- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
من جعفر بن أبي طالب إلى مسلم بن عقيل عليهم السلام تمتد خطوط السفارة
حجم النص
بقلم:حسن كاظم الفتال في العام الخامس للبعثة النبوية الشريفة كان جعفر بن أبي طالب عليه السلام سفير الرسالة المحمدية العظيمة إلى ملك الحبشة. وفي عام 61 كان موعد خروج سفير النهضة الحسينية العظيمة مسلم بن عقيل عليه السلام وفي التاسع من شهر ذي الحجة عام 61 للهجرة الشريفة. شهاب عالٍ مستقر في أعالي سموات الهداية هوى على مذبح الحرية شهيدا ملبيا نداء ربه مؤثرا الشهادة على طاعة اللئام..أسقطه اللئام من على قصر الإمارة. إنه سفير الإمام الحسين مسلم بن عقيل عليهما السلام وتبدأ الحكاية مما لا يختلف عليه إثنان أن الحديث عن مسلم بن عقيل عليه السلام يتطلب وقتا طويلا ودلائل وشواهد ومقدمات أو تمهيدات تمهد للخوض في سيرة حياته العطرة ولعل أعظم وصف أو لَقَبٍ لُقِّبَ به هو (سفير الحسين عليه السلام) وهذه التسمية أو اللقب بالذات يجدر بنا أن نسهب في تعريفها أو توضيحها. ولكن ما يجعلنا أن نؤجل الأمر هو وجوب الحديث عن عظمة شخصية مسلم بن عقيل الفذة ومنزلته وقدر شأنه الرفيع وأن يسبقها حديث موجز عن السفارة والسفير لنبين عظمة مكانته ومنزلته لدى الإمام الحسين عليه السلام وسبب اختياره له كسفير ينوب عنه أو ناطق يتحدث باسمه الشريف صلوات الله عليهما . ماهية السفارة السفارة بمعناها الإصطلاحي تعني إدارة دِبْلُومَاسِيَّةٌ يُمَثِّلُ أعْضَاؤُهَا دَوْلَتَهُمْ فِي دَوْلَةٍ أُخْرَى. ومفردة أو تسمية السفارة مرة تكون كمصطلح عملي فعلي أو كمصدر وتارة تكون مكانا أو مقرا للسفير أو مكتبا له ولمن معه. ومن مقر السفارة تنطلق التبليغات من قبل سفير البلد إلى أبناء جلدته المهاجرين أو المسافرين أو المقيمين بشكل دائم أو مؤقت في البلد الأجنبي الذي ذهب إليه السفير ليمثل فيه بلاده. أما السفير هو ممثل لبلد معين يعينه الحاكم أو الرئيس أو الملك أو السلطان يوفد ليمثله في بلد آخر مجاور أو بعيد غير البلد الذي يحكمه أو يسكنه هذا السلطان أو الحاكم أو الخليفة. وينبغي أن يحسن الحاكم اختيار السفير الذي تتوفر فيه مؤهلات تؤهله لأن يؤدي دورا جيدا بإتقان وبمهنية وحرفية تامة. ولعل أول شرط من شروط تعيينه كسفير أن يكون موضع ثقة الحاكم الذي عينه. وثمة عناصر عامة وأخرى خاصة منها على سبيل المثال أن يكون السفير يتمتع بشخصية جيدة ومرموقة. وأن يكون من أهل الخبرة والكفاءة. ويضاف في الحكومة الإسلامية حتمية أن تنطبق عليه الشروط الشرعية الصحيحة.لذا ينبغي للسفير أن يكون على دراية بالأحكام الشرعية وتطبيقها تطبيقا تاما في عمله والإخلاص به وملما بها. إن من أول الصفات التي يمكن أن يتصف بها السفير أن يكون مأتمنا ينقل بكل وضوح وأمانة تامة موقف الجهة التي بعثته لتمثيلها ووجهة نظر تلك الجهة وأن يكون لسانا ناطقا باسم من خوله وأرسله ليمثله. يجب أن لا تتحكم العواطف بعمل السفير وأن يكون مديرا ناجحا للعمل الذي يكلف به . يعمل على تسهيل أعمال وشؤون المواطنين من بلده المقيمين بالبلد المضيف والدفاع عن مصالحها. أن يتمتع بحصافة قصوى وحكمة بالغة ولياقة ولباقة لكي يتمكن خلال ذلك كله من الحفاظ على العلاقات الطيبة بين بلده الذي يمثله هو والبلد المضيف له وأن لا يسيء للبلد المضيف ولا يذل له بشكل يبين ضعفه وتخاذله بل يعمل على تقوية العلاقات. أن يكون بمقدوره الدفاع عن رسالة الإسلام وتوضيح ما هو غامض منها للآخرين وتعليمهم الأحكام خدمة للدين والعقيدة وبيان عظمة الرسالة وعظمة من جاء بها لتكون رحمة للعالمين. لذا حين يتعرض البلد الإسلامي للخطر ويفرض على أبنائه الجهاد والتصدي للمعتدي وطرده يتحتم على السفير أن يكون داعيا جيدا وصوتا عاليا واضحا ينقل وجهة نظر بلده ويدعو للجهاد.. وتكون سفارته مقرا لإنطلاق الصوت وجذب المجاهدين وأن تلبى الدعوات الجهادية من خلال السفير وهذا إذا ما نظرنا إلى السفارة الإسلامية التي يمثل أو ينقل فيها السفير رأي الدولة التي يمثلها. اختيار الإمام الحسين عليه السلام لسفيره الإمام الحسين عليه السلام صاحب العلم اللدني الرباني العالم بالأمور علم اليقين بكل