- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الكهرباء.. قصة الإخفاق العراقي الكبير - الجزء الثالث والأخير

بقلم: نصيف الخصاف
بتاريخ 21/11/2018، أصدرت هيئة النزاهة تقريرها بشأن مشاريع الكهرباء المتلكئة، وذكر بيان للهيئة أنّ “فريق استقصائي من دائرة الوقاية في الهيئة أوصى بتفعيل مشاريع الطاقة الكهربائية المتوقفة التي حققت نسباً متقدِّمة من الإنجاز، وتُقدَّرُ إنتاجيَّـتها بـ(14000) ميكا واط، التي من شأنها تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الطاقة الكهربائية، وتشمل المحطات الحراريّة والغازيّة والمركبة، إضافة إلى محطات (الديزلات هونداي) وسامراء، وفي (12) موقعاً و(17) محطة ثانوية، والوحدات البخارية المتوقفة في عددٍ من المحطات، فضلاً عن العقود الاستثمارية، إذ أبرمت وزارة الكهرباء عقوداً استثمارية بطاقات إنتاجية وصلت إلى (8300) ميكا واط، دخل منها للمنظومة (3000) ميكا واط، إضافةً إلى زيادة فعالية شبكة الخطوط الناقلة للطاقة الكهربائيَّة، بما يُؤمِّنُ نقل الحاجة الفعليَّة منها[1]“
وكشف الفريق، الذي قام بزيارات ميدانيــةٍ لبعض تشكيلات وزارة الكهرباء والوزارات والجهات ذات العلاقة لتحديد المُعوِّقات التي تواجه عملها وعدم قدرتها على تلبية الحاجة الفعلية للمواطنين، أن “مجموع الأموال المصروفة ضمن الموازنة الاستثمارية لوزارة الكهرباء بين عامي (2006 – 2017) بلغت أكثر من (34) ترليون دينارٍ عراقيٍّ بما يقارب (29) مليار دولارٍ أمريكي، أما الطاقة الإنتاجية المُتحقِّقة فبلغت (16010) ميكا واط، علماً أنَّ الطاقة الإنتاجية التصميميَّة (33595) ميكا واط، أي أنَّ نسبة الطاقة المتحققة أقلُّ من النصف… وشخَّص الفريق، في تقريره المُرسلة نسخة منه إلى مكتبَي وزيري الكهرباء والنفط، الكثير من المخالفات، مثل عدم تنفيذ الأمر الديوانيِّ الصادر عن مكتب رئيس الوزراء في 10/9/2015 بإعفاء (8) من المديرين العامِّين من مهامهم وإحالتهم إلى التقاعد، وإحالة عقد تجهيز مادة الگاز لمحطات التوليد إلى شركاتٍ دون مصادقة لجنة تحليل العطاءات، التي استبعدت بعضها أو لم يرد اسمها ضمن محضر لجنة تحليل العطاءات، مضيفاً وجود تلكُّؤٍ في تنفيذ العقد المُبرم بين المديريَّة العامَّة لنقل الطاقة الكهربائيَّة لمنطقة الفرات الأعلى وإحدى الشركات، ومخالفات في طلبات تجهيز محطتي ديزلات”[2]
بتأثير لوبي الفساد، الذي صوّر المشكلة في هذا القطاع بأنها مشكلة توزيع ونقل، وقع رئيس مجلس الوزراء الأسبق اتفاقيتين مع كل من شركة سيمنز وجنرال إلكتريك، ومع أنّنا نستورد الكهرباء من إيران، ونعمل على استيرادها من الخليج عبر الربط الخليجي، بالإضافة إلى أن نشرة وزارة الكهرباء ذاتها تشير إلى أن معدل الإنتاج مع المستورد مع المحصل من المحطات الاستثمارية يبلغ في أقصى حالاته “21000 ميغاواط” فيما تبلغ الطاقة المطلوب إنتاجها لتغطي الاستهلاك “نحو 50 ألف ميغاواط” -ذروة الإنتاج في سنة 2022، بلغ 22 ألفاً و680 ميغاواط، بينما يحتاج العراق إلى 40 ألف ميكا واط، ونحو 10 آلاف ميكا واط أخرى، في حال دعم الصناعات المحلية- مع كل هذه الدلائل على شحة الإنتاج، يروج في الإعلام وداخل أروقة الوزارة، بأن المشكة الحقيقية لأزمة الكهرباء تتعلق بالنقل والتوزيع، وهذا ما أُوهِم كل رؤساء الوزراء السابقين به، وصولاً إلى محمد شياع السوداني.
