حجم النص
علي حسين الخباز أية بشارة تلك التي ستزفها يا بن سعد، وأي ذاكرة تريدها أن تشذب نزف بدر وحنين، أو كأن القتل لا يكفيك، فرحت تبحث عمّن يخمش وجه الكون، هذا لأنك تشعر بالانكسار... تحتاج إلى فعل أكبر من القتل؛ كي تروي غليل هذا الظمأ المستعر في الروح، فلذلك رحت تصرخ:ـ ألا من ينتدب إليهِ ليوطئ الخيل صدرهَ وظهره..؟ أكل هذا الفتك من أجل جوائز لا قيمة لها..؟! أضحكتني مسرحية صلاتك يا عمر، تصلي عند مصرع الحسين (عليه السلام)، تصلي على أكذوبة هذا اللهاث، تنطق بكلمات الإيمان زوراً تصلي (الله أكبر) وتهمس في أذن الارض هذيانات.. وإلا أي صلاة وهذا الحسين ينام على تراب مذبوح، ويسافر رأسه عبر البراري على رمح.. تصلي على محمد وآل محمد، وأنت ذبحت البسملة، وملأت بالجراحات فتحها المبين، تصلي وبقية أهل البيت (عليهم السلام) على بعير يقاد مقيدا.. ابكِ يا عمرو.. فالدموع غيوم تهطل عند هذا الوعيد بصرير ملك الري الذي ما هو إلا رعشة حلم.. اسمع يا عمرو.. اسمع زينب بنت علي زينب (عليها السلام): (اللهم تقبل منا هذا القربان). أكيد هذه الصحراء سوف لن يجف دمعها الصارخ أبد الدهور، تقول: الله أكبر.. لو كنت تؤمن بها حقيقةً لما أصبحت تلك الأجساد على رماد، والرؤوس مرفوعة على الرماح، ولا أكلت الظهيرة أكباد أبناء رسول الله (ص)، اسمعها يا ابن سعد تقول: ميثاق هو عهد الله إلى نبي العزة، ووصي المسرة والحبور. في ذاكرة الجود ستنهض من هذي الأرض رايات خير وبركة ونور، وسيرفع الطف هامته، هل رأيت يا بن سعد في التاريخ كله أسيراً يرتجز عند مرتكز القيد؟ أرأيت كيف وبخهم الصمت، وعاتبتهم الغفوة، فقاموا بين ألفاظ الحروف، كأنهم يأتمرون بإيماءة إصبعه، كنت تتمنى أن تبيد هذه العائلة، بودك أن يقتلوا حتى الأطفال، شئتها حصاداً.. وإذا بها تصير مزاراً لأتون قادم.. الخراب طوفان لا تحده الضفاف.. وكل حلم يشذ عن هدى الله يتيه.. ولذلك بزغت كربلاء جميلاً في عيون زينب (عليها السلام)، كنتم تتصورون.. إنكم ستقابلون نساء مولولات، وإذا بكم أنتم النائحون.. السيف في يدكم، ورأس الحسين أمامكم مقطوع، والجسد مرمي في طف كربلاء بعدما سحقته سنابك الخيل.. فأين هي بهجة نصركم..؟ وكأن الرأس المقطوع يدخل عرشكم منتصراً دون جسد، كأنه ينظر إليكم بطارف عينيه مستهزئاً بكم، وكأن رأس الحسين اليوم هو الذي يأسرك ويأسر الكوفة معك. العتمة في درك عوالم لا يعرفها السيف، ولا يعرفها البطش والذبح والتكليف.. لقد اختزلتم كل شرور التواريخ، كل وسواس يدس الأنف في مضاجع التقاوة والنقاء حسداً من طيبة الاتقياء، أتعرف لمَ كتبت اليك؟ كتبت لأمد الخفقة، ودمع سنواتي الذابلة نصرة خجلة أمام إشراقة هذا النحر المعطاء، سعى ليضيء لكم الكون بهاء.. وأنتم نثرتم العتمة عمياً وضلالا.. قتلتم أنفسكم فالحسين أكبر من أن يموت.. ألا لعنة الله على الظالمين.