- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
القزم ، والعراق العظيم / الجزء الرابع
بقلم: عبود مزهر الكرخي
في البداية أحب ان أشير إلى ما قاله الدبلوماسي ممثل حكومة كردستان في أيران وهو شخص مسؤول حيث يقول بالحرف الواحد (أكد ممثل حكومة إقليم كردستان في إيران ناظم الدباغ، الأحد، أن إسرائيل أعلنت "رسمياً" تأييدها لانفصال الإقليم، عازياً ذلك إلى أن استفتاء الانفصال "يصب في مصلحة" إسرائيل)وفعلاً أن الصهاينة اعلنوا تأييدهم لانفصال كردستان وعلى لسان رئيس الوزراء بنامين نتنياهو والبلد الوحيد في العالم اجمع هو بلد الصهاينة هم من أيد انفصال كردستان وهذا ما صرح به السيد عمار الحكيم عند انطلاق دعوات الانفصال والاستفتاء من قبل كاكا مسعود وازلامه من البقية التي معه.
العلاقات التاريخية الإسرائيلية
والحقيقة أنه لم يكن مفاجئاً الموقف الأخير الذي اتخذه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قبل يومين والذي اعلن فيه دعمه لإقليم كردستان المستقل واصفاً الأكراد "بالشعب المناضل الذي اثبت التزامه واعتداله السياسي".(1)
فهذا الموقف هو في الواقع مزيج من نظرية ديفيد بن غوريون القائلة بضرورة اقامة تحالفات مع الأقليات في المنطقة ودول "الطوق الثالث" اي الدول التي ليس لديها حدود مشتركة مع إسرائيل لكن تجمعها مصالح مشتركة معها، وهذا نابع من النبوءات والإرث التاريخي اليهودي.(2)
فالتوراة تقول كوثيقة تاريخية بين أيدينا فإن (الأكراد) زراعة يهودية خالصة ففي سفر الملوك الثاني 17: 6 نقرأ هذا النص الخطير ((في السنة التاسعة لهوشع أخذ ملك اشور السامرة، وسبى إسرائيل إلى اشور وأسكنهم في حلح وخابور نهر جوزان وفي مدن مادي)). وهذه هي حدود مملكة كردستان البدائية حيث تشكلت النواة الأولى للأكراد.
والأكراد امة ضعيفة بنص التوراة، وتبقى امة ضعيفة إلى حين حلول موعد الغضب الأكبر حيث تقول النبوءات في إرمياء: ((وعندما يحين الوقت لتحقيق وعد الله لتدمير بابل، سيطلق الله ضعيفا من المناطق الواقعة إلى الشمال من بابل)).(3)
وكذلك فان امة اليهود امة ضعيفة أيضا عددها قليل وهي لا تستطيع ان تخوض حربا مباشرة بل تستعين دائم بالشعوب الأخرى لتحارب نيابة عنها وهو ما وصفه القرآن المقدس(وحبل من الناس).(4) ولذلك نرى ان أحلام اليهود في الحصول على الأرض والمياه اوسع واكبر من عددهم. ولذا سوف تم الاستعانة بهذه الشعوب من الأكراد ومن جنوب السودان وغيرهم وهم الطوق الثالث كما وصفهم بن غوريون.
