحللين منها: ـــ مواقف المرجعية الدينية من إدارة حكومة المالكي وخصوصا في مجال مكافحة الارهاب. والفساد وتردي الخدمات. ـــ وجود مخاوف من تزايد حدة التوترات الطائفية ونشوء حرب أهلية. ـــ عدم استطاعة رئيس الحكومة على اجراء تحالفات رصينة وشفافة. فضلا عن سوء علاقته مع باقي الكتل السياسية الشيعية والسنية والكردية. ـــ رغبته بالاستمرار في منصبه وهو الأمر الذي عده محللون ممّا سيوقع البلاد مرة أخرى في دائرة الأنظمة الاستيلائية والديكتاتورية التسلطية، مما يعرقل مأسسة دولة ديمقراطية حديثة. التأثير الدولي ويعتقد الطالقاني أن الصراع في العراقي سياسي تديره قوى سياسية مدعومة اقليمياً وتستخدم هذه القوى الطائفة والمذهب أدوات لتحقيق مصالحها، وان الصراع تحول من صراع سياسي الى صراع طائفي. ان القوى السياسية في العراق باجمعها لا تستطيع العمل خارج اطار الضغط الاقليمي المتمثل بايران من جانب ودول الخليج وتركيا من جانب آخر، فضلا عن الدعم الأمريكي "الضعيف" لأي موقف تجاه العراق، وخلال مرحلة انتخابات عام 2006 وعام 2010، اصبح العراق ساحة للصراع بين هذه القوى التي تريد ان يكون البلد خاضعاً تحت سيطرتها. وامتد هذا الصراع طوال السنوات الماضية ليصل الى انتخابات عام 2014، ومما زاد الأمر تعقيدا تأزم الوضع الاقليمي وعدم حصول توافقات بين هذه الدول على ما يدور من أحداث وخصوصا في المنطقة مما قد يكون تشكيل الحكومة العراقية عسير جدا، وخصوصا مع تزايد حدية التجاذبات السياسية بخصوص منصب رئيس الوزراء ومناصب أخرى. حسب قوله الدور الأمريكي وأضاف الكاتب، لا احد يستطيع ان ينكر ما للولايات المتحدة الامريكية من دور في تشكيل الحكومة في انتخابات عام 2006 التي زادت من دعمها لتشكيل حكومة برئاسة المالكي بصفته مرشحا عن الكتل الشيعية. كما انها عملت من أجل تقريب وجهات النظر بين حكومة بغداد وحكومة اقليم كردستان التي انهارت فيما بعد بخصوص قضايا النفط والاراضي المتنازع عليها. إلّا أنّه يبدو ان موقفها من انتخابات 2014 في العراق غامض الى حد ملفت للنظر، ويقول مراقبون ان بعض المؤشرات تدل على وجود جدل داخل البيت الابيض حول شكل الحكومة الجديدة حيث تقول انها تريد تشكيل حكومة يشترك فيها الجميع وليس بالضرورة ان يكون رئيس الوزراء الحالي على رأس الهرم، لكنها تدعم مواقفه تجاه القضاء على التنظيمات الارهابية. بينما تغض النظر عن قضايا أخرى اقليمية ومحلية تؤثر على مسار السلم. الدور الايراني الخليجي التركي من جانب آخر يعتقد الطالقاني ان ايران ترى في نفسها انها معنية بأن يكون لها حضور واضح. ففي انتخابات عام 2006 لعبت طهران دورا محورياً ضد تشكيل حكومة يشكلها إبراهيم الجعفري. كما انها شجعت على ان يتولى رئاسة الجمهورية جلال الطالباني الذي عمل بدوره على دعم المالكي بعد عام 2012 عندما طُرح مشروع سحب الثقة من حكومة المالكي. الدور التركي من جانب آخر وبحسب الكاتب أخذ حيزا من الوقت فالحكومة التركية برئاسة رئيس الوزراء أردوغان تريد ان تتبنى سياسة جديدة، لها أبعاد وأهداف متعددة تمتد الى العراق ودول أخرى، حيث يعتقد أردوغان ان تركيا ينبغي ان تحدث تقدما في الجوانب العسكرية والاقتصادية، وتريد ان تستغل الفراغ الجزئي لأمريكا في المنطقة، وهذا توضح جليّا عندما تدخلت في افغانستان كما تدخلت بقضية الاعتداء على غزة وما يحدث في جورجيا، واليوم تتدخل بالملف العراق وانها متهمة بعقد صفقات نفطية مع حزب رئيس اقليم كردستان وملفات أخرى. ويعتقد الطالقاني ان دول الخليج ترتاب من موضوع العراق وتشعر انها هزمت في العراق أمام ايران لا سيما وأنّ دول الخليج تطمح بان يكون العراق خاضعاً لسيطرتها لأهمية موقع العراق الجغرافي والطائفي واعتباره منفذا لإيران على دول الخليج. وختم الكاتب قائلا، لا زال العراق ساحة لصراع القوى الدولية، لذا فان تشكيل الحكومة المقبلة اذا ما كتب لها النجاح، فقد تحاول الدول المتضررة من هذا النجاح إعادة خلط الأوراق وترتيبها بما يضمن مصالحها، فعلى العراق ان يعمل على تحقيق عاملي التماسك والوحدة بين طوائفه وترسيخ مفهوم التعايش والانتقال السلمي للسلطة، والالتفات الى مشروع وطني يجمع فسيفساء البيت العراقي بطوائفه المختلفة.
أقرأ ايضاً
- طقس العراق.. أمطار رعدية بدءاً من الغد
- من لا يتواجد في بيته "لن يحسب ضمن العراقيين".. ما مصير المقيمين في الخارج؟
- الامم المتحدة تصف العلاقات بين طهران وبغداد بـ"متشابكة" وطهران تعتبر توجيهات السيد السيستاني الاخيرة خريطة طريق لحكومة العراق.