- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ماذا لو كانت الفتوى بالجهاد العيني لا الكفائي
حجم النص
بقلم:محمد سعيد المخزومي الجهاد الكفائي هو الجهاد الذي لو قام به العدد اللازم لسقط التكليف عن الآخرين فيكون وجوبا على الجميع حتى يبلغ الأمر كفايته، إما الجهاد العيني فهو الجهاد الذي يجب على الجميع القيام به ولا يسقط عن أحد بوجه من الوجوه ما لم يكن عاجزا أو معذورا لعذر شرعي. ولفتوى الجهاد الكفائي طاقة تعبوية هائلة تلزم الجميع أن يهبّوا دفعا لخطر مُحدِق بالامة والوطن والشعب وعن مصالحه وكرامته وحيثياته. ولأنها طاقة تعبوية كبيرة لا يدرك ابعادها من تخلف عن ركب الحياة وعاش على الهامش فيها وإن سمّى نفسه ما سمّى. فتحرير العراق من الغزو البريطاني عام 1920 لم يكن إلاّ بفتوى الجهاد الكفائي، التي اصدرها آية الله العظمى الشيخ محمد تقي الشيرازي وقال فيها:(مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين، ويجب عليهم في ضمن مطالبتهم رعاية السلم والأمن، ويجوز لهم التوسّل بالقوّة الدفاعية إذا امتنع الإنجليز عن قبول مطالبهم). وبهذه الفتوى هرع الشعب العراقي بما في يديه من سلاح فردي بسيط مواجها اكبر دولة عظمى بجيوشها الجرارة وأسلحتها الفتاكة وطائراتها العملاقة آنذاك، حتى طردها من العراق. أما بالنسبة إلى رأي آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني فقد كان صريحا ان الشعب العراقي (يجب ان يساعد الجيش امام اعتداءات الارهابيين) فكان هذا صريحا في بيان وجوب الدفاع إلى جنب الجيش العراقي في محاربة اعتداءات الارهابيين على العراق والعراقيين. فكان هذا الوجوب كفائيا وليس عينيا. معطيات الفتوى بالجهاد الكفائي أما معطيات الاستجابة للجهاد الكفائي ودلالاتها فكثيرة منها: أ) تدل على حيوية الكامنة للإنسان العراقي والتي لا يفجرها إلاّ التوجيه الديني الخالص وليس توجيه العابثين في الدين. ب) تدل على وطنية الشعب العراقي من خلال حرصه للذب عن وطنه وشعبه وقيمه ومقدساته. ت) تدل على الابداع الخلاق في الطاقات العراقية الكامنة كما سنرى ذلك من خلال التطوير والتصنيع. ث) تدل على أن الطاقات العراقية الخلاقة مستعدة للانطلاق من خلال توجيه الغيرة الدينية الصادقة وحسب. ج) تدل على أن واجب القيادات العراقية السياسية والدينية أن ترتقي إلى اعلى مستويات المسؤولية التي تنشدها منظومة الثقافة الحضارية التي يريدها أئمة أهل البيت عليهم السلام. خصوصا وان قيمة الحكم واعتبار السياسيين والحاكمين مرهون للقيمة الكبرى في الحياة وهي الشعب بشكل عام، فكيف إذا كان الشعب خلاّقا يدافع عن الوطن بما تعجز عنه الحكومات وحتى الدول الكبرى. فتوى الجهاد الكفائي ومسؤوليات المنظومة الحاكمة الفتوى التي صنعت صنعا حضاريا غيَّر مسار الاحداث أمر لجدير بالدراسة، مما يكشف أن على السياسيين تحمل مسؤولياتهم الكبيرة تجاه الشعب المعطاء الذي من طبيعته تغيير موازين السياسات الحاقدة. ومن تلك المسؤوليات هي: 1- الإسراع في تأسيس المشاريع التنموية لبناء الإنسان العراقي كإنسان بغض النظر عن دينه ومذهبه وثقافته، ذلك أن مفهوم المرجعية الدينية عند التشيع هي المرجعية العامة للناس لكونها نائبة بالنيابة العامة عن الإمام المعصوم عليه السلام الذي إمامته لعموم المسلمين والمسؤولة عن انقاذ البشرية أجمعين. وبالتالي فإن الرؤية الفتوائية القادرة على تعبئة المجتمع تعبئة تعجز الحكومات عن استيعاب السيل البشري الهادر وتنظيمه عسكريا، الأمر الذي يوجب على المنظومة السياسية الحاكمة أن تكون بمستوى هذا الشعب وتضحياته واستجابته للدفاع عن الوطن وحيثياته. 2- واجب المنظومة السياسية الحاكمة الاهتمام بالوطن والمواطنين، وهذا يقتضي تحديد مفهوم المواطنة وتدوينه بقانون في الدستور حتى لا يدخل المفسدون تحت هذا العنوان المقدس فيفسدون على المواطنين وطنهم واستقرارهم وحياتهم. 