بقلم: القاضي علي عبد اليمه جعفر
يعرف التخنث لغة بأنه الاسترخاء والتثني والتكسر والين في الكلام كالنساء, فيقال تخنث الرجل اي اتصف بصفات المرأة وتكلم في استرخاء ولين وأنوثة, واصطلاحا فهو التزيي بزي النساء والتشبه بهن في تليين الكلام عن اختيار وفعل المنكر, وعرفته المادة (2/ ثالثا) من قانون التعديل الأول لقانون مكافحة البغاء بانه كل ممارسة مقصودة للتشبه بالنساء, ولا يعتد بما يقع منه لأغراض التمثيل , والتخنث على نوعين , الخنث بالخلقة وهو من يكون في كلامه لين وتكسر دون تعمد وانما هو خلقة إضافة الى انه لم يشتهر بشئ من الأفعال الرديئة وهذا النوع ما يخرج عن نطاق التجريم , والنوع الثاني المخنث عمدا وهو من يتخلق بخلق النساء حركة وهيئة ويتشبه بهن في تليين الكلام وتكسر الأعضاء بفعله عمدا وهوما يدخل في نطاق التجريم ونهت عنه الشريعة الإسلامية من قبل اذ لعن الرسول صلى الله عليه واله وسلم المتشبه من الرجال بالنساء بالرغم من ندرة هذه الحالة آنذاك وعدم انتشارها , الا ان الغريب في الامر وبعد ان أصبحت هذه الجريمة ظاهرة اجتماعية حيث كثر عدد المخنثين في المجتمعات الإسلامية الى حد لا يستطاع في بعض حالاتها التفرقة بين الرجل والمرأة , نجد اليوم من يدافع عن فاعليها ويعارض في تجريم افعالهم المسيئة لقيم وتراث المجتمع الذي عرف بغيرته واصالته, ويعزى انتشار هذه الظاهرة الى عدة أسباب منها وراثية تتمثل بانحراف أخلاقي ونفسي عند الإباء فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تجامع امرأتك بشهوة امرأة غيرك , فاني اخشى ان قضي بينكما ولد ان يكون مخنثا , مؤنثا) ومنها سياسية تتبعها سياسة القوى الاستعمارية التي تسعى بشتى الوسائل والطرق لاستبعاد ما هو أخلاقي من دائرة العلاقات الإنسانية بتحويل طاقة الشباب من العمل والدراسة والرجولة والجهاد والشجاعة والغيرة والشهامة وتحمل المسؤولية الى التباهي والاهتمام المفرط بالشكل والجسم بحيث يجعلونهم يبارون الفتيات في اشكالهن وتصرفاتهن مما يدفع خطر الرجال , فالقوى الاستعمارية لا تخشى من خطر النساء كنساء , لهذا السبب كثرت ظاهرت تشبه الشباب بالنساء في المجتمعات التي تتدخل فيها القوى الاستعمارية اكثر من ظاهرة تشبه النساء بالرجال بل قد تكون ظاهرة تشبه النساء بالرجال قليلة جدا او تكاد ان تكون معدومة , ونرجع أسباب تجريم ظاهرة التخنث سواء كان ذلك على المستوى الديني او القانوني الى اثارها الوخيمة وانعكاساتها السيئة لاسيما على الشباب والأطفال , اذ ساهمت وبفاعلية كبيرة في تفشي مظاهر الشذوذ العلني في المدن الكبرى فقد تزايد عدد المراهقين الذين يظهرون بتسريحات والوان نسائية حتى في المؤسسات التربوية والتعليمية مما ينذر بتحول أخلاقي وتراجع للقيم والمبادئ التي طالما ميزت المجتمع العربي المعروف بطابعه الذكوري , كما انها تعد السبب الدافع لكثير من الجرائم لاسيما الأخلاقية منها فقد انتشرت المثلية الجنسية بإرضاء الغريزة الجنسية مع رفيق بالغ من ذات الجنس , كما ان هؤلاء المتشبهون من الرجال بالنساء يعتبرون مصدر قلق لأسرهم وللمجمع , بما يسببونه من مشاكل وينكدون على اسرهم بضياع امالهم التي كانوا يأملونها فيهم , ويهددون امن المجتمع باعتبارهم سبب في تقطع اوصاله وانتشار الخوف والريبة بين الناس حيث ان الشخص لا يستطيع ان يأمن على أولاده من هؤلاء المتشبهون خوفا ان يفسدوهم او يوقعوهم في الرذيلة , فعلى مستوى القانون الوضعي نصت المادة (8) من قانون التعديل الأول لقانون مكافحة البغاء رقم (8) لسنة 1988 الذي صوت عليه مجلس النواب العراقي على ( يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن (1) سنة واحدة ولا تزيد على (3) ثلاث سنوات او بغرامة لا تقل عن (5000000) خمسة مليون دينار ولا تزيد على (1000000) عشرة مليون دينار كل من ارتكب ممارسة مقصودة للتخنث او الترويج له ) ومن هذا النص يمكن ان نحدد ركني هذه الجريمة المادي والمعنوي , فالمادي والمتمثل بكل حركة او فعل او نشاط او قول يشير الى التشبه بالنساء ومنها ارتداء الرجل ملابس ضيقة ومثيرة تظهر مفاتنه تشابه بمظهرها ما تلبسه النساء , ووضع أنواع من مساحيق وكريمات ومرطبات التجميل على وجهه كالنساء وحف حواجبه واطالة الشعر وربطه وتسريحه وتصفيفه كتسريحات النساء ووضع المعاصم والاكسسوارات والحلي في اليد ووضع الاقراط في الاذان كالنساء , وامارات النعومة والليونة والاسترخاء بشكل واضح في كلامه وصوته ونبرته وضحكته , والركن المعنوي المتمثل بالقصد الجرمي بعنصريه العلم والإرادة فجريمة التخنث من الجرائم العمدية , ويستثنى من ذلك ما يقع لأغراض التمثيل.