- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
يالها من سياسة يالهُ من اقتصاد .. و يالهُ من بلد
بقلم: د. عماد عبد اللطيف سالم
قدّمت الحكومة العراقية (من خلال حملة التعيينات الأخيرة) تعريفاً لمفهوم "البطالة"، وللعاطلين عن العمل، يختلف عن كُلّ المفاهيم المعتمدة في علم الإقتصاد، أو في أدبيات منظمة العمل الدولية.. لتؤسّس بذلك لسابقةٍ في قلب المفاهيم، وحرف الظاهرة عن معناها ومحتواها، لم تعمل بها من قبل أيّة دولة في هذا العالم.
التعريف الحكومي الحالي المُعتمَد للبطالة هو: أنّ العاطل عن العمل هو الشخص الذي "يعمل" فعلاً في القطاع الخاص، ويتقاضى أجوره كاملةً منه.. ولكنّه يُعَد "عاطِلاَ" عن العمل، لأنّهُ "يرغب"، أو يُفضِّل العمل في القطاع العام !!!!
وترتّب على تبنّي الحكومة لمفهوم كهذا، اتّخاذ وتنفيذ "قرارات" توظيف دفعت الكثير من التدريسيين العاملين (على الملاك الدائم) في الكليات والجامعات الأهلية (أي أنّهم ليسوا عاطلين عن العمل)، ويتقاضون منها أجوراً أعلى من رواتب الدرجة الوظيفية في المؤسسات الحكومية، إلى ترك "وظائفهم" في القطاع الخاص، والتوجه إلى قطاع الوظيفة الحكومية.
وبهذا تحوّل تدريسي (غير عاطل عن العمل)، و"مُنتِج" (أي يقوم بتدريس الطلبة) في القطاع الخاص، ويتحمل القطاع الخاص عبء راتبه، إلى "موظف" غير مُنتِج في القطاع الحكومي (قد لا يقوم بتدريس أي مادة)، وتتحمّل الموازنة العامة للدولة عبء راتبه.. وهذه الموازنة العامة هي ذاتها موازنة الحكومة التي قامت بهذه التعيينات.. وهي موازنة عامة "تنتفِخ" يوماً بعد آخر، وقد تنفجِر "ألغامها" علينا، وعلى حكومتنا "الرشيدة" في أيّة لحظة.
وبهذا الصدد يقول رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي أن إجمالي الإنفاق في الموازنة العامة "المُقتَرَحة" قد يصل إلى 196 ترليون، بعجز قدره 60 ترليون دينار، ويُقدِّرها آخرون بـ 250 ترليون دينار، وبعجز قد يصل إلى 80 ترليون دينار.
هؤلاء العاملين في القطاع الخاص (كتدريسيين مثلاً)، لهم حقوقهم في التقاعد والضمان الإجتماعي، ويدفعون عنها استقطاعات شهرية منتظمة، ولهم "أرقام" ضمان اجتماعي، أي أنّهم يعملون في القطاع "الرسمي" من الإقتصاد، ويخضعون لشروطه وحقوقه و واجباته.
وعلى وفق آلية التعيين الإعتباطية هذه، تم تعيين العاملين فعلاً، أو "غير العاطلين" عن العمل أصلاً، وترك "العاطلين" عن العمل تماماً دون توظيف.. كما تمّ ضخ أعداد واختصاصات لا حاجة لها في المؤسسات التعليمية الحكومية، وتمّ إجبار هذه المؤسسات على قبول توظيفهم فيها.
ولأنّ الأعداد كبيرة، والإحتياجات غير مدروسة أصلاً، فقد تمّ تنسيب حملة شهادات الدكتوراه والماجستير في التاريخ للعمل في كليات الهندسة.. وتنسيب خريجي الفقه والشريعة للعمل في كليات الإدارة والإقتصاد.. وتنسيب خريجي الفنون والتربية الرياضية للعمل في كليات العلوم !!!!!
يالها من سياسة.. ويالهُ من اقتصاد.. ويالهُ من بلد.