3- واجب المنظومة السياسية الحاكمة العمل على التنمية المستديمة المحيطة بالمجتمع العراقي من جوانبه كلها. كالتنمية العلمية والمعرفية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. 4- نشر الثقافة المسؤولة في المجتمع وهذا يستلزم تحديد معنى الثقافة تحديدا دقيقا عميقا. 5- التشجيع على تدوير الثقافة المسؤولة في اروقة المجتمع عبر وسائل الإعلام المتنوعة. 6- تأسيس مناهج دراسية مسؤولة تعنى بتربية الاجيال تربية حضارية. 7- تأصيل معنى الحضارية وتعريفها تعريفا علميا يختلف عن المدنية وتأطيرها دستوريا بقانون حتى لا يحصل التلاعب بهذا المفهوم، ولا تسقط القيم والمشاريع الحضارية عندها. 8- لا يمكن للدولة الالتزام بكل الواجبات المذكورة اعلاه والعمل بموجبها ما لم يتم (اقتلاع الفساد والمفسدين) الأمر الذي يقتضي تعريف الفساد شرعيا ولغويا وتأطيره بقانون، لأن الفساد يفسد على المجتمع حياتهم. إذ يظهر الفساد الاداري بالتسويف والتأجيل وتعطيل حيوية المشاريع، ابتداءا من التأجيل في جلسات البرلمان إلى التسويف في مناقشة الأمور، وحتى الإطالة في عدم تنجيزها تحت عناوين شتى غايتها (انهاك الدولة والتنكيل بمشاريعها) كما في مصلح كتاب(إدارة التوحش) لتنظيم القاعدة. ومن ابرز وجوه الفساد القتل والإبادة وإرباك أمن الناس واستقرارهم، ورفع السلاح الرامي لزعزعة أمن الناس، وتنغيص عيشهم، وإفساد حياتهم، من هنا وجب تصفية الفساد واقتلاع جذوره، ومحاربة فكرة (المصالحة الوطنية) مع المفسدين الذين أسقط الله تعالى حق المواطنة منهم بقوله (نَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ ورَسُولَهُ ويَسْعَوْنَ فِي الأَْرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَْرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا ولَهُمْ فِي الآْخِرَةِ عَذابٌ عَظِيم). فأول مسؤوليات المنظومة الحاكمة توفير أمن الناس وحمايتهم من فساد المفسدين. 9-الأولوية الثانية من واجبات المنظومة السياسية، المحلية أو المركزية، تأمين معاش الناس تأمينا كريما سليما لأنهم هم الرصيد الكبير الذي تقوم على اساسه الدولة والحكم، ولذلك كلف الله تعالى الناس بطاعته والتزام منهجه بعد أن حفظهم أمنهم ومعاشهم فقال(فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ. الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ). 10- يجب على المنظومة السياسية الحاكمة العمل على حماية السلم الاجتماعي الذي لن يتحقق بدون تطهير الفكر الفاسد والثقافة الفاسدة (إذا صح التعبير)، ثم ردم البؤر الفاسدة، إذ كما أن الأمن الصحي يوجب على الجميع حمايته، وملاحقة الأمراض التي بلغت حد الوباء، خشية أن تتفشى في الأسرة البشرية بما يسمونه الصحة العامة(Public Helth) ثم الأمن الصحي للعالم المعروف ب(Global health security) وهذا يستوجب (عدم المصالحة الوطنية) مع (الوباء) ولا معاشرة الأفراد الموبوئين بل يجب حجر المرضى ومنع الاختلاط بهم كما يمنعون من الاختلاط بغيرهم، وذلك من اجل حماية الناس. أما إذا اوشك المرض على أن يتحول وباءا عاما فتجب على الاسرة الدولية ملاحقته ومكافحته، وعدم التعامل معه كظاهرة سليمة يمكن التعايش معها. إذن المرجعية الدينية قد عبأت الشعب بفتوى الجهاد الكفائي دفاعا عن الوطن والمواطنين من الفساد والمفسدين الأمر الذي يفرض على المنظومة السياسية الحاكمة إلتزام مسئولياتها المذكورة أعلاه، خصوصا وأن وجود النظام مدينٌ لتلك الفتوى التي عبأت حشدا جماهيريا هادرا دفع الشرور عن العراق وشعبه وحكومته. ماذا لو كانت الفتوى جهادا عينيا إن فتوى الجهاد ضد أعداء العراق المتربصين به سوءا إنما هي فتوى بالجهاد الكفائي فكيف بالأمر لو كانت جهادا عينيا؟ حيث الجهاد العيني جهاد يوجب وجوبا عينيا على كل فرد قادر على حمل السلاح وهو أمر يجب أن يفهم أبعاده السياسيون العراقيون، ومن يلوِّح منهم بطرف خفي لأعداء العراق، وما يحيط بالعراق من دول الجوار التي ما حفظت للجوار حقا قط، يجب أن يفهموا المعاني التالية التي لو اصدرت المرجعية الدينية فتوى الجهاد العيني لتبيَّن: أ- أن سيلا بشريا سيندلع في شوارع العراق من شماله إلى جنوبه كسيل اجتماعهم في الذكرى السنوية (لزيارة الإمام الحسين g) بمناسبة الأربعين، بحيث ستكتسح كل من تسوّل له نفسه بالانفصال ومن أساء فهم معنى الأقلمة والفدرلة وما احترم معنى الحرية والدمقرطة، ولم يعرف لوعدٍ وفاءً، ولا لحليفٍ عهدا، ولا لصديقٍ صداقة. ففتوى الجهاد العيني سيكون أمرا كاسحا ماسحا. ب- كما أن الجهاد العيني يعني أنْ لو قد اتجه هذا السيل البشري إلى البرلمان العراقي لإستخرج (أبواق الدواعش) من المجلس وأخرجهم من جحورهم وقدمهم إلى القضاء العادل، ولن تسمع بعد ذلك لهم ذكرا، ولا لصوتهم نعيقا. ت- لو توجه هذا السيل البشري المنفعل بفتوى الجهاد العيني إلى الكتل السياسية العابثة بمصير الشعب لإستطاع جرفها كما تجرف السيول الغثاء من الأرض فتطهر البلاد من المفسدين العابثين. ث- لو أن سيل الفتوى بالجهاد العيني اتجه إلى اقوى جيوش العالم غزوا لبلادهم للإكتسحها كسحا وسحّها سحّا. ج- لو توجه سيل الفتوى بالجهاد العيني إلى دول الجوار العابثة بمصائر العراق الصابر الصامد، لنقض عروشهم حجرا حجرا. ولن تحول دونه ترسانة اسلحتهم، ولا تحالفهم من عاصفة أو قاصفة لتتبين أنها زوبعة عابرة تحكي عن عربدة خاوية، إذ لم يستطيعوا الصبر على سلاح اليمن الذي اضعفته الحكومات المحلية الغابرة، فكيف بالقدر العراقية الخلاّقة وقد عانت ما عانت منذ غياب حكومة أمير المؤمنين عليه السلام وهيمنة الامويين إلى يومنا هذا. علما أن فتوى الجهاد الكفائي قادة على ذلك الفعل، ولكن في الجهاد العيني سيكون للنساء نصيب لرفد الرجال بالإسناد والعون لا بالقتال. ولذلك فقد ابهرت فتوى الجهاد الكفائي واذهلت العالم وقوى الشر والدول الاقليمية والعالمية، الأمر الذي يكشف أن (أصوات النواعق) جعلت تتعالا بين اروقة الحكم في العراق وخارجه ناسين أن سيل الفتوى الكفائية قادر أن يقوض عروشهم ويكتسح وجودهم إذا ما اعانوا على العراق عدوا. كما يكشف عن محاولات الدول الكبرى مع حلفاءها الخليجيين في التدخل لإحتواء الموقف لصالحهم، فتارة ترفع لواء تسليح العشائر السنية بحجة محاربة داعش والغرض التمزيق والانفصال. وتارة تريد تأسيس قواعد عسكرية لها في العراق. وتارة بالدعوة إلى تأسيس(الدفاع الوطني) ليكون مقابلا للحشد الشعبي ثم مقابلا لجيش العراق وقواته والذي لا يعني إلاّ عملية الهاء وإشغال وتفتيت. ولأن المرجعية الدينية افتت بالتعبئة الشعبية العامة دفاعا عن العراق كله سنة وشيعة وغيرهم فاستجاب الشيعة لكونهم الأغلبية ولكونهم المتمسكين بها، وكونهم (الهدف التاريخي) للإرهاب، ولأنهم المضحون المبادرون دفاعا عن الوطن إلى أن دخل معهم بعض عشائر السنة ممن كانت عندهم الغيرة على انتهاك عرضهم واغتصاب ارضهم من الدواعش المحليين والأجانب، وكلهم أغراب عن الوطن. فعمدت تلك الارادات السياسية التي لا تريد للعراق اجماعا ولا اجتماعا، ولا تحب له أمنا ولا استقرارا، فأبتْ إلاّ أن تفرّق لحمته تحت معيار سياسي استعماري فاسد يُعرف (بخلق التوازنات) الذي يقتضي التمزيق والتكتل والتخندق لينبعث مفهوم التوازن، ويعشعش الفساد في أروقة السياسة والحكم، ويعبث العابثون الدوليون والاقليميون بالعراق. إذن المجتمع العراقي يدين لقيم الحياة وثوابتها وليس للسياسيين العابثين بأمن الوطن، بحيث إذا لم يعد للسياسيين غيرة على الإنسان والوطن، فغيرة الشعب تأبى أن يتخلى عن مسؤولياته في الدفاع عن الوطن ثم بناءه فيما بعد. ولذلك كان الحشد الشعبي المقدس، لأنه وجده الذي يدافع عن المقدسات.