- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
قيم الحق في النهضة الحسينية / الجزء الأول
بقلم: عبود مزهر الكرخي
من المعلوم أن الصراع بين الحق والبطل صراع أزلي منذ فجر التاريخ ومنذ بدء الخليقة لنبينا آدم(ع) فكان الشيطان هو الذي يمثل الباطل ليخرج نبي الله وزوجته حواء من الجنة عندما استزلهما وأكلا من الشجرة التي نهاهم الله عنها، ويستمر هذا الصراع واضحاً وبكل وضوح في صراع الأخوين هابيل وقابيل عندما قتل قابيل اخوه هابيل وقد أوضح القرآن الكريم هذه الحادثة ليبين ان الحق ليس هو من يقوم الصراع والقتال بل كان على الدوام الباطل هو من يبدئ الصراع وهذا ماذكره القرآن عن هذه الحادثة ليقول هابيل { لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}.(1)ليدلل أن قيم الحق هي دوماً مع الله وتخاف رب العالمين. ليستمر هذا الصراع الأزلي في التاريخ الإنساني وحتى في الأساطير كملحمة كالكامش والالياذة وهوميروس في صراعه مع الباطل والشر في حرب طراودة. وفي تاريخ الأنبياء كان هذا الصراع واضحاً جداً في نشر قيم الحق ضد أئمة اهل الباطل والكفر وصراعهم مع أهل الباطل والذين كانوا اغلبهم هم من الأباطرة والملوك فهذا نبي الله إبراهيم(ع) كان صراعه مع نمرود والذي أراد أن يحرقه في نار كبيرة جداً بحيث أن الطائر في السماء عندما يمر فوقها كان يحترق والتي استغرقت سبعة أيام ويقال شهر في عمل هذه النار القائمة على الباطل وحتى رميه بالمنجنيق في النار وهناك انجاه الله من ظلم وطغيان الملك نمرود ليجعلها برداً وسلاماً على النبي الكريم إبراهيم(ع)لينتصر معسكر الحق على معسكر الباطل ويستمر هذا الصراع مع كل نبي ووصي ومصلح يأتي إلى الأرض وكان ممثلاً هذا الصراع بنبي الله موسى(ع) مع فرعون وجنوده وحتى مع السحرة وكان صراع الحق ممثلة بموسى(ع) وقومه ومع الطغيان والجبروت ممثلة بفرعون وهامان وقارون لينتصر في النهاية الحق على الباطل في كل صراعات التاريخ ما بين المعسكر الحق ومعسكر الباطل ليصل التاريخ إلى نبينا الأكرم محمد(ص) والذي يمثل قمة الصراع الأزلي القائم للحق مع الباطل وقد لاقى فيها الرسول الأعظم واتباعه من المسلمين من صنوف الأذى والقتل والتهجير ما يفوق الوصف وكان في بعض اللحظات يصل إلى رسول الرحمة محمد(ص) إلى مشارف الموت ولكن ينجيه بقدرة الله سبحانه وتعالى كالليلة التي هاجر فيها النبي(ص)ومبيت وصيه وأخوه وأول فدائي في الإسلام الأمام علي(ع) بدلاً ولينصره في مواطن كثيرة وهذا ما أشار اليه جل وعلا في محكم كتابه حيث يقول{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}.(2) وكان النكوص والخذلان من قبل الكثير من المسلمين علامة واضحة في الدعوة الإسلامية حيث لم ينصره في تلك المواطن ويثبت إلا أسد الله الغالب وسيف ذو الفقار سيدي ومولاي امير المؤمنين(ع) وثلة قليلة من الأصحاب المنتجبين والذين امنوا بالله ورسوله وكان بحق الأصحاب المنتجبين وكان في كل ذلك يمثلون معسكر الحق والخير ضد معسكر الباطل والشر والذي تمثل بوضوح في رزية يوم الخميس ويوم السقيفة والنكوص عل أوامر الله ورسوله في تعيين الخليفة والوصي بعد الرسول محمد(ص)لتتوالي معارك الباطل على الحق في غصب فدك وكسر ضلع الزهراء(ع)وحرق بيتها واسقاط جنينها ويستمر هذا المسلسل الدموي الظالم على اهل بيت النبوة في صعود أهل الباطل والكفر إلى كراسي الحكم وتملكهم السلطة والحكم ممثلة بآل أبي سفيان وصعود حزب الشيطان بقيادة معاوية(لعنة الله