- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
صدوع وتشققات أم إنهيارات خليجية؟
حجم النص
دراسة إستراتيجية حول نهاية التاريخ العربي بقلم: أ.د. وليد سعيد البياتي: قبل التقديم: أجلت نشر هذه الدراسة الموجزة في إنتظار متابعة المتغيرات في المراكز الترتيبية للحكم في السعودية ونتائج الصراع على خلافة الملك عبد الله في سعيه الحثيث لتنصيب ابنه متعب في مركز ولاية العهد. أضافة لنتائج الصراع السعودي القطري في سوريا ومصر. ومن هنا وجب هذا التنويه. مقدمة: في العديد من دراساتي السابقة حول نهاية التاريخ منذ 1996م قدمت إشارات مهمة تؤكد قرب نهاية عدد من التجمعات التي ظهرت على أساس قومي أو مناطقي، فمنذ بدايات تاسيس ما يعرف بمجلس التعاون لدون الخليج العربية (1981م)، كنا نراقب طريقة بناء هذا المجموعة ونحن نرى هشاشة مادتها وضعف كيانها وإرتباك العلاقات البينية بينها على الرغم من أنها كلها كانت بالاصل خاضعة للمخابرات البريطانية التي أوكلت مهامها بالتدريج الى المخابرات الامريكية حين تراجع العرش البريطاني عن حماية دول الخليج في صفقة دولية لصالح الولايات المتحدة الامريكية. فمجلس التعاون يفتقر الى العلاقات الاصيلة بين الدول المستقلة لان كل هذه الدول لا تشعر بحقيقة إستقلالها خاصة وهي لا تزال تخضع للقرارات الامريكية في العلاقات الدولية وفي قضايا النفط والغاز على الرغم من أنها تبدو ظاهرية ثرية بسبب الانتاج النفطي الكثيف الذي يذهب كغطاء للخسائر الامريكية المتكررة. في هذا الجانب من الدراسة سنركز على التصدعات الاخيرة التي بدأت تحدث داخل البنية الخليجية نتيجة الصراع على مناطق النفوذ من خلال ما تسمى بالثورات العربية المعاصرة الممولة بالمال الخليجي حتى بدأت تلك الصراعات البينية تظهر على سطح الحركات المسلحة التي أخذت تتقاتل فيما بينها لتبرهن كيف انها تعتمد في تمويلها ودعمها على هذه الدولة أو تلك. خارج السرب: في ضور قرارات كل من السعودية والأمارات والبحرين سحب سفرائها من قطر، على إثر إتهام البحرين لقطر بمسؤوليتها عن التفجيرات الأخيرة في البحرين، إضافة لتنامي الصراع القطري السعودي الاماراتي الكويتي في قضية تمويل الجماعات الارهابية في سوريا وقضايا الاخوان في مصر وما يحدث من أرهاب خليجي في العراق، يقول الكاتب الكويتي أحمد الجار الله: " إن قطر كانت في السابق دائما تغرد خارج السرب العربي والخليجي، وأما الان فتصرفاتها صارت تمس الامن القومي لتلك الدول وهذا خط أحمر لمجلس التعاون، وبعد أن برزت تلك القضايا مؤخراً فان مجلس التعاون سيتحرك لاتخاذ قرار حاسم ضدها ملمحاً إلى إمكانية إتخاذ قرار بتعليق عضويتها في المجلس ". وفي إشارة أخرى يقول الجار الله: " المجلس منذ إنشاءه كان يضم ستة دول ولن يضيره الان أن يضم خمسة دول ". لاشك ان الصراعات الخليلجية - الخليجية لم تعد تركن تحت طاولات الحوار، فالمتغيرات المتسارعة فرضت ظهور تشابكات الاحداث على العلن، ولعل بعض مراكز السلطة في كل من السعودية والامارات بالذات هي من قرر إخراج هذه التنازعات من الحقائب المغلقة الى صفحات الاعلام عبر إعلاميين محددين من قبل السلطات الحاكمة هناك. فقطر التي أرادت ان تغرد خارج السرب الخليجي لم تعر التفاتاً لبيانات مجلس التعاون المفترض، لانها قررت أن تكشف عن مكنوناتها في أن تحتل موقعاً أكبر من مساحتها الجغرافية حين عبثت بالساحتين السورية والعربية على السواء. وهي لم تنتبه الى ان مليوني أجنبي من العمالة الشرقية والغربية والافريقية يمكن أن يغير مساراتها في تحقيق حلم وهمي بدولة عظمى عدد سكانها الاصليين (200 الف نسمة) أقل من عدد سكان مدينة من مدن العراق. لاشك إن اعتماد قطر على كونها مركز السنتروم الامريكي في الخليج منذ ان صارت قاعدتي العيديد والسيلية المركز الامريكي التجسسي الاكبر في مياه الخليج في قبال إيران للسيطرة على مرور النفط عبر بوابة مضيق هرمز. هذا الامر جعلها تعقد أنها صارت دولة عظمى. إلا أن قطر نفسها لا تستطيع أن تنكر خطورة الموقف فيما