- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ثقافة الأختلاف "أهم مقاييس تقدم الدول"
كفاء حسن
(الناس صنفان إمّا أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطإ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه)
هذا النص من الرسالة التي كتبها وارسلها الامام علي ابن ابي طالب (عليه السلام) الى مالك الأشتر لما ولاه مصر، لم يكن نصا عادياً، بل كان نصا يحمل في طياته اسمى معاني الاحترام والرقي الانساني للبشر،وترى ذالك من خلال النصح والتوجيه بالتعايش السلمي والحقيقي بين الناس بمختلف انتمائاتهم وافكارهم وعقائدهم واتجاهاتهم، والتي اضحت هذه المعاني في يومنا هذا مضمحلة في مجتمعاتنا وتكاد ان تكون معدومة عند الاغلب للاسف الشديد.
اذ ان صديقة لي فاجأتني ذات يوم ليس بالبعيد،بأن جاران لها تشاجرا بسبب منشور على الفيسبوك احدهما قام بنشره،ولم يكتفيا بالمشاداة الكلامية فحسب وقتها بل تطور الامر حتى تحول الى خلاف بينهما وصراع بالايدي ثم تطور ليصبح تهديداً بالسلاح!!، فدهشت حينها وسألتها اذا كان الامر يستحق ذالك لهذه الدرجة من الغضب الاعمى؟ فقالت لي،لم يكن الامر بتلك الاهمية بل كان لايستحق حتى الحديث فيه، فأثارت استغرابي في كلماتها فسالتها مرة اخرى،اذا لم يكن بتلك الاهمية اذن كيف وصلت الامور لذالك الحد، فاجابتني قائلة ببساطة التعصب في الرأي وتمسك كلا منهما برأيه المعارض للاخر، فطلبت منـِْها اخباري بمحتوى المنشور لأستوعب ما حصل،فقالت أحدهما كان ينتقد ماقام به احد (الشخصيات الدينية والسياسية المعروفة) في فترة ما ليست بالبعيدة،والتي كان يواليها الجار الاخر ويعتبره قدوة له، فحينما قرأ الاخير ماكتبه الجار الناشر ثارت ثائرته وذهب اليه ليعاتبه على ماكتبه في منشوره الخاص،وطلب منه ان يحذفه، فما كان مِْن الجار الناشر سوى ان يرفض طلبه معللا ذالك بأنه رأيه الشخصي الذي يمثله وقناعته الخاصة بهذه الشخصية، ولم يتقبل الجار الموالي لهذا الكلام، ومن هنا بدا الخلاف حتى وصل الى ما وصل أليه.
ماقالته لي صديقتي جعلني اتسأل وقتها ماالذي جعل الجار الموالي يرى إن رأيه ووجهة نظره هي الصائبة،ولا يجوز الاعتراض عليها، ومن يعترض فسيحدث له ما لٱ يحمد عقباه ؟!
فضلا عن تسفيه رأي المقابل؟! أليس من يفعل ذالك يجبر جميع من حوله للتخلي عن رأيه ورؤيته ويحولهم لقطيع؟! أليس هذا مايعارض الاختلاف الذي خلقنا الله(عز وجل)عليه؟بأعتبار الاختلاف سنة كونية وامر طبيعي بينما الخلاف والذي يعني(التناقض وعدم الاتفاق مع المختلف او نبذه)هو الشذوذ عن الطبيعي! اذن من لايملك ثقافة الاختلاف، ولايعتبر ان الاختلاف في الآراء والافكار هي من درجات التفكر والتعقل وظاهرة صحية طبيعية هو شخص يحاول زرع الضغينه والحقد والكراهية بين الناس وفرض الرأي بالقوة والجبر، وهذا الامر ان دل على شيء انما يدل على قمة الجهل والتخلف والذي يجرد الشخص من سمة الحضارة والثقافة.
لذا فليس كل مايعجب الفرد بالضرورة يعجب الفرد الاخر وليس كل ما يراه الفرد مناسبا يكون مناسبا للفرد الاخر، فلكل فرد كيان خاص به يعمل وفقه،وهذا ما على الشخص العاقل والذي يمتلك ثقافة الاختلاف ان يفهمه ويطبقه،لان سنة الحياة قائمة على الاختلاف وبدليل قوله تعالى "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ"(سورة هود)،فعندما ينزعج الفرد عندما لٱ تعجبه آراء الاخرين ويقوم بتحقيرها وتسفيهها والتهجم على متبنيها،فهو بذالك يعلن تمرده على الطبيعة التي خلقها •اللّـہ̣̥(عز وجل)،لذا علينا ان نحترم بعضنا البعض وننمي ثقافة الاختلاف لدينا، اذ ان الثقافة بلا أختلاف كالروح بلا جسد وكالرأس بلا عقل، وكذالك لأجل ان يسود الود والاحترام بيننا كأفراد ومجتمع، لأن الثقافة والاحترام والاختلاف من أهم مقاييس تقدم الدول، فلولا الاختلاف في انماط التفكير وطرح الاراء لما تطور وتقدم الانسان.