تبلغ قيمة الاتفاقية التي وقعها عادل عبد المهدي، مع شركة سيمنز 14.650 مليار يورو، تتضمن “تجهيز” 13 محطة تحويلية 132 ك.ف.أ، ومنظومات تبريد للمحطات الإنتاجية و”تجهيز” وحدات توليد سريعة النصب “وُقِّع العقد الخاص بهذا الجزء زمن حكومة الكاظمي”. بالإضافة إلى محولات، مختلفة القدرات، وكل ما يتعلق بمنظومات النقل والتوزيع بالإضافة إلى “إعادة تأهيل محطتي بيجي بقدرة إجمالية تبلغ 1200 ميغاواط وإنشاء محطة إنتاج واحدة بقدرة “500 ميغاواط” بينما حاجتنا الفعلية حسب نشرات وزارة الكهرباء ذاتها تزيد على 20000 ميغاواط. أي أنها اتفاقية لا تتضمن إنشاء محطات إنتاج كهرباء جديدة لإنهاء شحة الإنتاج غير ما ذكرت أعلاه، بل مجرد تجهيز متطلبات توزيع ونقل كهرباء “غير منتَجة أصلاً”.
أما الاتفاقية مع جنرال إلكتريك أو ما يسمى بـ”خارطة الطريق” التي وقعها عادل عبد المهدي، فهي أسوأ من حيث المضمون من الاتفاقية مع سيمنز، حيث تقوم شركة جنرال إلكتريك بـ”تطوير” محطات فرعية “محولات” ومد أسلاك هوائية، ونظام تحكم مركزي لإدارة الطاقة، وتقديم “خدمات استشارية” لتحسين عملية تحصيل عائدات الكهرباء، ما يعني أن الاتفاقية مع جنرال إلكتريك، لا تتضمن إنشاء محطات إنتاج كهرباء أيضاً.
يروج في أروقة الوزارة، وفي الإعلام بأن كلفة التعاقد لإنتاج ألف ميغاواط تبلغ مليار دولار، وهذه الكلفة تعادل ضعف مثيلتها في بقية بلدان العالم، فقد أُنشأت محطة “الفجيرة F3” بقدرة إنتاجية تبلغ 2.4 غيغاوات، بتكلفة إجمالية للمشروع نحو 1.1 مليار دولار، وفي مصر تضمن العقد مع سيمنز إنشاء 3 محطات توليد كهرباء بقدرة إجمالية 14 ألفاً و400 ميغاواط “بقدرة 4800 ميغاواط للمحطة الواحدة”، وتبلغ التكلفة الإجمالية للمحطات الثلاث نحو ستة مليارات يورو، وكانت مدة التنفيذ سنتين فقط.
خُصّصت لهذا القطاع أموال طائلة، عدا المنح والمساعدات الدولية التي مُنحت لإصلاح منظومة الكهرباء، يبينها الجدول التالي:
جدول رقم (14) التخصيصات المالية والقوى العاملة لوزراة الكهرباء للمدة من 2005 لغاية 2023
الجدول أعلاه مأخوذ من قوانين الموازنات العراقية للسنوات المثبتة، وفي السنوات التي لم تشرع فيها قوانين موازنات (السنوات، 2014، 2022)، اعتمدت التخصيصات المالية للسنوات التي سبقتها استناداً إلى قانون الإدارة المالية، أما سنة 2020، فاعتمدت الأرقام المثبتة في مشروع قانون الموازنة الذي صوت عليه مجلس الوزراء، ولم يقر في مجلس النواب، ولكن أنفقت التخصيصات استناداً إلى مشروع القانون، ويمكن ملاحظة أنّ أعداد القوى العاملة غير صحيح لكل السنوات، فحسب مؤشرات المنشآت الصناعية الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء يبلغ عدد المشتغلين في قطاع الكهرباء في سنة 2017، 97,809 فرداً، ويبلغ عددهم في سنة 2023، 179,920 فرداً[3]، ما يُظهر حجم التفاوت الكبير في أعداد القوى العاملة المثبت في قوانين الموازنات، مع أعدادهم الحقيقية. ولكن سأعتمد على الأرقام المثبتة في تلك القوانين لتوضيح مقدار ما أهدر من أموال، والتغير الكبير، وغير المسوّغ في التخصيصات المالية للنفقات التشغيلية للوزارة من 2005 ولغاية 2023.
يتضح أن مجموع المبالغ التي رُصِدت لوزارة الكهرباء للفترة من سنة 2005 ولغاية 2023 تبلغ “122,882,159,899 ألف دينار” “تقريباً مئة وثلاثة وعشرون ترليون ألف دينار”.