وفي قراءة للنص الذي يُجسد هذه الاحلام نرى سعة الأرض التي يحلمون بالوصول إليها والاستحواذ على مياهها كما نقرأ ذلك واضحا في سفر التثنية 11: 24 ((كل مكان تدوسهُ بطون أقدامكم يكون لكم. من البرية ولبنان. من النهر نهر الفرات إلى البحر الغربي نحو مغرب الشمس يكون تخمكم)). ومن هنا سوف يستعينون بالأكراد وهي أمة صغيرة منسية كما تقول التوراة (لا يعرفون يمينهم من شمالهم) سيتسببون في ارباك مريع في الشرق الأوسط. لتحارب عنهم بالنيابة والصهاينة مختبئون بالملاجئ ويوجهون صواريخهم لضرب العرب وكل من يحاربهم.(5)
هذا من الناحية التاريخية القديمة ولكن لنتقدم ونبين تأريخ العلاقة البارزانية الصهيونية وفي هذا الأمر يكون المرجع الأهم الكتاب التوثيقي «الموساد في العراق ودول الجوار، انهيار الآمال الإسرائيلية الكردية»، للكاتب اليهودي الأميركي شلومو نكديمون، الذي يؤكد أنّ «علاقة الأكراد بالإسرائيليين بدأت منذ عام 1943 وتعمقت بعد قيام الدولة العبرية، وساعدت إسرائيل الأكراد في معاركهم مع الأنظمة العراقية منذ أيام الملكية وما بعدها، وقد أمدّتهم أكثر من مرّة بالسلاح والأغذية والمعونات الصحية، والأموال، وأنّ ممثلين من الموساد الإسرائيلي زاروا المواقع الكردية في شمال العراق في فترة الستينيات، وكانت الاتصالات بينهم تجري عبر طهران في ظل حكم الشاه، وعبر العواصم الأوروبية، وخاصةً في باريس ولندن»، مشدداً على أن زعيم الكرد الراحل مصطفى برزاني زار إسرائيل مرتين، والتقى هناك القادة الإسرائيليّين وقادة الموساد في أواخر الستينيات. وقد تم منح رتبة لواء إلى الملا مصطفى البارزاني في عام 1966 وعلى الحدود الإيرانية العراقية ومع السافاك الإيراني ومن قبل الموساد الإسرائيلي.(6) وبحضور ضباط الموساد وبينهم عزرا وايزمان الذي أصبح رئيس الكيان الصهيوني.
ومن مقابلة إليعيزر تسفرير مع أذاعه الجيش الإسرائيلي، تقسم علاقة إسرائيل بالقيادة الكردية إلى مراحل أربع:
1ـ التأسيس (1931 ـ 1965) وكان بطلب كردي وجد فيه الإسرائيليون مصلحة، أقلّها تأمين هجرة اليهود العراقيين. الاستجابة الإسرائيلية كانت جزءاً من تطبيق «استراتيجية الأطراف»، التي تفترض ضرورة إقامة علاقات وتحالفات مع الدول والقوميات الطرفية غير العربية.
وفي هذا المجال تورد صحيفة(هآرتس) ذلك حيث تقول الرواية التي أوردتها الصحيفة الإسرائيليّة، نقلاً عن نائب الرئيس الأسبق للموساد الإسرائيليّ، ميناحيم ليفوبسكي(7)، الذي لعب دورًا مهّمًا في نقل يهود العراق إلى إسرائيل، تؤكد على أنّ عملية الهجرة كانت تجري بتخطيط وإدارة إسرائيليتين، ولا علاقة لها بالمزاعم عن الهجرة القسرية التي تروجها الدولة العبريّة. وتناول الضابط في مذكّراته علاقات إسرائيل مع أكراد العراق منذ ستينات القرن الماضي، ودورهم في مساعدة إسرائيل على هجرة يهود العراق.
أمّا عن الكيفية التي جرت بها عملية الهجرة، فيورد الرجل، وهو في الـ83 من عمره، أنّه ورجاله كانوا مزودين بقائمة أسماء وعناوين اليهود في بغداد، ومدن عراقية أخرى، حيث كان يجري تسليم هذه القوائم إلى من أسماهم بالأصدقاء الأكراد الذين كانوا يتوجهون بدورهم إليهم، ويبلغونهم الاستعداد للرحيل، بعد ذلك، يؤكّد ضابط الموساد في مذكراته، على أنّه كانت تجري عملية نقل العائلات بواسطة آليات كردية إلى الحدود العراقيّة الإيرانيّة، ومن هناك إلى داخل إيران، ومن ثمّ إلى إسرائيل، جدير بالذكر أنّه في تلك الفترة كانت العلاقات الإسرائيليّة-الإيرانيّة في ذروتها.
2ـ تدفّق الدعم (1965 ـ 1975)، أي فترة انطلاق المعارضة الكردية ضد الحكومة العراقية. وقتها، كانت الغاية الإسرائيلية تتلخص في الضغط على حكومة بغداد وإشغالها عن الصراع العربي الإسرائيلي، فضلاً عن مساعدة إيران الشاهنشاهية التي كانت لها مصلحة في إضعاف العراق.
