- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مكانة المرأة في التشريع الإسلامي (إرث المرأة أنموذجاً)
بقلم: القاضي وائل ثابت الطائي
إن الحديث في المواضيع خارج الاختصاص وطرح الآراء دون تفكر ورويةٍ وبدون اعتماد الدليل جرياً مع المشهور الذي قد لا يعرف أصله، أو مسايرةً للمعتاد والمألوف الفاقد لسنده أو ترديداً وتأثراً بالثقافات المستوردة التي غاياتها تفكيك أواصر المجتمع كل ذلك يؤدي إلى تزييف الحقائق والتجني عليها وإيصال المعلومات والأفكار الخاطئة بما يؤدي إلى إبعاد الناس عن عقائدهم وطريقهم الصحيح كما يؤدي هذا العمل إلى ظهور شخصيات مبرقعة عنوانها المثقف المزيف والعالم غير المتعلم والفقيه غير المتفقه.
وفي هذا السياق يظهر بين الحين والآخر طرح مسألة حقوق المرأة ومكانتها في التشريع الإسلامي بشكل عام، وحقها في الإرث بشكل خاص، وكونها في مرتبة أقل من مرتبة الرجل ومكانة دون مكانته وإن التعامل معها بدونية وإنقاص لما تستحقه من كونها إنسانة حالها حال أفراد المجتمع الآخرين.
وفي هذه المقالة الوجيزة نتكلم عن استحقاق المرأة من الإرث كنموذج للبحث وعرضاً للموقف الحقيقي لمكانتها في التشريع الإسلامي والتشريعات الوضعية التي استمدت أحكامها منه، وسنتناول تحديداً استحقاقها الإرثي بالقياس مع استحقاق الرجل وهل هناك تمييز أو ظلم في الحكم؟
ابتداءً أن الإرث هو نظام قانوني بموجبه يتملك بعض الأحياء من الأقارب المال الذي تركه المتوفى، وهذا النظام من أقدم الأنظمة المعمول بها في المجتمعات الإنسانية وإن اختلفت الأحكام التفصيلية باختلاف المجتمعات والثقافات السائدة بها، وعلى العموم إن هذه الأحكام جاءت موافقة للعقائد والمعتقدات والعادات والتقاليد والأعراف وحسب ما يتبناه الأفراد من مفاهيم وقيم، ولكن المتيقّن إن أكثر هذه المجتمعات كانت تحرم النساء والضعفاء من الإرث وتعطيه للأقوياء، فمعاملة النساء والصغار والعبيد وكل من لا يمتلك قوة أو مكانة معاملة يمتازها الظلم والغبن وقد تصل في أحياناً كثيرة إلى معاملتهم إلى معاملة الحيوان من حيث انتقال ملكيتهم من شخص إلى آخر، ولعل مراجعة بسيطة لما كان سائدا من أنظمة لدى الرومان واليونانيين ومصر القديمة والصين يقف على حقيقة هذا التعامل، وإن الحال في عصر ما قبل الإسلام في الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق وغيرها من المناطق الأخرى هو ذاته، حيث تحرم المرأة كلياً من الميراث بل يصل الأمر إلى جعلها جزءاً من التركة تورث كما تورث الأموال والسلع.
أمام هذا الموقف وهذه الأحكام ماذا فعل الإسلام في التعامل مع إرث المرأة ؟
إن الأحكام التي جاءت بها الشريعة الإسلامية تتماشى مع الفطرة الإنسانية فنظام الإرث نموذج يقوم على أساس القرابة والرحمة وهو العنصر المشترك الرابط بين الإنسان ومورثه وبدون تمييز بين الذكور والإناث والكبار والصغار واللون والمكانة الاجتماعية، فالأثر يترتب تقدماً وتأخراً حسب العلاقة بالمتوفى فيورث البعض لقوة قرابته ويُدفع الآخر لضعف هذه القرابة.
إن التشريع الإسلامي، ومن خلال النصوص القرآنية، أكد على توريث المرأة وإعطائها حقها وبذلك يكون قد جاء بأحكام جديدة مناهضة ومخالفة لما كان عليه الحال في عصر ما قبل الإسلام.