وتتراوح النفقات التشغيلية للوزارة للسنوات من 2005 ولغاية 2007 بين 106 -112 مليار ألف دينار والقوى العاملة في حدود 590 موظفاً، ارتفع عدد القوى العاملة فجأة ليصل في عام 2008 إلى 11,719 موظفاً، لكن التخصيصات المالية التشغيلية التي من المفترض أنها ترتفع لتغطي رواتب الزيادة بعدد الموظفين بَقيَت على حالها دون تغيير، ما يشير إلى وجود خلل في الموازنة التشغيلية لتلك السنة، وارتفع عدد القوى العاملة في قانون موازنة سنة 2009 إلى 18,290 موظف، لكن تخصيصات النفقات التشغيلية ارتفعت إلى 2,726,151,626 ألف دينار، أي ما يعادل 25 ضعف موازنة أي سنة من السنوات الخمس التي سبقتها، مع أن رواتب الموظفين على رغم عددهم غير الدقيق في تلك السنة يساوي “277,589,232ألف دينار” “مئتان وسبعة وسبعون مليار وخمسمئة وتسعة وثمانون مليوناً ومئتان واثنان وثلاثون ألف دينار”.
عدد القوى العاملة في قانون موازنة 2010، تقلص فجأة إلى 648 موظفاً (لا يبدو الرقم صحيحاً، وهو مثال للفوضى في إعداد الموازنات)، بينما ارتفعت تخصيصات الموازنة التشغيلية عن السنة التي سبقتها إلى “2,806,892,157 ألف دينار” مع أن عدد القوى العاملة المثبت في قانون الموازنة، يساوي تقريباً 1/28 من عددهم في السنة التي سبقتها.
نرى أن النفقات التشغيلية للسنوات بين 2011 و2016 ارتفعت بوتيرة معقولة، مع أنها أكثر كثيراً من الحاجة إلى تغطية رواتب الموظفين في تلك السنوات، وهي تتراوح بين ترليون وربع ألف دينار إلى ترليون و800 مليار ألف دينار.
فإذا كانت التخصيصات المالية للنفقات التشغيلية للسنوات من 2011 ولغاية سنة 2016 قد غطّت كل بنود الصرف التي تتضمنها الموازنة التشغيلية على مدى السنوات السبع أعلاه، فما الحاجة إلى زيادتها في السنوات التالية لتصل إلى ما يزيد على خمسة أضعافها في سنة 2023؟
الأحد عشر ترليون دينار، التي أضيفت إلى تخصيصات النفقات التشغيلية في سنة 2023، دون وجود مسوّغ يتطلب زيادة تلك التخصيصات بهذا الحجم الهائل، تساوي بالدولار(بسعر صرف 1500 دينار لكل دولار)، نحو 7,333,333,000 دولار (سبعة مليارات وثلاثمئة وثلاثة وثلاثون مليون و…دولار)، وهو أكبر من المبلغ الذي تعاقدت به مصر مع سيمنز المشار إليه أعلاه، ما يعني أنه كان بإمكاننا أن نضيف نحو 15 ألف ميغاواط، بمجرد إدارة الأموال بطريقة منتجة.
تُصر وزارة الكهرباء على مشاريع لا تعالج أصل المشكلة المتمثل بالإنتاج، مثل نصب عدادات ذكية، لكهرباء غير موجودة، أو إنارة الطرق الخارجية، في الوقت الذي تدعو المواطنين إلى “ترشيد الاستهلاك”، وتنصب محطات تحويل، لكهرباء غير موجودة، وتتعاقد على محطات إنتاج ألف ميغاواط يستغرق تنفيذها ثلاث سنوات، فيما تبلغ الزيادة السنوية للاستهلاك ما بين 1500-1750 ميغاواط، أي أننا عند افتتاح تلك المحطة التي ستزود الشبكة الكهربائية بألف ميغاواط، ستزداد مدة القطع المبرمج عدة ساعات، لأن الاستهلاك سيكون قد ارتفع إلى نحو أربعة آلاف ميغاواط.
يمكنك قراءة المقالين السابقين هنا:
الكهرباء.. قصة الإخفاق العراقي الكبير - الجزء الأول
الكهرباء.. قصة الإخفاق العراقي الكبير - الجزء الثاني
المصادر:
[1] هيئة النزاهة، تقرير عن الكهرباء، 21/11/2018.
[2] المصدر السابق.
[3] مؤشرات المنشآت الصناعية، الجهاز المركزي للإحصاء، وزارة التخطيط العراقية، بغداد.
أقرأ ايضاً
- أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ - السَّنةُ الثَّانيَةُ عشَرَة - الجزء الثامن عشر
- أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ - السَّنةُ الثَّانيَةُ عشَرَة - الجزء السابع عشر
- أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ - السَّنةُ الثَّانيَةُ عشَرَة - الجزء السادس عشر