لو قررت الولايات المتحدة تغيير إستراتيجياتها في الخليج لاجل المصالح الأولى لواشنطن نفسها على حساب مصالح حلفائها كما حدث في العراق ومصر وتونس. في دراسة لمعهد واشنطن للدراسات الاستراتيجية يقول مدير الابحاث باتريك كلاوسن: " لا تتبع الولايات المتحدة موقف الحلفاء في القضايا التي تمس المصلحة الامريكية العليا، وحين قررت واشنطن ان تسحب مراكز قوتها من السعودية الى قطر فلاننا نرى أن مصلحتنا تسبق مصلحة الخليج، ولأن الدور السعودي اوشك على الانتهاء ". نزوع الاقنعة: يقول كل من روبرت ساتلوف واندرو جيه تابلر وهما من المتخصصين في الشؤون العربية والاسلامية في المعهد: " من الضروري في بعض الاحيان أن نلجأ إلى نزع الاقنعة والتحول نحو المصارحة المباشرة على الاقل في اللقاءات البينية حين الحديث عن الصراع في الخليج وفي الشرق الاوسط ". في إشارة الى اللقاءات مع ملك البحرين ومع أمير قطر الجديد بخصوص موقع الاسطول الخامس في البحرين والقواعد الامريكية في العيديد والسيلية في قطر. وقاعدتي الخبر والظهران في السعودية. ومع أن القيادات الامريكية قدمت ضمانات جديدة لحماية العروش الخليجية إلا أن القلق الامريكي الاكبر ناتج عن تردي مستويات حقوق الانسان في البحرين وقطر والسعودية بشكل خاص وظهور ذلك في الاعلام الامريكي مما شكل ضغطاً على حاكم البيت الابيض الذي بدأ محرجا في ردودة الاعلامية وحديثة عن الديمقراطية والمتغيرات في الشرق الاوسط بعد الفشل الذريع للناتو في سوريا والقاء اللوم على الدول الخليجية الداعمة للارهاب. إضافة الى التنامي الكبير في السياسة الشرق أوسطية لإيران التي بدأت تظهر كقوة نووية ومركز مهم من مراكز الصراع والهيمنة في الشرق الاوسط، خاصة فيما يتعلق بدورها في العراق وسوريا ولبنان وفي العلاقات البينية مع موسكو وبكين. وهو ما شكل تحدياً كبيراً للمفاهيم الاستراتيجية المعاصرة في البيت الابيض حيث تم توجيه نصائح مركزة من قبل مستشارين دوليين لاوباما لطي صفحة الصراع مع إيران ولمحاولة التعاون مع طهران كمركز مهم في أمن الخليج وأمن الشرق الاوسط ككل. صدوع في درب المسير الى العرش: في الشيخوخة المتداعية والمريضة بكل سرطانات العمر يحاول الملك عبد الله القفز على البقايا المتهالكة من الجيل الاول الطامح بالعرش السعودي لتحقيق موازنات غير ممكنة ومعقدة لإيصال ولده متعب الى العرش، فنهاية الملك فهد ووليي العهد سلطان ونايف قد أضعف مجموعة السديرين السبعة (فهد، سلطان، نايف، عبد الرحمن، تركي، سلمان، أحمد) وهم أولاد حصة السديري زوجة عبد العزيز، وبقاء سلمان وهو مصاب الزهايمر والخرف لايشكل عائقا كبيرا على الاقل في ذهنية عبد الله، ومن هنا جاء تعيين مقرن (وهو اصغر ابناء عبد العزيز) نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء أو وليا لولي العهد، ليكون مقرن كبش الفداء الذي سيضحى به في سبيل وصول (متعب بن عبد الله) الى العرش متجاوزاً بذلك بقية الامراء وقافزاً على خطة عبد العزيز بن سعود الذي جعل العرش بيد سلسلة الابناء (الاخوة) وليس وفق ترتيب الاب والابن. من المهم أن نلاحظ أن مقرن يشبه عبد الله فكلاهما لايملك أشقاء ذكور من نفس الام. ولكن هل سيكون ذلك عائقاً أم أن تردي صحة كل من الملك عبد الله وولي عهده سلمان قد اعطت مبررا لهذا الترتيب. ففي الوقت الذي نرى سلمان بن عبد العزيز (78) عاما مصابا بالخرف والزهايمر فان مقرن (71) عاما يبدو أكثر صحة لكنه سيعاني من صعوبة تقبل الامر من أخوتة غير الاشقاء الباقين وهم (15) من ابناء عبد العزيز. من جانب آخر فإن الترتيب الوضعي في الوصول للعرش يمر عبر نصوص معينة منها ان تكون والدة الملك من الجزيرة العربية (السعودية) في حين أن والدة مقرن يمنية الاصل ومع أن تاريخ العائلة لايثبت زواجها منه لكونها من الإماء أو ملك اليمين كما يعرف في العرف الاسلامي، إلا ان عبد العزيز كان قد إعترف بمقرن إبناً صريحاً له. ولكن تبقى المشكلة في علاقته ببقية أخوته غير الاشقاء وقبولهم لهذا الترتيب في توزيع المناصب