3ـ العودة (1991 ـ 1999) أي بعد حرب الخليج الثانية، بهدف إقامة كيان كردي مستقل يمثّل قاعدة متقدمة في وجه إيران الإسلامية، وبغداد الصدامية لمنعها من توجيه ضربة لإسرائيل. وقد انتهت هذه المرحلة مع اعتقال زعيم حزب العمال الكردي عبدالله أوجلان، مع ما رافقه من موجة غضب كردية حمّلت الموساد مسؤولية هذا الاعتقال.
4ـ المأساة (2003 ــ....)، والغاية إقامة دولة كردية مستقلة تسيطر على نفط شمال العراق ومعه كركوك، بما يؤمّن للدولة العبرية حاجتها من هذه المادة الحيوية، فضلاً عن الحفاظ على «حياد» العراق وإبقائه ضعيفاً مجزّأً خارج معادلة القوة العربية.
وعلى مدى 12 عاماً (1963 ـ 1975) «عمل إلى جانب مصطفى برزاني وفد استشاري إسرائيلي كان يُغيَّر كل ثلاثة أشهر، وعلى رأس هذا الوفد كان مندوب الموساد، وإلى جانبه ضابط عسكري من الجيش الإسرائيلي، إضافةً إلى مستشار فني خاص. وكان الموساد والمستشارون الإسرائيليون يقدمون المساعدة إلى برزاني لتعلّم أساليب الحرب الحديثة، وغالباً ما كان الإسرائيليون يصطحبون وفداً طبياً للإسهام في معالجتهم. وكان الإسرائيليون في شمال العراق يجهدون للظهور بمظهر الأكراد، على الأقل في لباسهم»، بحسب المصدر نفسه.
وذكر نكديمون أنّ «برزاني احتفل مع الإسرائيليين فوق جبل شمال العراق بدخولهم القدس عام 1967 بذبح كبش علّق في رقبته شريطاً من اللونين الأزرق والأبيض، رمزاً للعلم الإسرائيلي، وكتب عليه: هنئوا إسرائيل لاحتلالها بيت المقدس».(8)
والى هنا نتوقف لأن الموضوع يستحق التعمق والإفاضة به ولنستمر بشرح العلاقات بين الأكراد والصهاينة ونعرج عن عائلة البارزاني وأصولها اليهودية في تكملة جزئنا الأخير إن شاء الله إن كان لنا في العمر بقية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1 ـ ذكرت ذلك (صحيفة اورشليم بوست) في عددها الصادر امس (13 آب 2017).
2 ـ من مقال لرندة حيدر المصدر: "جريدة النهار" 1 تموز 2014. وتناولته الكثير من المواقع والصحف لعربية والعراقية.
3 ـ من مقال الكرد ودورهم في معركة الظهور. حرب المياه الجزء الثاني. ايزابيل بنامين ماما اشوري.
4 ـ {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [آل عمران: 112]
5 ـ من مقال الكرد ودورهم في معركة الظهور. حرب المياه الجزء الثاني. ايزابيل بنامين ماما اشوري.
6 ـ كتاب شلومو نكديمون ومترجمة الى العربية بدر عقيلي صادر عن دار الجليل للنشر والطبع عام 1997كتاب يفضح العلاقة الصهيونية مع الأكراد:
7ـ جدير بالذكر أنّ ليفوبسكي خدم في الموساد على مدار أربعة عقود، وخلال عمله تبوأ منصب قائد وحدة (تيفيل) في الجهاز. وقسم (تيفيل –Tevel)، أيْ العالم، يُعتبر أكبر دائرة في دوائر الموساد، ويتولى المهمات السياسية والعلاقات مع الأجهزة الأجنبية، وهي الدائرة التي تعاظم دورها منذ أحداث 11 أيلول 2001 في إطار التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب.
8 ـ الاسم: إليعيزر تسفرير. الصفة: الرئيس المنتهية ولايته لبعثة الموساد إلى كردستان العراق. المناسبة: مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي. الموضوع: «علاقة الغرام» التي تجمع إسرائيل بالأكراد، ومن مقال لإيلي شلهوب اسرائيليات العدد ١١٦٣ الجمعة ٩ تموز ٢٠١٠. جريدة الأخبار اللبنانية.
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ماذا بعد لبنان / 2
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول