- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الضرورة القصوى لإصلاح النظام السياسي
عباس الصباغ
لم يأت اعتباطا او عن فراغ، شعار (نريد وطن) الذي أصبح شعارا مركزيا للتظاهرات المندلعة منذ بداية تشرين والى الان في اغلب مناطق الوسط والجنوب وعلى رأسها العاصمة بغداد، فهذا الشعار عبّر عن فلسفة احتجاجية عفوية راقية ومكفولة دستوريا وعراقية خالصة لاشائبة فيها، جاءت كرد فعل غاضب بعد ان أحسّ اغلب العراقيين بان احلامهم في وطن يعوّضهم عن سنوات القحط والرعب والحرمان والحكم البوليسي الذي عاشوه في زمن الديكتاتوريات المتعاقبة التي أحرقت الحرث والنسل، وطن يوفر لهم العيش الكريم اللائق بشعب الحضارات وبكرامة الفرد العراقي، هذه الاحلام التي تيسرت بعد التغيير النيساني المزلزل الذي اطاح بآخر ديكتاتورية شمولية قد تبددت وتلاشت، وايضا جاء شعار (نريد وطن) للتعبير الممضّ عن الشعور باليأس والاحباط الكبيرين من عملية سياسية انتخبها الشارع العراقي بنفسه وتحدى الصعاب والمستحيلات من اجل انجاحها وديمومتها لاكثر من دورة انتخابية، لكنه لم يلمس منها وعلى مدى 16 سنة ونيف اية بادرة خير تلبي ادنى طموحاته في العيش الكريم، اضافة الى تفاقم الفساد المالي والاداري وسوء الخدمات العامة وغياب العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات الوطنية بشكل مجحف للكثيرين ، فحدث الانفجار التشريني الذي كان متوقعا في اية لحظة وهاهو قد وقع ولكن ولات حين مندم، ولطالما حذرت المرجعية من حدوثه في حال استمرار الاحتقان المتولّد بسبب استمرار المعاناة الناتجة من طبيعة النظام السياسي الخاطئ والذي لابد من اصلاحه ليسير العراق على السكة الصحيحة، فالإصلاح الحقيقي المنشود يبدأ من صلب هذا النظام (التوافقي / التحاصصي) وينتهي به، ولا يختلف اثنان من العراقيين على ان هذا النظام السياسي ، كان هو السبب الرئيس في انعدام ثقة الشارع العراقي بالعملية السياسية والمتخم بالمعاناة جراءها، فهذا النظام هو جوهر المشكلة التي ادت الى هذا الانفجار المدوي ، ولم يكن يوما ما في مستوى الطموح او في مستوى آمال الجماهير كونه لم يقدّم ما كان يصبو اليه الفرد العراقي من مستوى معيشي يليق به، وصحيح ان هنالك اسبابا أُخر كتردي مستوى المعيشة والبطالة وضعف الخدمات الا ان اسلوب النظام السياسي الخاطئ يبقى لب المشكلة وسبب اهتزاز ثقة الشارع بالعملية السياسية او انعدام ثقته بها تماما، وهو مايفسّر الاحتقان المتكرر للشارع العراقي الذي مازال يئنّ من سطوة الفساد الذي اهدر المال العام وبدّد فرص العيش الكريم والتنعم بالخدمات وامكانية التنمية المستدامة، فهذا النظام بحاجة الى اصلاحات اكبر واعمق واشمل وفي جميع المجالات لإعادة الثقة الى الشارع العراقي بعمليته السياسية من جديد.
وانسحب عدم الثقة ايضا على القناعة بالإجراءات العاجلة التي تقوم بها الحكومة على شكل حُزم اصلاحية جاءت اكثرها متأخرة فالكثير من الحُزم الاصلاحية او الاجراءات التي كانت تطلق سابقا عقيب اندلاع تظاهرات غاضبة وحاشدة لم تكن لتفي بالغرض المنشود منها او انها كانت في وادٍ والشارع في واد ٍاخر او انها بقيت حبرا على ورق وخضعت هي الاخرى للفساد او التسويف،ومع هذا فقد كانت تلك الحُزم تلقى بعض "المقبولية" من قبل الشارع، ولكن وبعد استمرار زخم التظاهرات الان لم تعد تلك الحُزم تحظى بمقبولية كافية لامتصاص غضب الشارع او لاقناع المتظاهرين بالكفّ عن الاستمرار بالتظاهر والرجوع الى بيوتهم بعد ارتفاع سقوف مطاليبهم التي بدأت بسيطة وتتعلق اكثرها بالجانب الخدمي / المعيشي الى ان تطورت الى افق سياسي ابعد من هذا كتغيير النظام السياسي الى الرئاسي وحل البرلمان والغاء مجالس المحافظات وتقليص رواتب كبار المسؤولين واصحاب الدرجات الخاصة ونبذ المحاصصة المقيتة وحجب الاحزاب تماما من المشهد السياسي واسترجاع الاموال المنهوبة من قبل الفاسدين واجراء انتخابات نزيهة مبكرة بعد تعديل قانونها واستبدال مفوضية الانتخابات بأخرى بعيدة عن التحزب، اضافة الى تعديل الدستور...الخ
ولهذا اشارت المرجعية في بيانها الاخير الى ان المشهد السياسي العراقي لن يكون كما كان قبل اندلاع التظاهرات، وذلك بعد اجراء الاصلاحات المأمول تنفيذها وتنفيذ ما امكن تنفيذه من المطالب المشروعة للمتظاهرين والتي تصبّ جميعها في مشروع اصلاح النظام السياسي الذي يعد جوهر تلك المطالب واصبح الان ضرورة استراتيجية لامناص عنها.
أقرأ ايضاً
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول
- صفقات القرون في زمن الانحطاط السياسي
- ثورة الحسين (ع) في كربلاء.. ابعادها الدينية والسياسية والانسانية والاعلامية والقيادة والتضحية والفداء والخلود