والحصص. في الموقف السياسي العام قد يبدو هذا الصراع أحد الأشكال الكثيرة للصراعات على العروش في العوائل الحاكمة، غير ان الموقف السياسي الدولي المعاصر ودور السعودية المتراجع خليجياً بسبب سياساتها في تمويل الارهاب وصناعته وأيضا فشلها في تحقيق إنجازات كبيرة في سوريا بعد الطروحات الكثيرة التي قدمتها عسكرياً ولوجستياً لاجل تغيير نظام الحكم في سوريا والتخلص من بشار الاسد وفشلها في كل ذلك يجعل من هذه التغييرات مهمة في عملية الصراع، خاصة إذا التفتنا الى أن مقرن نفسه غير معني بالتغيير في سوريا وغير متحمس له مثل بندر مثلاً. هذا غير دور السياسات الامريكية الاخيرة في الخليج وتخليها عن الفكرة المحتملة في ازالة بشار الاسد، وضعف علاقتها الحالية العرش السعودي. الجانب الاخر من الاشكالية يكمن في الصراع السعودي القطري على تقاسم الحرب في سوريا ومحاولة كل طرف منهما الحصول على نتائج متقدمة في عملية الصراع لاجل البرهنة على قوة الفعل وقدرة هذا الطرف أو ذاك على إحتلال موقع في التشكيلات القادمة في الشرق الاوسط من جانب، وإلى بعث رسائل إلى واشنطن وحاكم البيت الابيض ان السعودية لاتزال على ان تكون قادرة ومؤثرة في تحريك عملية الصراع وإدارتها وفق المخططات الغربية. مما يعني أن السعودية تريد ان تبرهن للغرب انها قادرة على لعب دور شرطي الخليج والمحور في الشرق الاوسط في غياب العراق ومصر وسوريا. غير ان الدور السعودي القطري في الشرق الاوسط بات يسير باتجاهين متباعدين متناقضين مما يعني أن الخسائر في البنية الداخلية لكل منهما ستفوق النتائج المحتملة من عملية سقوط سوريا فيما لو تمت فعلا. المسارات إلى أين: من المهم أن نلاحظ أن أشكال الصراعات البينية داخل مكونات مجلس التعاون قامت بالاساس على المصالح الشخصية لكل عائلة حاكمة، فكل هذه التي نسميها دولاً هي في الحقيقة أقرب إلى المنظومة القبلية والعشائرية في تقسيماتها ومناهج تفكيرها وفي طروحاتها، فالحكومات غير دمقراطية وهي تقوم على الترتيب العائلي لانها بالاصل نتاج لنظام طبقي عشائري ضيق مما يشكل بيئة مناسبة للصراعات البينية بين الاخوة والأبناء وأبناء العمومة لأجل الوصول إلى العرش، أو على الاقل لتحقيق مكاسب شخصية تقع ضمن الدوائر المحيطة بالعرش حسب ترتيب الأقرب والأبعد. وكلما إقتربت الدائرة من العرش وضاق محيطها وتحددت مساحتها بعدد معين من الوجوه الطامحة كلما كان الصراع على أشده وصولاً الى حالة التخلص من الأطراف المناوئة ولو بالقتل أو الابعاد القسري والنفي والايقاف وغيرها من الاساليب التي تتوفر في إمكانيات هذا الموقف أو ذاك. فقد راينا كيف أن حاكم قطر ازاح والده ليحتل السلطة وإبنه أزاحة ايضا بموافقات غريبة وأصابع عائلية وقبلية فحين تصبح الخطوة القادمة هي السبيل الوحيد للوصول الى الكرسي تنهار كل الجوانب الاخلاقية والروح الانسانية ولا يتبقى إلا شهوة الحكم. ذات الامر وقع في البحرين وفي الكويت والامارات وسلطنة عمان وهو مستمر بالوقوع مادامت المنظومة تقبع تحت الرؤية القبلية والعلاقات العائلية السلبية بين ابناء هذه الزوجة أو تلك أو بالتدخل المباشر من المخابرات البريطانية والامريكية على السواء. الخاتمة: نرى ان الصراعات الخليجية - الخليجية ستتحول بمرور الوقت إلى إنكفاءآت على الداخل فكل الجماعات الالارهابية التي مولتها دول الخليج صارت تهدد السلطاتن الحاكمة في تلك الدول، وبالتالي فان الموقف العام يشير الى عدم إمكانية إستمرار هذه الدول في تصدير الارهاب بعد فشل الموقف في سوريا ونشوب الصراع القطري السعودي على مناطق النفوذ، ومن المهم ان نلاحظ ان الولايات المتحدة وروسيا أخذتا منذ 1991 في إستعادة ترتيب تقسيم مناطق النفوذ في العالم، والخارطة القديمة منذ اتفاقية سايكس بيكو قد مر عليها قرن الان وبالتالي يجب وضع خارطة جديد لتقسيم مراكز القوى وما الصراعات الشرق أوسطية الحالية إلا من هذا الجانب.
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة
- الإجازات القرآنية ثقافة أم إلزام؟