شاردة وواردة على هذا الكون من المحتم إنه أدرى وأعلم بالإمارات التي يتوسم بها الإنسان الكامل المتكامل وبالسمات أو المواصفات أو المؤهلات وهو أعلم بمن هو أصلح وأوفق لأن يكون منيبا أو ناطقا له أو عنه وبمن تتوفر به الشروط والمؤهلات لأن يكون مندوبا عنه يهيئ له الأجواء في مدينة الكوفة التي طالب أهلها بقدوم الإمام الحسين عليه السلام وأرسلوا له كتبا يستغيثون من خلالها به كي ينقذهم من ظلم وجور الظالمين ومن حكم يزيد عليه اللعنة. وقد عَرَّف الإمام الحسين عليه السلام معنى السفارة والسفير الذي تحدثنا عنه في البداية وجمع كل المفاهيم والمضامين وأعلن عنها بقوله صلوات الله وسلامه عليه بكتابه الذي بعثه إلى أهل الكوفة مع سفيره مسلم بن عقيل عليه السلام وجاء فيه : (بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين، أمّا بعد: فإنّ فلاناً وفلاناً قدما عليّ بكتبكم، وكانا آخر رسلكم، وفهمت مقالة جلّكم: أنّه ليس علينا إمام فأقبل، لعلّ الله يجمعنا بك على الحق، وإنّي باعث إليكم أخي، وابن عمّي، وثقتي من أهلي مسلم بن عقيل، فإن كتب إليّ أنّه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجا والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم، وقرأته في كتبكم، أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله تعالى (. هذه الرسالة يمكن أن تكون إحدى الدلالات المهمة المعبرة عن يقين الإمام الحسين عليه السلام بمقدرة وكفاءة مسلم بن عقيل عليه السلام ومسلم بن عقيل عليه السلام هو من أجلاء بني هاشم، وقد كان عاقلاً عالماً شجاعاً لذا فقد اختاره عمُّه أمير المؤمنين علي عليه السلام في حرب صفّين ووضعه على ميمنة العسكر مع الحسن والحسين عليهما السلام. أما النبي محمد صلى الله عليه وآله فقد أنبأ عن موقف مسلم عليه السلام وتنفيذه أية مهمة وإلى استشهاده وأثر هذا الاستشهاد فقد قال الإمام أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه لرسول الله صلى الله عليه وآله: يا رسول الله إنّك لتحبّ عقيلاً قال صلى الله عليه وآله: (أي والله إنّي لأحبّه حُبَّين، حبّاً له وحبّاً لحبّ أبي طالب له، وإن ولده مقتول في محبّة ولدك، فتدمع عليه عيون المؤمنين، وتصلّي عليه الملائكة المقرّبون. ويقصد بذلك مسلما عليه السلام) إغاثة مسلم عليه السلام للكوفة دخل مسلم الكوفة وكان نعم المندوب مشحونا بالعقيدة إلى جانب المقدرة والكفاءة واللياقة والإستعداد والجاهزية لتفجير ثورة تطيح بكل أئمة الكفر والضلالة وأذناب الباطل. الكوفة التي هي يفترض أن تكون معقل الشيعة لأنها عاصمة أمير المؤمنين عليه السلام ويفترض أن يكون الكوفيون أهلا لثقة الإمام الحسين عليه السلام تبين أن ديمغرافيتها قد تغيرت بسبب ما وقع فيها من أحداث. وصارت تضج بانعكاسات التردي وتعج بالفتن والاضطرابات لكن مسلم بن عقيل عليه السلام استطاع بفترة قياسية بحنكته وقدرته وكفاءته المعهودة لدى الإمام الحسين عليه السلام أن يحيط بكل تلك الإضطرابات ويخلق جوا إيجابيا مناسبا يدعم حركته الإصلاحية ويمهد للنهضة الحسينية العظيمة لولا ما حدث بسبب خديعة الحكام للرعية فضلا عن بطشهم وظلمهم وجورهم. وهذا ما يشير إليه مسلم بن عقيل عليه السلام في المحاورة التي جرت بينه عليه السلام وبين ابن زياد والتي جاء في جانب منها حين قال اللعين ابن زياد: يا شاق يا عاق! خرجت على إمامك وشققت عصا المسلمين وألقحت الفتنة؟ فقال مسلم عليه السلام: كذبت يا ابن زياد! والله ما كان معاوية خليفة بإجماع الأمة، بل تغلب على وصي النبي صلى الله عليهما وآلهما بالحيلة وأخذ عنه الخلافة بالغصب وكذلك ابنه يزيد. وأما الفتنة فإنك ألقحتها، أنت وأبوك زياد بن علاج من بني ثقيف، وأنا أرجو أن يرزقني الله الشهادة على يدي شر بريته، فوالله ما خالفت ولا كفرت ولا بدلت، وإنما أنا في طاعة أمير المؤمنين الحسين بن علي ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن أولى بالخلافة من معاوية وابنه وآل زياد. ويبدو أن التخطيط الإلهي لنهضة الإمام الحسين عليه السلام ولنصرته قُدِّرَ أن يُخَطَ لها الطريق في مدينة كربلاء المقدسة وجرى ما جرى وانتصر الدم على السيف