- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ما قدمته المرجعية الدينية العليا في عام مضى.. وما ستقدمه في عام يأتي
بقلم:حيدر عاشور
البدايات والنهايات تثير في النفس مشاعر متباينة يعجز الانسان احياناً عن ايجاد تفسير ملائم لها او وصف محدد لكنهها. فهي تحمل في ثناياها معاني متناقضة تتباين بين الامل والياس.. بين العزم والقنوط .. بين الزهو والخجل. أيام وينتهي عام 2023م ليبدأ بعده عام أخر.. فيدور الزمن دورته تتساقط من اعمارنا سنة كاملة بشهورها وأسابيعها وأيامها وساعاتها ودقائقها وثوانيها. وفي اللحظات الفاصلة بين البداية والنهاية تهب هذه المشاعر بشدة حاملة معها مرارة وحلاوة ذكريات الايام الماضية، وما تحمله الايام المقبلة من امال تتضح معالمها عند البعض لكنها عند اخرين تكون مغلقة بضباب كثيف من الصعب اختراقه. نلقي نظرة على العام الذي سيمر بعد أيام بحلوه ومره، بأفراحه وأحزانه، بانتصاراته وهزائمه، بإيجابياته وسلبياته، بأحلامه وكوابيسه.. لنأخذ عبرة من هذا وذاك. ونحن نخطو الخطوة الاولى على درب العام الجديد كي نلقي عليه نظرة أمل وتفاؤل وامنيات بان يكون مغايرا ومختلفاً واكثر ايجابية عما سبقه.. ونحن نعلم علم اليقين "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" لذا فان خير ما نودع به عام 2023م وخير ما نستقبل به عام 2024م هو أن يعود كل منا الى ذاته يتصالح معها ويجري جردة حساب لما اخذ واعطى كي يعيد التوازن الى نفسه وهو ينخرط مع بدء العام الجديد ضمن المجموعة ليواصل مشواره في العطاء للوطن وللشعب أياً كان موقعه ومركزه. والحق يقال ان عام 2023م كان بالنسبة للمرجعية الدينية العليا عام الانجازات وعام العمل والعطاء، وعام الحصاد بعض الانتصارات، وعام التحول من حال الى حال، وعام الانطلاق الى افاق الفعل والتأثير في الاحداث التي تحيط بالبلاد بعد ان مارست سياسة رد الفعل في الكثير من القضايا الدولية والمحلية، أخرها الحرب الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني كانت المرجعية الدينية العليا قد دعمت الابطال الفلسطينيين في غزة، وبيانها الحوزوي ذو الكرم والهيبة بفتح مستشفيات العتبات المقدسة لاستقبال اطفال غزة المصابين نتيجة القصف اليهودي العشوائي على بيوت غزة.. متحدية في دعمها كل وسائل وادوات القمع والارهاب والتنكيل. ورغم كل المعوقات التي تراكمت على رجال المرجعية الدينية العليا مع مرور الزمن الا ان حصاد عام 2023م كان وفيرا على الارض الواقع وهي تستعد لجعل العام الجديد فرصة لقطف مزيد من ثمار الانتصار على الذات والتغلب على عوامل الشتات والفرقة والانطلاق من قيود واسر ما تبقى من رواسب الخلافات الى المستوى المرجو من التضامن الانساني الحقيقي. هذه الانسانية المتجسد قولا وعملا في اداء العتبة الحسينية المقدسة شعارا وفعلا وممارسة في المسيرة الإنسانية التي لم يشأ قادتها أن ينتهى عام 2023م ألا ويكون لعملهم وموقفهم ورؤيتهم لمصلحة العراق وشعبه.. عمل صادق وحقيقي يعبر عن الوفاء والاخلاص لمسيرة القادة الحقيقين للعقيدة والمذهب وهم أهل البيت (عليهم السلام). ولا ننسى ونحن نقلب اوراق