- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الغدير.. بين رأي السياسي وقراءة المخالف
بقلم: علي الخفاجي
ليس من الغريب أن تكون هناك خلافات في السياسة أو قراءات مختلفة للنصوص الدينية، فقد يتم الخوض في كل من السياسة والدين بعيداً عن الآخر، أو يؤثر أحدهما بالآخر بما يصور حقيقة العلاقة بين الدين والسياسة، فلطالما كانت السياسة وراء كثير من المخالفات في الأحكام الشرعية انتصاراً لحالكم أو فئة معينة، كما كانت وراء كثير من الخلافات المذهبية التي أدت إلى صراعات ومناحرات، وبمناسبة الحديث عن (الغدير أن يكون عيداً رسمياً في العراق) وهو مطلب ليس بجديد، ففي الوقت الذي كتب السياسيون دستورهم في 2003م وأقروا فيه مايضمن حقوق الأديان والمذاهب، وحقوق الغالبية منها، تراجعوا في كثير مما كتبوه بعد ذلك حتى أصبح من يظهر اليوم منهم ليقول إنَّ هذه الدعوة ترسيخ للطائفية.
وفي مراجعة النصوص نرى أنَّ جميع المصادر الإسلامية ذكرت حادثة غدير خم، ولم يختلفوا في أنَّ المقصود بالحادثة هو شخص علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن يكون مولى المؤمنين وأولى بهم من أنفسهم، وجاء من اعتبره حادثة عابرة ملتفاً حول المعنى اللغوي للولاية ليفسر قول النبي صلى الله عليه وآله (من كنت مولاه فعلي مولاه) بأنه أراد بالولاية المحبة، ويقول مامعناه حبُّوا علياً كما أحبُّه، ويكون ذلك في حجة الوداع التي ينتظر فيها المسلمون وصيته حرفاً حرفاً، ويكون الموقف في صحراء قاحلة يلفحها حر الهجير ووهج الظهيرة، وهو التفاف حول النص والواقعة واضحٌ وعُريانٌ إلى حد ما.
وهنا لابد من الحديث عن حقيقة قد ننصف بها المخالف، وهي أنه حينما يقرأ النصوص الحديثية أو الوقائع التاريخية فأنه يقرأها قراءة تقليدية متأثرة بالبيئة إلى حد كبير، أي أنه أسير للبيئة الموروثة المنسوب إليها، وباختصار أنه عندما يخالف الآخر الرأي ليس لأنَّ النصوص دائماً غامضة أو لأنها حمالة وجوه، فقد تكون أحياناُ كذلك، إنما يقرأها قراءة بيئية، وفي ذلك شواهد منها أننا عندما نتحدث مع الإخوة السنة عن أنَّ الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله دون آله صلاة مبتورة فإنهم يقرُّون لنا بذلك؛ لأنَّ كيفية الصلاة مذكورة في كتبهم التي يسمونها وراثياً (الصحاح) وبيئياً أنها (أصح الكتب بعد القرآن الكريم)، فيقولون إننا اعتدنا أن نصلي بهذه الكيفية التي ورثناها من السلف الصالح، وقد يبرر بعضهم المسألة حينما يكون صريحاً فيقول: إننا نخشى لو صلينا الصلاة التامة أن يتهمنا أبناء مذهبنا بالتشيع، وهو نفس السبب الذي يفسر خلو مكتباتهم العامة والخاصة من كتبنا في الوقت الذي تحوي مكتباتنا كتب الفريقين في شتى المجالات، بحيث يكون بعضها إلى جنب بعض إلى حد الاختلاط، ولاتجد من ينتقد ذلك، بل هناك من يعتبره نوعاً من الانفتاح والثقة بالنفس.
ونعود بالحديث عن مناسبة الغدير ورغبة الكثير من أبناء العراق في جعله عيداً رسمياً، فالأمر الغريب فيه أن يصرح بعض السياسيين ممَّن لايحسن تركيب جملة أو إعرابها، بأن ذلك يُعدُّ ترسيخاً للطائفية متناسياً أنَّ الحادثة متواترة، أو يأتي ليفسر الولاية تفسيراً لغوياً دون أن يعطيها أبعادها الحقيقية، ومن المعيب على السياسي أن يثور لأجل ذلك ولايحرك ساكناً على مايحصل من احتفالات عامة في ليلة رأس السنة الميلادية، ولو هوَّن السياسي الأمر خصوصاً لمن ينادي باللحمة الوطنية في معسولاته فيقول لنحتفل بالغدير لأنَّ سيدنا عمر بن الخطاب هنأ الإمام وقال له بخ بخ لك ياعلي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، لكان أصدق وأكرم.
والطامة الكبرى بل الصاخة التي تصخ الآذان وتفزع الولْدان أن يعتبر البعض منزلة علي عليه السلام الرابعة بناءً على التسلسل التاريخي الذي تولى فيه الخلافة، فيا أيتها الأمة الضالة بعد نبيها لاوفقكم الله في عيد فطر ولا في ضحى متى كان التاريخ هو من ينزل الناس منازلهم؟
وهل التاريخ إلا لقمة الحرام التي اعتاش عليها الحكام ومن يدور في فلكهم من الهوام؟
وهل التاريخ إلا مائدة يتنطع عليها المغرضون ليعتاشوا على عظامها؟
والآن إذا أردنا أن نعذر المخالف في قراءته المختلفة للنصوص واعتبرناها قراءة متعبدة ويتيمة، وأنه أسير للبيئة التي نشأ فيها، فهل نعذر السياسي حينما يخوض مع الخائضين؟