بقلم: مازن الزيدي
منذ أشهر والرئيس الاميركي دونالد ترامب لا يتوانى عن توجيه انتقاداته اللاذعة لمنظمة الدول المصدرة للنفط "اوبك"، لجهة ارتفاع الاسعار. كما انه لا يتوانى عن مطالبة المنتجين بسدّ فراغ النفط الايراني، وخفض الأسعار في الوقت ذاته.
وكالعادة فإن دول الشرق الاوسط ودول الخليج تحديداً، هي الحلقة الأضعف في مواجهة ضغوطات ترامب التي تصاعدت مع دخول الحظر على تصدير النفط الايراني حيز التنفيذ مطلع تشرين الثاني الجاري.
في هذا السياق، جاءت فضيحة مقتل خاشقجي وتورط ابن سلمان بتفاصيلها، لتمنح ترامب فرصة ذهبية ليمارس هويته بالابتزاز من خلال معاقبة بعض دول المنطقة، وحلب اخرى وإجبارها على رفع انتاجها ليخسر النفط 28 دولارا من سعره يوم 21 من الشهر الجاري. اي بعد يومين فقط من مطالبته للسعودية بزيادة إنتاجها.
لم يكن امام السعودية سوى اطاعة الفرمان باعتباره ثمناً لوقوف ترامب الى جانب ابن سلمان، وضربه المؤشرات التي تثبت تورط الاخير بقتل خاشقجي، بما ذلك تقديرات السي آي ايه. كان ثمناً معقولاً يستحق ان تدفعه السعودية الى ترامب لقاء تبييض سمعة "مبس" التي تلخطت بدماء الصحفي المغدور.
هكذا وبعد يومين فقط، احتفل ترامب بإنخفاض اسعار النفط موجهاً شكره الى السعودية، التي باتت تحتمي به أمام الرأي العام العالمي، لما وصفه في تغريدته بأنه "خصم ضريبي كبير لأميركا والعالم"، مردفاً بلغة لا تكتم انتصارها "شكرا للسعودية"، مطالباً بمزيد من تخفيض الاسعار.
وعكس الصفقة التي اسفرت عن انهيار اسعار النفط عام 2014، كانت الصفقة واضحة ومعلنة هذه المرة. تتلخص بنودها بخفض سعر النفط عبر سدّ حاجة السوق جراء تصفير الانتاج الايراني، ومن ثم خفض الاسعار ومنع اقترابها من الـ100 دولار. مقابل منح ولي العهد السعودي حصانة من التهم التي تلاحقه.
ولو كانت هذه الصفقة وتداعياتها مقتصرة على الطرفين، لأمكن غضّ النظر عنها. لكنها ليست كذلك بالمرة. فالعراق لوحده سيخسر ما قيمته 24 مليار دولار سنوياً بحسب تأكيدات بعض الخبراء. اي ان هذه الخسارة تمثل حصة العراق من الديّة التي دفعها "مبس" لشراء حماية ترامب.
ولتلافي العجز المتوقع في موازنة 2019، الذي يرجح ارتفاعه مع استمرار اسعار النفط بالهبوط اتساقاً مع الصفقة اياها، فإن على العراق مضاعفة انتاجه وصادراته النفطية ليحافظ على الايرادات التي تلبي نفقاته التشغيلية بالدرجة الاساس.
وهذا يعني فيما يعنيه تحقيقاً عملياً ولكن بطريقة غير مباشرة لرغبة ترامب بالاستحواذ على النفط العراقي، وفقاً لما كشفه موقع اكسوس الاميركي.
فبحسب الموقع الاميركي، فإن ترامب فاتح العبادي مرتين خلال العام 2017 حول رغبته بالحصول على جزء من نفط العراق كتعويض لنفقات بلاده في حرب اسقاط صدام.
وحدثت احد هذه المطالبات، بعد اجتماع عاصف لترامب مع فريق الامن القومي، و"بعد احضار رئيس الوزراء بشكل منفصل في غرفة العمليات مع الفريق"، بحسب الموقع. في اشارة الى غرفة الطوارئ الواقعة في قبو البيت الابيض، والتي تتمتع بنوع من التحصين الشديد ضد الضربات النووية وغيرها، وعادة ما تستضيف الاجتماعات المهمة والحساسة، كالتي عقدها بوش بعد هجمات 11 سبتمبر، واعلان حربه على العراق.
ويشير موقع اكسوس الى أن المرة الثانية التي ناقش ترامب موضوع النفط العراقي مع العبادي، كانت "خلال مكالمة هاتفية غامضة".
فيما ناقش ترامب الموضوع ذاته للمرة الثالثة مع فريق الامن القومي، لكنه ووجه بردّ لاذع من مستشاره ووزير دفاعه من ان ذلك يعارض القانون الدولي.
وتقدم لنا تسريبات "اكسوس" توضيحاً لمواقف ترامب التي أطلقها في مقابلته مع شبكة ABCNEWS الأمريكية مطلع 2017، وقابلها رئيس الوزراء العبادي آنذاك بالقول ان "النفط العراقي ملك للعراقيين"، وشراء سندات اميركية بقيمة 25 مليار دولار في وقت كان البلد يعاني من ازمته المالية.
وفيما اكتفت حكومة العبادي بموقفها الفضفاض، كالعادة، اعتبرت منظمة هيومن رايتس شهوة ترامب للنفط العراقي انها تندرج ضمن "جرائم الحرب".
وفي ظل تداعيات الانهيار النفطي القادم على العراق، فإن سؤالا ملحّاً يطرح نفسه حول حجم الفائدة التي ستعود على البلد جراء التزامه بالعقوبات ضد ايران بعد انتهاء فترة الاستثناء منتصف كانون الاول المقبل؟ وهل يمكن موازنة الربح والخسارة في هذا الملف بالذات؟ أم ان كل الخسارات ستهون امام الحفاظ على رضا سيد البيت الابيض حتى لو اقتضى الأمر بتحقيق حلمه التي فضحها اكسوس وتكتم عليها رئيس حكومتنا؟
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القنوات المضللة!!