بقلم: مروة حسن لعيبي - معاون قضائي
القضاء وظيفة من وظائف الدولة لها سمة ٌ تقتضي تمييزها عما سواها من الوظائف التنفيذية والتشريعية بعده سلطة تهدف الى ضمان سيادة القانون وتطبيقه من جهة وكفالة الحقوق والحريات من جهة اخرى، فهو اداة جبارة لتحقيق العدالة وضمان تطبيقها وترسيخ قواعدها في المجتمع.
ان استقلال القضاء وولايته في مباشرة العمل القضائي دون تأثير من اي جهة لا يعد امتيازاً بقدر ما هو حق من الحقوق الطبيعية الثابتة والذي يتصل بحق الانسان في محاكمة عادلة، كما انه ضمانة من ضمانات حقوق الانسان لما يحتله من مكانة مهمة في الدولة بوصفه الجهة الاصلية التي تتولى الفصل بين المنازعات التي تقع بين الافراد او بينهم والدولة، ومن ثم فهو ضمانة اساسية للسلم الاجتماعي، وفي ذلك يقول الفقيه الفرنسي بيردو في مؤلفه "الحريات العامة": (ان خير ضمان لأمن الفرد هو قيام عدالة يباشر في ظلها القاضي ولايته غير مستهد الا بنصوص القانون ووحي ضميره ولا قيام لتنظيم قانوني سليم الا بتحقيق الاستقلال للقضاة في مواجهة المتقاضين او مواجهة الدولة).
وقد اكد الدستور العراقي على ان (القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون، وان السلطة القضائية مستقلة، وتتولاها المحاكم على اختلاف انواعها ودرجاتها وتصدر احكامها وفقا للقانون، وان القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضاء او في شؤون العدالة، ويتولى مجلس القضاء الاعلى ادارة شؤون الهيئات القضائية).
هذا الاستقلال لا يعني انفصال السلطة القضائية او العمل بمعزل عن السلطات الاخرى، ومبدأ الفصل بين السلطات لا يناقض تكاملها وانسجامها لتحقيق اهدافها في ارساء النظام وحفظ العدل والقانون وتحقيق الرفاهية، فتكامل السلطات مبدأ يضاهي اهمية الفصل بين السلطات.
ان عمل السلطات الثلاث يتمحور حول القانون والمجمتع، فالسلطة التشريعية تشرع القانون، والسلطة القضائية تطبقه، اما السلطة التنفيذية تنفذه. ويتفرع عن ذلك مجموعة من المهام المترابطة المتكاملة لتحقيق غاية القانون في المجتمع. ومن مظاهر التكامل بين عمل السلطة التشريعية والقضائية في المادة (3/رابعا- عاشرا- حادي عشر) من قانون مجلس القضاء الاعلى رقم (45) لسنة 2017، والذي اكدت عليه المادة (91/ثانيا وثالثا) من الدستور، فضلا عن المادة (90) والتي نصت على (يتولى مجلس القضاء الاعلى ادارة شؤون الهيئات القضائية، وينظم القانون، طريقة تكوينه، واختصاصاته، وقواعد سير العمل فيه).
فضلا عن ان القضاء هو الذي يبث الروح في النص القانوني عند تطبيقه والا بقيت نصوصا جامدة في ورق، اما تكامل عمل السلطتين القضائية والتنفيذية فيبدو من خلال الارتباط والاعتماد على بعض مخرجات وزارات وهيئات السلطة التنفيذية كوزارة الداخلية وتشكيلاتها في حفظ الامن والتحري عن الجرائم واعداد الدليل، ووزارة العدل في تنفيذ الحكم القضائي واستيفاء حق الدولة بالعقاب فضلا عن الوزارات والهيئات الاخرى الساندة للعملية القضائية، ومن مظاهر التكامل مع السلطة التنفيذية ان المجلس طرفا فاعلا في المشاركة والمساهمة في وضع وتنفيذ الاستراتيجيات العامة والخاصة.
اذن: القضاء يتكامل مع سلطات الدولة الاخرى، فلا جدوى من عدلٍ قانوني دون عدالةٍ قضائية تنفذها السلطة التنفيذية.
أقرأ ايضاً
- قل فتمنوا الموت إن كنتم صادقين... رعب اليهود مثالاً
- المقاومة اللبنانية والفلسطينية بخير والدليل ما نرى لا ما نسمع
- ارتفاع سعر صرف الدولار .. استمرار الغلاء الفاحش