رأى الرئيس الأسبق لهيئة النزاهة القاضي رحيم العكيلي أن أكثر من نصف موازنة العراق تذهب إلى جيوب الفاسدين، مشيراً الى ان ملفات الفساد اذا فتحت بشكل جدي ستؤدي الى سقوط النظام السياسي.
وقال العكيلي في مقابلة متلفزة، إن "الحديث عن حجم الفساد في العراق أصبح مملاً، حتى الاطفال الصغار يعرفونه"، مبينا أنه "حين كنت في هيئة النزاهة تشير المؤشرات إلى أن أكثر من نصف موازنة العراق تذهب إلى جيوب الفاسدين، وهناك مثلها يسرق من خارج الموازنة، اذا ما تحدثنا عن 600 مليار دولار سرقت من الموازنة فقط الى جانب ما سرق من خارج الموازنة كالعقارات ومشاريع مشتقات النفط والمنافذ الحدودية والضرائب التي تستوفى خارج إطار الدولة التي تدخل إلى جيوب الفاسدين وأمور أخرى".
وأضاف أن "رموز النظام السياسي هم أنفسهم يعترفون بهذا، ولطالما أستشهد في هذا إلى تصريح علي الأديب الذي يقول فيه إذا فتحت ملفات الفساد سيسقط النظام السياسي بالكامل، لأن الكل متورط في الفساد، وهذه حقيقة أن منظومة الفساد السياسية تعاضد بعضها بعضاً ولا يمكن خرقها".
"ملفات الفساد تسقط النظام السياسي"
"ملفات الفساد اذا فتحت بشكل جدي ستؤدي الى سقوط النظام السياسي، ولا اتهم احداً بكلامي"، حسب العكيلي الذي أوضح أن "أموالاً مهولة صرفت في العراق، فيما لا يظهر اي شيء في البلاد، خاصةً في الوسط والجنوب، عدا إقليم كردستان الذي تظهر فيه الخدمات".
وقال العكيلي إن "الكل يعرف من يسرق أموال العراق، ومعظم قضايا الفساد تم الحديث عنها كثيراً وأجزم أن الكل متورط، الا ما رحم ربي، وهي قائمة طويلة جداً"، مردفاً أن "الملفات مكشوفة، لكن السبب في عدم الكشف هو أن القوى السياسية متورطة في الفساد، واعتقد ان جزءاً من الصراع على تركيز السلطة في يدٍ ما هو خلف الفساد في البلاد".
تكبيل القضاء
"هم يعتقدون انهم كلما سرقوا اكثر كلما بقوا في السلطة أكثر، والقيادة السياسية هي التي تقود البلاد والقضاء، وحرصها على تكبيل القضاء في القيام بدوره يجعل من الصعب على القضاء العمل، وهذا ما حصل في العراق"، وفقاً للعكيلي، الذي نوّه إلى أن "القيادات السياسية تكتم انفاس النزاهة والرقابة وتكتم انفاس مكاتب المفتشين التي قامت باغلاقها، وتوريط الموظفين وتعريضهم للاقصاء هو سرقات دون حراسات، لان تلك المكاتب كانت تراقب تلك السرقات فأرادوا التخلص من تلك العيون".
وبشأن تأثيرات الفساد على الواقع في البلاد، ذكر أنه "لا أحد ينكر ان قضايا الفساد الكبرى أفلت فيها الفاسدون، وحين تريد ان تثبت الفساد انظر الى شوارع بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، ولم نجد حتى الان أي فاسدين في السجون ولا تمت اعادة أية اموال عراقية مهربة الى الخارج".
"الدولة غير مهتمة باستعادة الأموال المهربة"
أما بخصوص استعادة الأموال المهربة، قال العكيلي: "لا أعتقد أن هناك فاسداً سيعيد الاموال التي سرقها، وهناك قوانين تخول القضاء في استرداد الاموال من الفاسدين وعوائلهم، ولكن حين يكون خارج البلاد تكون هناك اجراءات معقدة وصعبة جداً"، مضيفاً أن "هذه الأموال هربت الى أميركا والاردن والامارات وايران ولبنان ومعظم الدول الاوروبية، والدولة العراقية غير مهتمة واقعياً في استرداد هذه الاموال، ولا اعتقد انها خاضت في هذا الملف مع اي دولة"، وفقاً لموقع رووداو.
ورأى أن "هناك سياسيين اشتروا عقارات كبيرة في الاردن، يفترض بالعراق وخاصة وزارة الخارجية ان تهتم بعقد اتفاقيات لاسترداد الاموال المنهوبة واللجوء الى التعاون الدولي لتمكين العراق من استرداد الاموال"، مؤكداً أن "الدولة العراقية يقودها الفاسدون، والاحزاب والكتل السياسية تحاول ان تحتكر هذه الأموال من أجل توزيعها والحرص على استغلال الوزارات".
"حماية الفساد علناً"
"حكومات ما قبل 2014 كانت تحمي الفساد علناً واطلقت يد الفساد في البلاد، أما الحكومات اللاحقة فقد حاولت تجنب الفساد، أي تورطت بمقدار أقل، وحتى الان لم تواجه الحكومات الفساد، اما لجنة أبو رغيف التي وضعها الكاظمي فعملت في ملفات معينة، لكنها لم تتصدى للملفات الكبرى".
"الفاسدون اقوى من القانون، والسلطة بيد هؤلاء الفاسدين وهم قادرون على الافلات بفسادهم وإخراج الاموال خارج البلاد، والقضاة يتعرضون للمخاطر ويعملون في بيئة خطرة ويجب توفير حمايات لهم"، حسب قول العكيلي، الذي أشار إلى أنه كان لديه عنصري حماية فقط وهما غير مسلحين، مقابل وجود عدة عناصر مسلحة لحماية النواب.
وأوضح أن "الدولة مبتلعة، والسلطات الثلاث هي مجرد شكل ملائم للدستور ولكن هناك قوى رديفة تتحكم بالسلطات الثلاث، وقراراتها مرهونة بقرارات تلك القوى التي تتحكم بها، وهناك جهات أخرى تتحكم في القرار الأمني والاقتصادي، كما أن هناك جهات خارجية تمنع نشوء صناعة أو زراعة لتصبح العراق سوقاً لسلعها الرخيصة، لذا القرار بيد قوى اقليمية وقوة عميلة لتلك القوى الاقليمية".
ملاحقة القضاة والمحققين
وحول الانتهاكات التي يتعرض لها المحققون والقضاة، أفاد العكيلي بأن "المحققين والقضاة تعرضوا للانتهاك في حقوقهم ومناصبهم ومصالحهم وأوضاعهم المالية، وتم استخدام الفساد كأوراق في الاستهداف السياسي وتصفية الخصوم السياسية أيضاً، وحينما يريد نافذ قوي اسقاط طرف سياسي آخر، يطالب بفتح ملفات فساد عنه، وحين يرفض المستقل هذه التوجهات يكون مصيره الاقصاء والملاحقة".
أما بشأن عقارات النظام السابق، ذكر العكيلي أن "هناك عقارات كبيرة لرجالات النظام السابق، تم تسجيلها بأسماء جديدة، وسرقت بشكلٍ علني، كما أن هناك عقارات تم الاستيلاء عليها أو يقيم فيها مسؤولون بأجور رمزية، وهناك من استخدم نفوذه في نقل ملكية العقار"، موضحاً أن "العراق معروف بأن اغلى ما يملكه هو عقاراته، ومثال على الاستيلاء على العقارات ما حدث مع جامعة البكر التي تحولت الى جامعة ونقلت ملكيتها الى اسم أحد السياسيين، والذي تمكن من الحصول على قرار قضائي وقام بتغيير اسمها".
أما القصور الرئاسية فقد "تم بيع احداها لشخصية سياسية بسعر أقل بمئة ضعف عن سعره الحقيقي، لكنه تم بطريقة قانونية، والكثير من قضايا الفساد التي تابعتها بنفسي كانت مفضوحة جداً بلا خجل ولا خوف، لذا هناك امكانية لاستعادتها اذا ارادت الدول العمل بجدية عليه"، حسب قوله.
"سرقات مهولة في الدفاع والداخلية"
ونوّه إلى أن "السرقات في وزارة الدفاع والكهرباء مهولة، وتعود لأشخاص أتوقع ان تكون خلفها مؤسسات ودول، وقد تستغل في تمويل أعمال سياسية وأعمال مسلحة"، مبيناً أنها "مبالغ هائلة تصل لموازنات دول، وعلى سبيل المثال هنالك ملف لشراء أسمدة بمبلغ 200 مليون دولار، اشتروها بـ 700 مليون دولار".
ورغم كثرة تصريحات المسؤولين والاحزاب السياسية في العراق بضرورة محارية الفساد في البلاد، الا ان العراق لازال يحتل العراق مرتبة متقدمة في معدلات الفساد بين دول العالم، ويتحدث سياسيون وبرلمانيون عراقيون بشكل متكرر عن وجود حيتان للفساد تسببت بهدر كبير لأموال الدولة منذ عام 2003 ولحد الان تقدر بمئات المليارات من الدولارات.
جهات عديدة أكدت وجود أدلة دامغة على حالات وصفقات فساد بمختلف قطاعات الحياة في العراق، إلا أنهم غالبا ما يتجنبون ذكر الأسماء الصريحة للمتورطين، ربما خوفاً من حيتان الفساد، أو رغبة بالحصول على مغانم منهم.
في تشرين الثاني الماضي، خاطب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، المتورطين في قضايا الفساد وقال، إن عليهم إعادة ما أخذوه ولن تكون هناك أي مشاكل، دون أن يتحدث عن أسماء المتورطين في تلك الملفات، في وقت تقدر الأموال المنهوبة في العراق بنحو 450 مليار دولار، وفق عضو اللجنة المالية في البرلمان سابقاً رحيم الدراجي، الذي قال إن "القادة والزعماء السياسيين هم الذين يقفون وراء سرقتها".
القضاء العراقي كان قد أحال 20 وزيراً عراقياً للمحاكمة بتهم الفساد، كما شملت القائمة مئات المسؤولين الآخرين، ضمن حملة لمحاربة الفساد في العراق، الا ان هذه الارقام لا تشفي الغليل لدى الشعب العراقي الذي خرج في تظاهرات عارمة ضد الطبقة السياسية احتجاجاً على الفساد والسكوت عنه، والتي اسفرت هذه الاحتجاجات عن سقوط المئات من الضحايا وعشرات الالاف من الجرحى، في وقت صمدت فيه حيتان الفساد وأصبحت غالبة، بوجه الشعب المغلوب على أمره.
أقرأ ايضاً
- السياسيون يتبارون بـ"التسريبات".. والحكومة تشكو "الاستهداف"
- الموازنة الاتحادية حبر على الورق.. ومتخصصون يحذرون من العواقب
- من يقف وراء "الاغتيالات السياسية" في إقليم كردستان؟