بذلك يمكن القول إن الرأي الذي يدعي إبخاس حق المرأة بالإرث ينطلق من الفهم القاصر لأحكام المواريث بشكل عام وارتباطها بمضمون ما جاء بالآية القرآنية في قوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)النساء/آية11، حيث ذهب أصحاب هذا الرأي إلى تجزؤ المسألة وعدم النظر إلى أحكام الإرث بشكل كامل ومعرفة استحقاق المرأة بالقياس لما عليها من التزامات ويمكن أن نلخص إجابتنا من خلال الآتي :
1ـ إن الآية القرآنية المشار إليها ومن حيث صياغتها اللفظية جعلت من ميراث المرأة هو الأصل، أي المعيار الذي يتعين من خلاله سهم الرجل، فإرث الرجل فرع يُعرف مقداره بالقياس إلى سهم الأنثى فجاءت الصياغة بهذه العبارة المشار إليها ولم تأتي بعبارة (إعطاء الأنثى نصف الرجل)، فالنص القرآني حتى في صياغته أعطى للمرأة مكانتها.
2ـ إن مسألة توريث المرأة عندما يبحث من مسارٍ واحد تؤدي إلى نتائج خاطئة فلا بد من النظر إليها من مساراتٍ متعددة وبشكل شمولي يأخذُ بالاعتبار المسؤوليات والالتزامات المعطاة لكل من المرأة والرجل، فإذا لاحظنا المسألة من جوانبها المختلفة نجد أن هناك مسؤوليات والتزامات مالية على عاتق الرجل كُلفَ بأدائها تجاه المرأة فهو الذي يتحمل المهر ونفقات الزواج وهو الذي تقع عليه مسؤولية الإنفاق على العائلة (الزوجة والأولاد) وتلبية احتياجاتهم من مسكن ومأكل ومشرب وغير ذلك، في حين إن المرأة ليس عليها التزام ولها الاحتفاظ بما تحصل عليه من استحقاق ارثي دون أن تنفق منه شيئاً، وقد ذهب المفسرون لآيات الأحكام المتعلقة بالإرث إلى بيان مضمون ما جاء بالآية المشار إليها آنفاً بالقول : (إِن ما يرثه الرجل هو ضعف ما ترثه المرأة إلا أنه بالإمعان والتأمل يتضح إن المرأة ترث، في الحقيقة، ضِعفَ ما يرثه الرجل، إذا ما لاحظنا القضية من جانب آخر...... وتوضيح ذلك إن هناك وظائف أنيطت للرجل وكلف بأدائها تجاه المرأة تقتضي صرف وإنفاق نصف ما يحصل عليها الرجل.
3ـ إن أحكام الميراث ساوت في مواضع أخرى بين الرجل والمرأة، فقد أعطت للأم والأب لكل واحد منهما السدس من ميراث ولدهما إذا كان لديه فروع كما جاء في قوله تعالى: (النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ)، وكذلك الإخوة لأم الذكر والأنثى لكل واحد منهما السدس، وعند التعدد يشتركون في الثلث كما في قوله تعالى: (دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) النساء/آية12.
4ـ إن الآيات الواردة في القرآن الكريم وتحديداً الآيات من (7 - 10) في سورة النساء السابقة لآيات الميراث جاءت بأحكام إعطاء اليتامى والنساء أموالهم التي يستحقوها والنهي عن أكلها بالباطل والحرام كما كان معمول به في الجاهلية، وهذه الآيات من حيث ما جاءت به تعتبر مقدمة لآيات المواريث ومؤكدة على الاستحقاق العادل المنصف لهذه الفئات والشرائح من المجتمع.
إن الإسلام تشريعاً ومعاملةً قد أعطى للمرأة مكانتها في المجتمع فبث فيها روح الاعتزاز والكرامة ومنحها ثقةً بالنفس وأعطاها حقوقها لأنها تحتل كل المواقع في حياتنا فهي الأم والبنت والزوجة والأخت والعمة والخالة، ومن هذه الصورة المشرقة تظهر ملامح الإسلام الحضاري في وجه المناوئين.
أقرأ ايضاً
- تفاوت العقوبة بين من يمارس القمار ومن يتولى إدارة صالاته في التشريع العراقي
- التعويض عن التوقيف.. خطوة نحو تطور التشريع الإجرائي
- الفراغ التشريعي بشأن قوانين تملك العرب والأجانب للأموال المنقولة في العراق