رزنامة العام الذي انقضى ونحن نعايش البناء البطولي للعتبة الحسينية المقدسة التي كرست على شكل بناء بنى تحتية شاملة حققتها على الأرض البسيطة من التعليم والصحة وأكاديميات للمعاقين ومدارس للأيتام وأخرى لذي الحاجات الخاصة (توحد، وصم وبكم، وفاقدي البصر) وبنفس الوقت هي تواجه العدوان الداعشي بلواء علي الأكبر القتالي في الثغور العراقية فتحيل احلام حكام الحقد والضغينة ضد الشيعة إلى كوابيس ولعنات ووصمات عار تكل جباههم المعفرة بذل الهزيمة والانكسار، لتظل المرجعية الدينية العليا رغم كل الاحداث المميتة التي فرضت عليها رائدة في بناء قدراتها الانسانية والوطنية ليستمر العراق في نهوضه الحضاري يحمل أبناؤه البندقية ضد(داعش) بيد وأدوات البناء في اليد الأخرى، لتعلو صروح العمران على امتداد ساحة العراق.. وما زالت العتبة الحسينية المقدسة تقوم على ارساء قواعد البنية الاساسية للنهضة الشاملة صناعيا وزراعيا وإنتاجيا وخدمات إنسانية، وحققت لنفسها ولمدينة كربلاء المقدسة الريادة في أعلاء صروح العمران بعد ان استطاعت اختصار الزمن وحرق المراحل مع الحفاظ على الاصالة وترسيخ القيم العقائدية في النفوس والتمسك بعادات وقيم الرسالة المحمدية التي اخذت من الائمة عليهم السلام. ونرى ان العام الذي مضى جعل المواطن العراقي يأكل مما تنتجه ارضه الخيرة، ووجد في مستشفيات العتبات المقدسة كل ما يحتاجه من العناية الصحية العامة والمتخصصة والمدعومة مادياً. واحتضنت مدارس العتبات المقدسة الالوف من ابناء العراق بعد ان رسمت المرجعية الدينية العليا الاساس من الروضة والابتدائية والمتوسطة والاعدادية والمعاهد الى الجامعات بكل وسائلها التعليمية والعلمية والاجتماعية والإنسانية. هذا المواطن ما كان له ان يبلغ المستوى الذي وصل اليه في ميادين الرقي والتطور، وما كان أن يلمس ويشاهد ويعايش صروح العمران التعليمي والازدهار الطبي وشواهد التقدم في البلاد لو لم يهيئ له الله سبحانه وتعالى قيادة رشيدة الت على نفسها ان تعطي ولا تبخل بالعطاء وتعمل بعزم واصرار على تثبيت دعائم البناء الانساني والنهوض به الى العالمية. واسترخصت المرجعية الدينية العليا كل الامكانات المادية المتوفرة لديها كي تحولها الى وسائل وسبل تشيد بها شوامخ البنيان وتقدمها للإنسان العراقي كي يحقق معها وبها مستلزمات الحياة الرغيدة الهانئة المطمئنة لليوم والغد. ولكن لابد في لحظة وداع عام واستقبال اخر وفي لحظة انسياب عام من اعمارنا من العودة الى الذات لمراجعة النفس وتدقيق الحساب للنظر وبتمعن ودقة وامانة وصدق فيما استفدنا وافدنا، وفيما اخذنا واعطينا، وفيما ربحنا وخسرنا، وفيما تقدمنا وتأخرنا كي نعدل في الايام الاتية كفتي الميزان، ونعمل على جعل انسانيتنا تسمو على سواها وتتجاوز ترسبات الغرائز التي تحاول في مسيرة البحث عن المصالح والركض وراء لقمة العيش ان تطفو على السطح لتتحكم في سلوكنا وتفكيرنا وعلاقاتنا مع الاخرين. والكلام يطول ولكن اذا كانت مسيرة الاف ميل تبدأ بخطوة فان عام 2024م سيكون حافلا بالخطوات المرجعية الدينية العليا وعتباتها المقدسة على درب استقرار الوطن والعطاء الإنساني للشعب.