حجم النص
بقلم :حسين الخشيمي
مرة اخرى نعود للحديث عن أولئك الذين لا يملون النفخ في اكياس النايلون المثقوبة !! أولئك الذين لا ينظرون إلا بعينٍ واحدة, ويطلبون من عامة الناس أن ينظروا معهم بالعين ذاتها, فهم تماماً كالذي ينام ويحلم أحلام اليقظة قبل أن يأوي الى فراشه, ثم يذهب في الصباح الى عمله -إن كان إعلامياً- او أي مؤسسة إعلامية إن كان شخصية عامة تعمل في مجال آخر؛ ويصرح من هناك بإنجازاته (الوردية) التي أنجزها بالأمس وهو على وسادة الأحلام الناعمة, متحدثين عن الانجاز المزعوم بطريقة غريبة, تشبه كثيراً طريقة ضباط الجيش عندما يتحدثون عن اقتحام الجيش لميدان العدو وتحقيق الانتصارات المتتالية. فالمجال الإعلامي والصحفي لم يسلم هو الآخر من (النفاخين), فهو لا يخلو اليوم من هؤلاء الذين تحدثنا عنهم, حيث يجعلون من عملهم الصحفي والإعلامي "حلالاً للمشاكل" فيدّعون إن المثقف العراقي لا يستسيغ أي صحيفة, او مجلة, او فضائية, إلا تلك التي تشرفت بشخوصهم العملاقة, و لا عمل يستحق الثناء والإطراء إلا أعمالهم في مؤسساتهم التي تدعي الحيادية, وإنتاج الأفكار الرصينة, والكلمات النيرة.!!
رئيس تحرير إحدى المجلات المعروفة بنشر صورة الجميلات على أغلفتها هو الآخر حذا حذو هؤلاء, وفي لقاء له على شاشة إحدى الفضائيات (الحكومية) كان يبتدئ كل حديث عن هذه المجلة بـ (مجلتي) حتى خُيل لي في بادئ الأمر انه رئيس تحرير مجلتي المعروفة للأطفال, ثم اخذ ينفخ فيها حتى صارت بالوناً وردياً, لدرجة إن المقدمة التي أجرت معه الحوار انتفخ رأسها ولم تبادره مجدداً بسؤال آخر!!
ركز في حديثه على الإقبال الكبير الذي تلقاه المجلة حيث صّور لنا الاخ رئيس التحرير إن كل المشاكل التي ابتلي بها المجتمع العراقي في السنوات الأخيرة قد قامت مجلته المباركة بحلها في إعدادها التي تصدر عند أول كل شهر, ويعزو سبب هذا الانجاز وهذه السرعة في معالجة المشاكل من خلال هذه المجلة السحرية؛ الى إنه يقوم بوضع كل المجلات العالمية أمامه قبل أن يصدر العدد الشهري من مجلته, حيث يقول " أنا قبل أن أقوم بالعمل في المجلة أضع أمامي كل المجلات العالمية لكي لا يقل مستوى مجلتي عن مستوى المجلات العالمية, وخصوصاً في جانب الصور والتصميم الخارجي للغلاف"..!! وبالتالي يرى رئيس التحرير المحترم إن التصميم الجميل ووضع صور لفتيات شبه عاريات, والاهتمام بزوايا المكياج؛ أمراً يسهم في رفع مستوى ثقافة القارئ!! ليشارك بهذه الفكرة زملائه القائمين على الفضائيات العراقية والعربية التي تصور لنا الحياة من خلال برامجها ومسلسلاتها إنها عبارة عن قصة حب يموت الحبيب فيها فداءاً لحبيبته, او هي نكتة (سخيفة) للضحك مهما كانت تحمل معها من كلمات سافلة, او إنها مجرد علاقات غير شرعية بين الشباب والشابات في الجامعة او النادي او الملاهي الليلة يتبادلون القُبل في الشوارع, ويختلون في شقق مشبوهة..!!
المشكلة إن رئيس التحرير هذا وامثاله وضعوا في أماكن حساسة ليسوا أهلاً لها, فالعمل الإعلامي يحتم على العاملين فيه مسؤوليات كبيرة, فمن خلاله تُحدد الأطر الفكرية للمجتمع, فالأفكار التي تطرح في الصحف والمجلات وعلى الفضائيات ترسم ثقافة المجتمع, فإذا كان رئيس التحرير او مدير المؤسسة إلاعلامية فاقداً لكل مؤهلات إنتاج الفكر الهادف والرصين فكيف ننشد مجتمعاً مثقفاً؟ بل إن أغلب القائمين على المؤسسات الإعلامية لا علاقة لهم بالثقافة والفكر ابداً, لا من قريب ولا من بعيد, فنجد من بينهم من هو غارقٌ في (الزنا) مع عاهراته !!. وآخر يبحث عن حزب او جهة سياسية يروج لها من اجل الحصول على منصب ما, كذلك هناك من يتخذ من الإسلام شعاراً وغطاءاً لطرح بعض الأسماء التي جاءت للعراق من اجل الحصول على الغنائم في الوقت الذي تعد فيه تلك الأسماء بعيدة تمام البعد عن الإسلام..!!
وهنا نقف حائرين ماذا نفعل؟ والى من نشتكي؟ كيف نسلح أنفسنا وعوائلنا من خطر هذه المؤسسات الإعلامية والقائمين عليها, التي بدأت تغزوا المجتمع بسرعة رهيبة, نحن اليوم بحاجة الى وقفة واحدة بوجه كل أولئك (النفاخين) الذين يحاولون خداع المجتمع بالمظاهر الزائفة عبر تلك الأفكار والصور والبرامج, وان نعي حجم المؤامرة التي تُحاك ضدنا من اجل إبعادنا عن الفهم الحقيقي للأعلام والثقافة, ولكي نبقى غارقين في إعلامٍ يلهث وراء الفسق والفجور ويطبل للحكومات والأحزاب بحثاً عن المناصب.