عليه)لتصل إلى سفك الدماء ومن قبل أحط الناس وأخسسهم وهو معاوية في مواجهة الأمام علي(ع) ليتشكل وبصورة واضحة الحرب بين معسكر الحق والنور مع معسكر الباطل والظلام. وقد وصف الكاتب المصري عباس العقاد معسكر النور ومعسكر الظلام وأنها كانت حرب بين النور والظلام بكل معانيه السامية والعظيمة الخاص بمعسكر الحسين. وقد وصف العقاد المعسكرين إذ يقول " ولو كانوا يحاربون عقيدة بعقيدة لما لصقت بهم وصمة النفاق ومسبة الأخلاق. فعداوتهم ما علموا أنه الحق وشعروا أنه الواجب أقبح بهم من عداوة المرء ما هو جاهله بعقله ومعرض عنه بشعوره لأنهم يحاربون الحق وهم يعلمون. ومن ثم كانوا في موقفهم ظلاماً مطبقا ليس فيه من شعور الواجب بصيص من عالم النور والفداء. فكانوا حقاً في يوم كربلاء قوة من عالم الظلام تكافح قوة من عالم النور"(3) ،
وهكذا هي الحرية من الضروري أن تقدم لها قرابين على مذبح الحرية ومنذ بدء الخليقة وكأن هؤلاء القرابين هم الذين يبنون ويعبدون الطريق في الفكر والحضارة الإنسانية لتكون شهادتهم هي المعيار الأول في بناء الإنسانية والنهوض بالإنسان ونهضة المصلحين تكون على هذا الطريق الذي يعبد بدماء الشهداء الخالدة لرفضهم كل أنواع الظلم وممارسات المتجبرين الطغاة ليقفوا أمام كل حاكم جائر وليقول كلمة الحق أمام هذا الحاكم الجائر. فالمُنكر على الحاكم الظالم ظلمه من أعلى درجات الشهداء قال رسول الله(ص): «سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله».(4)
ليأتي الأمام الحسين(ع) ويحيي الحق ويقف بوجه الباطل والتي كانت هذه النهضة هي نهضة قيم ومبادئ حقوق الأمة ومنها الإصلاح، حيث أكد فيها على ضرورة الاهتمام بإصلاح شؤون الأمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية من خلال توعية الأمة بمواصفات الحاكم العادل القائم بالعدل الذي يسوس الناس بالقرآن والسنة ويحترم آرائهم ومعتقداتهم ويؤمن بالشورى في الحكم وتولي الحكم من هو أهلا لها، وعدم المساومة على الحق، والالتزام بالاتفاقيات والعهود، ودعم سيادة القانون، وجعلها مقياسا لقيمة الحاكم ومشروعية حكمه وهذا ما أراده (عليه السلام) بقوله (ولعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الداين بدين الحق، الحابس نفسه على ذات الله).(5)
ولهذا كانت مواجهة بين هذين المعسكرين؛ والذي تمثل معسكر آل البيت و معسكر آل أمية. ويبين الكاتب العقاد كيف أن النسب الوضيع لزياد بن أبيه زاده حقدا و بغضاء في قتال الحسين رضي الله عنه - ذي النسب الشريف الأعلى – و هو ما يكرهه ذو النسب الوضيع من صاحب النسب الشريف وهذا هو حال الظالمين نجد انسابهم كلها وضيعة وفيها لوثة.
والتي في جزئنا القادم إن شاء الله سوف نناقش نهضة الأمام الحسين والتي جاءت لإكمال الرسالة المحمية وكل الديانات السماوية الأخرى في أعلاء كلمة الحق ونشر رايته ورفض الباطل وبجميع أشكاله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1 ـ [المائدة: 28].
2 ـ [التوبة: 25].
3 ـ الحُسَين (ع) أبو الشّهداء.عبّاس محمود العقّاد. منشورات الشّريف الرّضي شبكة الأمامين الحسنين(عليهما السلام للفكر والتراث الإسلامي ص 137.
5 ـ صححه الالباني في ((السلسلة الصحيحة)) (374). رواه الحاكم(215/3)وقال صحيح ولم يخرجانه.
4 ـ معالي السبطين: 215 . المفيد: الارشاد 204.
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ماذا بعد لبنان / 2
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول