بقلم: حسين فرحان
((ان من المؤسف ان نجد خريج جامعة يصعب عليه كتابة اسمه، واذا كتب قطعة نثرية نجدها مملؤة بالاخطاء الاملائية)).
جملة اقتبستها من خطبة الجمعة التي القاها سماحة السيد أحمد الصافي في الصحن الحسيني الشريف بتاريخ ٣١/٨/٢٠١٨، وهي تستحق الوقوف عندها والتأمل في مضمونها خصوصا وأنها جائت في سياق بحث اجتماعي تناوله المنبر بشيء من الاسهاب والتفصيل نظرا لأهميته في بناء مجتمع واع مثقف يشكل أداة مهمة من أدوات أي عملية إصلاحية وفي شتى المجالات.
ورغم أن الخطبة قد تناولت مواضيع أخرى مهمة تستحق التأمل الا أن موضوع معاناة الطالب الجامعي في كتابة اسمه وعجزه الأملائي يدفعنا للتساؤل عن حال سائر الطبقات في هذا المجتمع، نتسائل عن ثقافة عامة وعن وعي ديني وعن فهم للواقع وعن إدراك للحقائق وعن ملكة تحليل لما يجري وعن أشياء أخرى وإن كانت نسبية لكنها تشكل بمجملها حالة سلبية عامة ينبغي تداركها لتلافي مايترتب عليها من آثار تخل بالمنظومة الدينية والثقافية للمجتمع.
هنالك حقائق مؤلمة عن أشخاص من صنف العاجزين عن كتابة أسمائهم واصحاب العثرات الاملائية بأميتهم الابجدية وكذلك حقائق مؤلمة أخرى عن اشخاص عجزوا عن الادراك والوعي فخانهم التعبير الكلامي والعملي المبني على التصورات والظنون وهم ممن جعلتهم الظروف في فئة اصحاب الامية الحضارية.
الجميع يطالب بالاصلاح وينشد الصلاح والرخاء ويتمنى أن يرى بلده بالمستوى الذي وصلت إليه سائر البلدان التي تعد بلدانا نفطية، لكن مع وجود هذين النمطين من البشر (أصحاب أمية الحرف والفكر) ومع وجود منظومة سياسية فاسدة لم تحرك ساكنا في سبيل التخلي عن أنانيتها وتمسكها بالمناصب فالأمر سيكون صعبا والتغيير سيبقى رهن فساد وأمية ضربت أطنابها الاوساط السياسية والاجتماعية.. إذن لابد من منهج يمكن لنا أن نتعرف على شكله ومضمونه وماهيته ولو بأيجاز، فنتحدث عن منهج علمي في بناء وإدارة الدولة، منهج يتحدث بلغة الارقام مخلفا السفسطة وراء ظهره، منهج علمي رصين تكون أدوات تنفيذه حكومة كفاءات لاحكومة أحزاب وتاريخ جهادي ونضالي، منهج يغلق الباب بوجه الأميين ولايترك لهم مجال الخوض في تفاصيله والالتفاف على منجزاته واستدرار خيره بطرق التزوير والرشوة واستخدام النفوذ الحزبي والعشائري، منهج يجعل الجميع يؤمنون بلغة الارقام ويؤمنون بأنهم لن ينالوا سوى استحقاقهم.
قضية الجهل والأمية رغم أنها أمر نسبي غير مطلق لكنها تشكل ظاهرة استدعت الوقوف عندها من قبل المرجعية الدينية العليا فتناولتها في خطبها كمشكلة اجتماعية لها آثارها الخطيرة، والبلد بحاجة الى مزيد من المواطنة الصالحة التي لا تحتل الأرصفة لتوسيع المنازل ولاترتشي لدعم المعاش ولا ترهب الناس بنفوذ العشيرة والحزب ولاتلقي بالنفايات والانقاض بحجة الخراب العام ولا تؤمن بالفكر الانقلابي والافكار الاخرى المستوردة بذرائع متخلفة مختلفة ولاتتخلى عن مقدساتها مع أول ناعق وداع ومشكك.. وغيرها من نماذج تتجسد فيها الأمية لتكون مكملة للفساد الحكومي وينتج عنها هذا الخراب الكبير الذي نشهده، ومن الأنصاف والعدل أن لا ننسب هذا الخراب للحكومات الفاسدة فحسب بل ننسبه أيضا الى الجزء متخلف من هذا الشعب وهو الجزء الذي لم يدخر جهدا في سبيل الهدم ثم الهدم ثم الثرثرة الفارغة.
لقد بان واتضح بعد هذه السنوات العجاف أنها لم تكن عجافا لولا ثلاثة مسببات (عدو خارجي وحكومات فاسدة وأمية ابجدية وحضارية ودينية لدى البعض).
والمرجعية الدينية أشارت الى هؤلاء جميعا والعقلاء ملتفتون لهذا الأمر وخصوصا قضية تفشي الامية والجهل التي خلفت نماذج تشبه كثيرا شخصية صاحب (الكَمُوج) فممّا يُروى من طرائف تاريخنا أنَّ رجلاً تقدّم إلى اﻹشبيلي ليسأله سؤالاً لا يسأل مثله إلّا أهبل أو مُستهبل. والسؤال هو: ما الكَمُوج ؟، فردّ الإشبيلي بسؤال: أين قرأتَها؟.. أجاب الرجل: في قول إمرئ القيس:" وليلٍ كموجِ البحرِ أرخى سدولَه.."، فقال الإشبيلي بنبرة جادّة: الكَمُوج دابّة تقرأ ولا تفهم..!
كم صادفتم في حياتكم من أمثال هؤلاء.. في تعاملكم.. في حواراتكم ؟ إنها بحق محنة كبيرة..
وفي الوقت الذي يفترض أن يكون الانسان فيه متفتحا واعيا لاستيعاب قضاياه الكبرى نجده لايجيد أن يضع حرفا على ورقة ولايجيد منطقا ولايعرف منهجا فهو وإن تحرك في دوائر متعددة الاأنه يبقى حراكا متخلفا لايترك وراءه سوى الخراب.
وهذا من طباع الكسالى العاجزين عن إصلاح أنفسهم فلاتكون لهم صحوة الا وقد طلعت عليهم الشمس.