بقلم/ اسعد عبدالله عبدعلي
في عام 1961 وبالتحديد في يوم 25 من شهر مايو, أعلن الرئيس الأمريكي كينيدي للعالم اجمع بان الولايات المتحدة ستغزو الفضاء, وقبل نهاية عقد الستينات, هذا التصريح مثل هدف كبير, مع سقف زمني وضعته الإدارة الأمريكية, لكن التساؤل كان هل في مقدور الحكومة الأمريكية الوفاء بالتزامها أمام شعبها؟ لتحقيق هذا الهدف المعلن, أم انه كان بالون للاستهلاك الإعلامي فقط, تساؤلات كثيرة اجتاحت الشارع الأمريكي في وقتها.
كان شعور الأمة الأمريكية بالخيبة, لان السوفيت سبقوهم في سباق الفضاء, وكان هناك خيبة أمل كبيرة, وحالة من عدم الثقة بتحقيق الهدف, لكن الإدارة الأمريكية اجتهدت لتحقيق الهدف ضمن سقفه الزمني, باعتباره نوع من التحدي لقدراتها, ولحفظ الكرامة وتحقيق كبرياء أمريكا, ولإعادة ثقة الشعب بساسته, الى أن تحقق, ففي عام 1969 في آل 20 من يوليو, تحول هدف كينيدي الى واقع, حيث هبط على سطح القمر قائد سفينة الفضاء ابولو 11 "نيل ارمسترونج".
قضية وجود هدف واضح المعالم للحكومات, مهمة جدا لغرض تحقيق أحلام الأمم, في الرقي والتطور, بعيد عن العبثية والكسل, هدف ينفع الدولة ولا يلتصق بشخص ما, هذا مهم جدا, وعليه ممكن النهوض, وممكن أن نفهم ماذا قدم الساسة من خلال مقارنة الأهداف بالمنجز, فان تحققت الأهداف فهذا دليل كون الحاكم شريف ونزيه وعادل, باعتبار وفائه للشعب عبر تحقيق أهدافه المعلنة.
أما أذا كانت الأهداف لا وجود لها في الواقع, فهذا دليل كذب وفساد وخيانة الحاكم, حيث اعتمد منهج المكر بالشعب في الحكم.
الحقيقة المحزنة عراقيا, انه تغيب الأهداف الفعلية عن الدولة العراقية, مما جعل قضية التقييم مستحيلة, وتسبب في نمو وحش الفساد, بل هو يتمرد مدعوما بقبول السلطة بذلك, لتحقق مكاسبها على حساب البلد.
● غاندي مثال القائد الشريف
يحكى عن غاندي ذلك الرجل العظيم, انه كان يحمل هدفا عظيما في داخله, الا وهو أخراج الاستعمار البريطاني من الهند, لكن من دون عنف, وقد اعترض طريقه الكثير من المصاعب, بل اعتقل وعذب مرات عديدة, لكنه كان مصرا على هدفه, الى أن استطاع جمع مأتي مليون شخص على مبدأ واحد, قائم على المقاومة من دون عنف, لقد نجح الرجل لأنه وضع هدف واضح, ووظف كل جهده لتحقيقه, ليتحول الى حقيقة, مع أخلاص النية وسلامة النفس ونقاء الروح للقائد غاندي.
عندما يملك القائد صفات ايجابية كالصلاح والطيبة وحب الوطن, فالأكيد أن تكون أهدفه سامية لصالح الوطن والشعب, وتبقى تذكره الأجيال بكل خير.
نظرة مقارنة سريعة لكبار الساسة اليوم, حتى تتصاغر أسمائهم أمام غاندي, بسبب حقارة نفوسهم وفساد نيتهم.
● صدام مثال للقائد الخبيث
بالمقابل هنالك قادة يملكون نفوس خبيثة, وروح قذرة, فالأكيد أن الأهداف التي يتحركون لأجلها سيئة وتسافلية, وذات اثر مخرب للوطن والشعب.
عندما وصل صدام للحكم كان لديه هدف كبير, وهو البقاء في الحكم حتى لو تحول العراق الى خرابة , فتحولت كل جهود مؤسسات الدولة في سبيل تحقيق هذا الهدف, مما جلب الويلات للشعب, ودخل العراق في حروب لا ناقة له فيها ولا جمل, فقط ليدوم عز صدام دخل العراق في حروب مكررة, هدف صدام بالبقاء في الحكم كلف العراق الكثير, خصوصا انه اجتهد كثيرا في سبيل تحقق حلمه.
ويمكن القول ان هدف صدام ينم عن أنانية مفرطة, تقرب من المرض النفسي, وعندها لا يمكن تصور علاج لمحنة العراق الا بقلع صدام من الحكم, كي يزول معه هدفه المدمر للعراق.
لو قمنا بنظرة مقارنة مع ساسة اليوم, نجد أن فئة واسعة تسير بنفس أهداف صدام, فهي مقلد جيد للطاغية, لكن الأغرب أن يكون لها جمهور يتناغم مع سفالة هدفها.
● الطبقة السياسية والأهداف الوهمية
اغلب الأهداف التي تم الإعلان عنها من قبل الطبقة الحاكمة, بحقيقتها كانت مجرد بالونات للضحك على الناس, وهي تمثل مدى استخفافهم بالجماهير العراقية, والأمثلة كثيرة ومنها الإعلان عن أقامة برج في بغداد يكون أعلى برج بالشرق الأوسط, والصخب السياسي المستمر عن أكذوبة سعيهم لحل مشكلة السكن, عبر أقامة مدن الأحلام, والوعد بحل مشكلة السكن, والوعود الكثيرة بحل أزمة البطالة, والوعود بالنهوض بالجانب الزراعي, وكذبة إعلان قيادات سياسية كبيرة الحرب ضد الفساد, وأكذوبة شراء احدث الأسلحة للجيش العراقي, وكل هذا وعشرات الأهداف والوعود الأخرى التي لم تتحقق.
وعدم تحققها يعود لغياب التقييم والمحاسبة عن الأهداف الكاذبة, مما خلق شرخ بين الجماهير والحكومة, باعتبار أن الطبقة السياسية دوما تكذب ولا تحقق وعودها, ولا تخجل من عدم وفاءها للجماهير.
فكانت تلك الأهداف المعلنة من قبل السلطة مجرد شعارات سياسية, للاستهلاك المحلي, والتأثير في زمن الانتخابات, وأيضا للمزايدة على الآخرين وإسقاطهم في عيون الطبقة البسيطة, وكذلك وجدت أهداف الطبقة الحاكمة فقط للضحك على الجماهير, باعتبار أن هناك منجزات ستتحقق لاحقا, فكان استخفاف بالشعب العراقي يدلل على عمق فساد وسفالة تلك الطبقة.
● نريد حكومة بأهداف حقيقية
الدولة لكي تنهض تحتاج لأهداف واقعية, مع تحديد سقف زمني لتلك الأهداف, لغرض التقييم والمحاسبة, حيث على البرلمان أن ينزع عنه ثوب الكسل والفساد, ويتحول لكيان مدافع عن حقوق الوطن والشعب, فيطالب الحكومة بتحقيق الأهداف وألا قام بمحاسبتها, ورفع ملفات الأهداف للقضاء, فلو تم هذا الأمر, لتغيرت الحياة السياسية في العراق, ولظهر للوجود كيان عراقي قوي, لأنه يملك أهداف ويسعى بصدق الى تحقيقها.
فهي دعوة للكيانات السياسية أن تصدق هذه المرة, وتضع أهداف حقيقية لخدمة الوطن والمواطن, وتترك الكذب ووعود المنافقين.
أقرأ ايضاً
- المجتهدون والعوام
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى