حجم النص
بقلم:حسن كاظم الفتال النهضة الحسينية المباركة.. رسالة نبوية فكرية عقلية توعوية مفتوحة.. أزلية بسِفْرها ووحيها وإيحاءاتها.. خُطَّت بنور العرش.. واستظلت بظل العرش....إنبثقت ساعة سأل الله جل وعلا الخلق، أو لست بربكم ؟ فقالوا بلى. رسالة انتهجها إقبال العقل على خالقه بالتسليم للأمر.. توسع مداها مع توسع السموات. (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) ـ الذاريات / 47 عرضت بنودها السماء. (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاّ اللهَ) ـ الأحزاب/ 39 فأقرت بها كل الأنبياء والرسل وآمنت بها الملائكة.. وصادق على انبثاقها خير خلق الله. والخاتم للرسل.. ليختمها بختمه المشرف المصدق.. قبل أن يتبلغ بها بنو آدم.. أسرار الرسالة لا تُقتَبَس إلا بالبصيرة.. حيث أن أمرها صعب مستصعب. إلا على من هو ذو حظ عظيم أقر لها في عالم الأرواح.. جوهر مضامينها لا تدركه الأبصار.. معانيها لا تحتملها قواميس التعابير ولا تفقهها معاجم المفردات.. المُرسَل هذه الرسالة دارت مع دوران الفلك.. فجالت كل الآفاق ما بين السماوات والأرض. تتفحص الصدور والقلوب والنفوس والبصائر والأرواح.. لإختيار صدر مقدس زكي طاهر مطهر.. لتخترق هذا الصدر.. وتستقر بثناياه.. ليُبَشر بنصوصها الراجين بلوغ الفتح. فأشرعت الجنة أبوابها واحتجبت الحور العين تحت ظل شجرة طوبى.. واصطفت الملائكة على جانبي الصراط المستقيم. (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاّ بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) ـ الحجر/8 لتُحَيي سيد شباب أهل الجنة.. وهو يَشِعُ بملكوت الأرواح قبسا.. معتنقا بعمق روحه الزكية إشعاعات بواطن الرسالة لينشرها على رؤوس أشهاد الأسفار. فيبايعه من في السموات والأرض.. إختارت السماء هذا المبلغ الصادق الأمين المؤتمن. وليس سواه من مختار.. إنه الحسين صلوات الله عليه. فانبرى روح القدس وميكائيل وصلصائيل وإسرافيل ودردائيل وجبرائيل وفوج من الملائكة (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً) ـ النبأ /38 حافين بحامل الرسالة.حاملين على أجنحتهم أسرار الثقلين ليبوحوا بها بأفقٍ ورحابٍ تحط عليه بواطن الرسالة . مهبط الرسالة شهقت كربلاء مستبشرة بالإختيار.. وافترشت مساحاتها وكل واحاتها ورحاباتها ودكت تلالها لتتساوى.. وراحت تتوسع.. تتوسع..تتوسع.. حيث لا يسعها الكون.. وألبست كل حدودها حللا مزينة.. تزينها نخيل العلقمي.. وبسطت مشارف بقعتها ومهدتها لاحتضان مناسك الرسالة (وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ) ـ / 48 كربلاء.. سابقة الأرضين بخلقها بآلاف الأعوام عاشت زمنا أجدب وهي أرض قاحلة يابسة جرداء إلا من شرف أسبقية خلقها.. وأفضليتها على البقاع.. ترتمي ضفائر أشعة الشمس على ذرات رملها..فتحولها إلى حبّات ماسية.. تتلألأ.. حتى تحدد حدودها لتلتقي شرقا وغربا..أحست كربلاء بأن الجدب والبلقعية والقحل ينبغي أن يرحل عنها ويغادرها إلى الأبد. ساورتها رغبة لحيازة المجد..وآلت على نفسها أن لا تختار إلا الخلود.. ساقتها رغبة البحث عن زهو وبهاء وجمال وجلال. راجية أن تخلد بذلك كله.. تضرعت متوسلة بالله المانحها شرف الأسبقية والتفضيل على الكعبة.. رامت أن تستحيل إلى جنة أو كعبة تشد إليها القلوب الوالهة رحالها.. لتتمرغ تلك القلوب على حبات رمالها الماسية.. وتتعفر الجباه.. ليكون هذا التعفير تكبيرة إحرام العهود والمواثيق.. إيذانا لإبتداء الطواف مع الملائكة المحدقين بها. تلت كربلاءُ تعويذاتٍ جمةً.. وألزمت نفسها بنذر عظيم تؤديه ساعة تُقبلُ مناجاتُها وتوسلُها.. وتتحققُ رغبتُها .. إنما هي لم تجهر بذلك.. بل أسرت ذلك بين طيات ترابها الظامئ للطهر والقداسة.. رغم لهيب شوقها لحيازة المجد والشرف وشدة صبرها.. إنما لم يطل انتظارها كثيرا.. راحت مناجاتها تخترق الحجب وتعبر المديات.. فأعانها الله جل وعلا. ورأف باشتياقها وهو الرؤوف الرحيم.. فهبط المرسل المبعوث رحمة لها ولأودائها.. سيد شباب أهل الجنة. وبث بها الروح وسقاها بأطهر وأزكى دم.. فارقها الجدب والقحط والقحل.. فاعشوشبت قيما وقدسا وشرفا وعظمة وجلالة وكرامة وبهاءً. فاستهوت جبرئيل عليه السلام ليتشرف بغمس زغبات جناحه بتراب كربلاء الزكي ليسلمها لرسول الله صلى الله عليه وآله قبضة فيحتفظ بها صلى الله عليه وآله أوان نزول الرسالة وهكذا تحدد مسرى ومستقر مهبط الرسالة ولكن ؟؟ وأية لكن تلك ؟؟ أين الميعاد وبأي أوان يتم النزول ؟ ومن أجل أن يتحدد الموعد ويختزل الزمن كل مدياته أذن مؤذن فهرع كل زمان ومكان لتلبية نداء المؤذن.. وأَمَّ القمر الشموس وكل الأبراج والكواكب والشهب والنيازك لأداء التسليم. وكانت تكبيرة الإحرام.. عاشوراء... عاشوراء وتربع يوم عاشور على العرش الزمكاني الذي يستحقه واعتلى ناصية الزمن وأزهر مستقرا على شاهقتها.وبخع له التأريخ وانحنى التقويم بكل حساباته لتعتليه تجليات عاشوراء ..فتندثر كل المدونات والتدوينات ليتصدر مراتبها بزهوه دون أي منافس لا من بعيد ولا من قريب... من أجل أن تكون الصلاة بوابة الولوج إلى ملكوت العقيدة.. ومعلما من معلمها..توضأ ثرى الطف بأطهر وأزكى وأقدس نجيع. وقبل أن يجف نجيع الآيات الكريمات راح الزهو والكبرياء والجبروت يهيل عليه نوافل قادمة من صوب الحجر الأسعد. ومن مناجات حجيج الملائكة الكروبيين الذين جاؤوا من زمزم بفيض يتوق لأن يتطهر بصبه على النحر المدمى . واتخذ جبرئيل وفوج الملائكة عاشوراء صهوة اعتلاها ليُبَلِّغ بها ملائكة السماء لتنث من دموعها الساخنة نثيثا يندي رمال كربلاء المقدسة. نحر مقدس.. شخبت منه أولى سور الصلوات.. وسالت به أودية الشهادة بقدر.. ذلك النحر الذي طالما اختصته بعبق اللثم شفاهُ تمنت الجنانُ أن يلامسها أريج شفيفها . وانتشت بهذا اللثم نفس استقرت بإسرائها على جنبات العرش وكانت قاب قوسين أو أدنى . إيهٍ نفسُ المسمى في السماء أحمد ؟؟ أي وخزة تلك التي أججت أوار الأسى فيها أيها المعتلي ظهر البراق للمضي إلى العرش.. أي ظهر منك انحنى للرزية ؟ صدر تتزاحم المكارم بالتهافت على الإستقرار بطيه.. لتكون مقترنة بالقرآن المستقر فيه.. صدر استقر فيه الذكر.. (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) ـ الحجر / 9 صدر تتسابق على الإحتشاد به علوم الأولين والآخرين.. ليكتنزها لتتعلم الملائكة منه تسبيحها وتقديسها وتهليلها وحوقلتها. يتصل الصدر بالنحر. تتبارى السور بالعروج والنزول بهذا الصدر القرآني الكوني.. سورة تعرج فيه بالكلم الطيب..وسورة تنزل بالهدى. مواريث النبأ العظيم كلها محتشدة فيه. نحر يتشاهق لألاؤه فيتصل بأقطار السموات قبل آفاق الأرض نزف النحر آياتٍ ونورا وبراهين ودلائل واضحات. حين أدت الصوارم صلاة. كانت تكبيراتها خوار سهام بدرية حنينية. وقنوتها صليل سيوف خيبرية.. ومحرابها نحر لم يغادره يوما الوحي بترنيمته. إن هو إلا وحي يوحى.. ولم تتوقف أوداجه برهة أو هنيهة أو لحظة عن ترتيل ما يترنم به الوحي.(وما ينطق عن الهوى). نجيع زمزمي فراتي علقمي.. ووضوء بنجيع الكرامة.. ونوافل يثربية مدنية مكية.. وتيمم أرض بخد معفر.. وصهيل مهر أصيل عفر وجهه بنزيف آيات المصحف المتكئ على الأرض صاهلا: (يا للظليمة).. وا حسيناه..واحسيناه كل هذه المعالم والإمارات إنسلت من عاشوراء وإنسل منها عاشوراء فراحت تتسابق بالأحاسيس أرواح الأحرار المبصرين إلى الإنتماء بأحاسيسهم إلى مرابع عاشوراء. حيث جُعل نهاره نشورا مبصرا. واصطفت الأنفس اللوامة على ملكوت مرابعه واشرأبت أعناق التائقين إلى السعادة الأبدية لترنو الأعينُ إلى مباهج نور النفس المطمئنة بسم الله الرحمن الرحيم. يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) علهم يحظون ببقعة ضوء تصبح خير تعويذة للقلوب الولهى بحب صاحب النفس المطمئنة.