عاد الحديث في الأيام الماضية عن إمكانية توجه العراق نحو إجراء انتخابات تشريعية مبكرة قبل انتهاء الدورة البرلمانية الحالية المقرر انتهاؤها في تشرين الأول 2025، عبر بوابة القوانين الجدلية التي فشل البرلمان بتمريرها خلال الفترة الماضية لكثرة الخلافات حولها، الأمر الذي يثير التساؤلات حول إذا كان التلويح بالانتخابات المبكرة محاولة للضغط على الحكومة أم هي مناورة سياسية لإعادة ضبط قواعد اللعبة في البلاد.
إذ كشف النائب المستقل محمد الزيادي، عن حراك نيابي لإنهاء عمل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة بعد فشل البرلمان في تشريع القوانين المهمة المختلف عليها.
ويصر النواب الشيعة في البرلمان على تمرير قانون الأحوال الشخصية الذي يعدّ بمثابة تعديل جذري على القانون رقم 188 والذي تم تشريعه عام 1959 على عهد عبد الكريم قاسم، فيما يطالب السنة بتمرير قانون العفو العام، بينما يسعى الكرد إلى تمرير قانون إعادة العقارات إلى أصحابها والتي أُخذت منهم في عهد النظام السابق، ولكون هناك خلافات جوهرية حول كل قانون من هذه القوانين فقد سميت "القوانين الجدلية" بحيث يحتاج تمرير أي قانون منها إلى تمرير القوانين الأخرى.
ودخل مجلس النواب في عطلة الفصل التشريعي بعد أن مدده لمدة 30 يوماً استناداً للمادة 58 من الدستور العراقي، وبالتالي انتهت تلك المدة وأصبح وجوباً الدخول في العطلة من 9 كانون الأول الجاري إلى 9 كانون الثاني 2025.
وقال الزيادي، في تصريح صحافي، إن "مجلس النواب، خلال فترة تمديد الفصل التشريعي، لم يتمكن من تشريع القوانين المهمة والمختلف عليها"، مؤكداً أن "رؤساء الكتل السياسية لم يستطيعوا إدارة الجلسات".
وأوضح الزيادي "إذا استمر تعطل الدور التشريعي لمجلس النواب إلى ما بعد العطلة وفي الفصل التشريعي المقبل، سنجمع التواقيع للمطالبة بإجراء انتخابات مبكرة وإنهاء هذا المجلس الذي بات لا يستطيع تقديم خدمة للمواطن ولا للبلاد".
وتابع بالقول: "إننا بعد العطلة التشريعية وفي الفصل التشريعي المقبل سنقدم طلبا الى رئاسة المجلس بإجراء انتخابات مبكرة لمجلس النواب من خلال تعديل قانون الانتخابات وتحديد موعد لإجراء الانتخابات التشريعية في البلاد".
وأعلن عضو مجلس النواب كاظم الفياض، في 9 كانون الأول الجاري، ترحيل القوانين الجدلية في المجلس إلى بداية العام الجديد بسبب استمرار الخلافات عليها.
ويتوقع مراقبون للشأن السياسي تمرير القوانين الثلاثة الجدلية خلال الفصل التشريعي الجديد لمجلس النواب العراقي لتكون ورقة للكتل السياسية تستغلها انتخابياً، لذلك من المرجح حصول الاتفاق عليها قبل أشهر قليلة من الانتخابات البرلمانية المقبلة المفترض إجراؤها بحلول تشرين الأول 2025.
وأخفق مجلس النواب العراقي في عقد جلسته الاعتيادية رقم 20 يوم الأحد الثامن من كانون الأول الجاري، للتصويت على مقترحات قوانين، الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، وإعادة العقارات إلى أصحابها المشمولة ببعض قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل، والتعديل الثاني لقانون العفو العام رقم 27 لسنة 2016.
ويعد تعطل إقرار العديد من القوانين المهمة من شأنه إضعاف الدور التشريعي والرقابي لمجلس النواب، وفق ما يراه مراقبون للشأن السياسي، الذين ينتقدون لجوء البرلمان إلى مبدأ التوافقية السياسية التي أدت لتأجيل قوانين مهمة يرتقبها الشارع العراقي.
يشار إلى أن موضوع تمرير القوانين الجدلية والخلافية بنظام ما يعرف بـ"السلة الواحدة" ليس جديدا على البرلمان العراقي، وهو إجراء يتم اللجوء إليه في حال وصول الخلافات بشأن قانون معين الى طريق مسدود، وبشكل يعزز مصلحة الكتل السياسية واستقطاباتها الطائفية والفئوية والجهوية.
ويقول نواب ومسؤولون كرد إن مشروع القانون يخص الاملاك التي تعاد إلى أصحابها الأصليين من الكرد والتركمان، وتمت مصادرتها بموجب 8 قرارات صادرة عن مجلس قيادة الثورة المنحل خلال الأعوام من 1975 ولغاية 1979، وكان الهدف منها إجراء عمليات تغيير ديموغرافي في المناطق المتنازع عليها.
وشهد العراق الشهر الماضي حراكا سياسيا من قبل كتل سياسية داخل الإطار التنسيقي، وعلى رأسها ائتلاف دولة القانون، لتعديل قانون الانتخابات بهدف تحجيم طموحات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الساعي لولاية ثانية، وتقليل فرص المرشحين المستقلين بحسب مراقبين ومختصين.
وكان نواب قد أقروا بصعوبة تعديل قانون الانتخابات، بسبب الانقسام السياسي بين كبار الكتل السياسية، منوهين إلى أن كل طرف سياسي سيعمل على تمرير القانون وفق ما يخدم مصلحته الحزبية، ولذا تم تأجيل هذا التعديل لحين حسم القوانين الخلافية المعلقة منذ أشهر دون التصويت عليها.
ويتضمن البرنامج العام لحكومة السوداني، التي منحها البرلمان العراقي الثقة في 27 تشرين الأول 2022، مجموعة بنود ومحاور أبرزها بسط الأمن والاستقرار، ومعالجة مشاكل الفقر والبطالة، واستئناف العمل بالمشاريع المهمة، ومكافحة الفساد، ومنها أيضا بند ينص على إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
الجدير بالذكر أن العراق شهد تشريع ستة قوانين انتخابية منذ عام 2003، الأول كان في مرحلة الدولة الانتقالية، حيث كان العراق كله دائرة انتخابية واحدة، مع إقرار قوائم انتخابية مغلقة.
ورغم اعتماد القانون الانتخابي (رقم 16 لسنة 2005) القوائم المغلقة ونظام القاسم الانتخابي في احتساب الأصوات وتوزيع المقاعد، إلا أنه قسم العراق إلى 18 دائرة انتخابية، واستمر العمل به حتى عام 2010، ليشهد بعدها تعديلا تمثل في اعتماد القوائم الانتخابية شبه المفتوحة.
وفي 2014 أصدر البرلمان قانونا جديدا للانتخابات، اعتمد فيه نظام سانت ليغو حسب معادلة 1.7، لكن هذه المعادلة شهدت تغييرا في انتخابات 2018 الذي شهد إصدار قانون انتخابي جديد اعتمد معادلة 1.9.
وشهد القانون تغييرا جذريا عام 2020، استجابة لمطالب احتجاجات تشرين (خريف 2019)، إذ اعتمد على الأكثرية بدلا من النسبية، وقسم المحافظة التي كانت في القوانين السابقة دائرة واحدة إلى عدة دوائر انتخابية، ما أسهمت بفوز عشرات المستقلين لأول مرة، وتراجع في حظوظ غالبية الأحزاب الكبيرة التي لم تتمكن من تحقيق الأغلبية، الأمر الذي دفع الأحزاب التقليدية للسعي إلى تغيير القانون، وهو ما حدث بالفعل في 27 آذار 2023، أي قبل إجراء انتخابات مجالس المحافظات بشهور.
وكانت تصريحات نائب رئيس الوزراء الأسبق، بهاء الأعرجي، في آب الماضي، حول وجود صفقة "إطارية – رئاسية" يجري العمل عليها لتعديل قانون الانتخابات وتحجيم شعبية رئيس الحكومة محمد شياع السوداني انتخابيا، قد أثارت غضب رئاسة الجمهورية، واصفة إياها بـ"الشائعات" من أجل إرباك الساحة السياسية، ملوحة بمقاضاته.
يذكر أن مجلس النواب قد صوت خلال جلسته التي عقدت في الـ27 من آذار 2023 بحضور 218 نائبا على قانون "التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والأقضية رقم (12) لعام 2018".
وشملت التعديلات الأخيرة إلغاء النظام المعمول به في انتخابات تشرين الأول 2021، واعتمد بموجب النظام الانتخابي الجديد نظام الدوائر المتعددة وقسم البلاد جغرافيا إلى 83 دائرة بدل النظام القديم الذي حدد أن كل محافظة تمثل دائرة انتخابية واحدة.
وبحسب سياسيين، فإن الأحزاب الناشئة والمرشحين المستقلين استفادوا من قانون الدوائر المتعددة، الذي يمنح المرشح فوزه المباشر من خلال أعداد المصوتين له، لكن نظام الدائرة الواحدة يعطي للقائمة الانتخابية أصوات الناخبين للمرشحين ضمن هذه القائمة، لكن في المقابل رأى مراقبون للشأن العراقي أن التعديلات الأخيرة تعزز هيمنة الأحزاب التقليدية على حساب القوى الناشئة.
أقرأ ايضاً
- زيارة الحلبوسي إلى الكونغرس الأمريكي تثير الجدل في العراق
- الشيخ يوسف دعموش لبعثة العتبة الحسينية بلبنان: استمروا بدعمنا ولابد لخط السيد السيستاني ان يستمر لتقوية خط اهل البيت (فيديو)
- صراع دولي وشبهات فساد.. هل تفشل الاتفاقية العراقية الصينية؟