- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
فاطمة الزهراء(عليها السلام) دلالات ومؤشرات/ الجزء السادس
حجم النص
بقلم: عبود مزهر الكرخي فاطمة في منزلها الزوجيّ كانت الزّهراء في منزلها الزوجيّ تقوم بالأعمال المنزليّة، حتى أضناها التّعب، وفي هذا روي أنّ أمير المؤمنين (ع) أخبر النّبيّ (ص) بمعاناة الزّهراء (ع) فقال: "إنّها استقت بالقربة حتى أثّرت في صدرها، وجرت بالرّحى حتّى مجلت يداها، وكسحت البيت حتّى اغبرّت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتّى دكنت ثيابها، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألته خادماً يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل، قال: أفلا أعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فسبّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبّرا أربعاً وثلاثين، (...) فقالت: رضيت عن الله ورسوله، رضيت عن الله ورسوله، رضيت عن الله ورسوله(وهو ما اصبح ما يسمى تسبيحة الزهراء والتي تعادل الف ركعة من الصلاة).(1) وفي المقابل نجد أن نساؤنا في الوقت لا يجوز أن تشتغل في أول أيامها وما إلى ذلك الأمور التي تعرفها النساء فهل هذا السلوك يتطابق مع سلوك الحوراء الإنسية(ع)،وهل ذلك البطل أمير المؤمنين جالس مع الرجال ولا يهتم بزوجته بل كان على العكس يساعد زوجته في طحن الحبوب بالرحى وعجن الخبز والمساعدة في أشغال البيت وهو ذلك الشجاع الذي قتل صناديد العرب وفرسانهم فهل يقوم رجالنا بهذه الأمور والاقتداء بأمامنا. وعن جابر الأنصاري: رأى النبيّ صلّى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام وعليها كساء من أجلة الإبل وهي تطحن بيديها، وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا بنتاه، تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة، فقالت: يا رسول الله، الحمد لله على نعمائه والشكر لله على آلائه، فأنزل الله:{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}.(2) وقد أجمع المفسّرون المسلمون، أنّ سورة الإنسان أو جلّ آياتها نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السّلام، وفي جاريتهم فضّة. وكان الحسن والحسين مرضا فنذر أمير المؤمنين وفاطمة وفضّة صوم ثلاثة أيّام. فاستقرض عليّ عليه السّلام من شمعون الخيبريّ اليهوديّ ثلاثة أصوع من الشّعير، فطحنت فاطمة كلّ يوم صاعاً وخبزت، فآثروا بذلك ثلاث ليال على أنفسهم مسكيناً ويتيماً وأسيراً ولم يذوقوا إلّا الماء في وقت الإفطار. حادثة الدينار ولنأخذ النص التاريخي التالي ثم ننتفع منه دروسا حية للحياة من مدرسة فاطمة الزهراء(ع) فعن أبي جعفر الامام الباقر (ع) قال: {إن فاطمة (ع) ضمنت لعلي(ع) عمل البيت والعجين والخبز وقمّ البيت، وضمن لها علي (ع) ما كان خلف الباب: من نقل الحطب وأن يجيء بالطعام، فقال لها يوماً: يا فاطمة هل عندك شيء؟}.(3) قالت: لا والذي عظم حقك ما كان عندنا منذ ثلاثة أيام شيء نقريك به. قال: أفلا أخبرتني؟ قالت: كان رسول الله (ص) واله نهاني أن أسألك شيئاً، فقال: لا تسألي ابن عمك شيئاً. إن جاءك بشيء عفو، وإلا فلا تسأليه. قال: فخرج الإمام(ع) فلقي رجلاً فاستقرض منه ديناراً ثُمَّ أقبل به وقد أمسى، فلقي المقداد بن الأسود. فقال للمقداد: ما أخرجك في هذه الساعة؟ قال:الجوع والذي عظم حقك يا أمير المؤمنين. قال (الراوي): قلت لأبي جعفر ع: ورسول (ص) والله حي؟ قال: ورسول الله ص والله حيٌّ. قال الإمام علي (ع) للمقداد: فهو أخرجني وقد استقرضت ديناراً وسأوثرك به، فدفعه إليه، فأعطاه الدينار، ومضى علي عليهالسلام الى المسجد فصلّى فيه الظهر والعصر والمغرب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وكان ذلك اليوم صائما، فأتاه جبرائيل عليهالسلام فقال: يا محمد يكون إفطارك الليلة عند علي وفاطمة عليهماالسلام: فلما قضى رسول الله صلىاللهعليهوآله صلاة المغرب أخذ بيد علي ومشى معه الى منزله ودخلا. فقالت فاطمة: وا سوأتاه من رسول الله أما علم أبو الحسن أنه ليس في منزلنا شيء. ودخلت إلى البيت، فصلّت ركعتين، ثم قالت: "اللهمّ إنك تعلم أن هذا محمد رسولك، وأن هذا صهره علي وليك، وأن هذين الحسن والحسين سبطا نبيك، وأني فاطمة بنت نبيك، وقد نزل بي من الأمر ما أنت أعلم به مني، مائدة من السماء كما أنزلتها على بني إسرائيل، اللهمّ إن بني إسرائيل كفروا بها وإنا لا نكفر بها". ثم التفت، فإذا هي بصحفة (ويقال جفنة كما في كتاب الأنوار) مملؤة ثريد عليها عراق كثير تفور من غير نار، تفوح منها رائحة المسك. فحمدت الله وشكرته واحتملتها، فوضعتها بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله وعلي عليهالسلام ودعت الحسن والحسين عليهماالسلام، وجلست معهم. فجعل علي يأكل وينظر إليها. فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله: يا أبا الحسن كل ولا تسأل حبيبتي عن شيء. فالحمد لله الذي رأيت في منزلك مثل مريم بنت عمران: { كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ }.(4) هذا يا أبا الحسن بالدينار الذي أعطيته المقداد. قسمه الله عزّ وجلّ على خمسة وعشرين جزء. عجّل لك منها جزء في الدنيا، وأخّر لك أربعة وعشرين منها الى الآخرة.(5) عقد فاطمة صلَّى رسـول الله (ص) بالمسلمين ذات يوم، ولما فـرغ من صلا ته جلس في مصلاَّهُ والناس حوله، فـبينما هم كذلك إذ أقـبل إليه شيخ طاعـن في السن فقـير الحال وهو لايكاد يتمالك كبراً وضعـفاً. فقال: يا نبي الله أنا جائع الكبد فأطعـمني وعـاري الجسد فاكسني وفقير فارشني. ولم يجد النبي الأكرم (ص) شيئاً ينفقه عـليه فقال: ما أجد لك شيئاً ولكن الدال عـلى الخير كفاعـله. يا بلال قم فقف به عـلى منزل فاطمة. فانطلق الأعـرابي مع بلال، فوقف عـلى باب فاطمة ونادى بأعـلى صوته: السلام عـليكم يا أهل بيت النبوة... ثم حكى لها قـصته. فعـمدت الزهراء (ع) عـلى ما بها من الجـوع أن تستجيب لهذا الشيخ الفقير- إلى عـقد كان في عـنقها أهدته لها فاطمة بنت عـمها حمزة بن عـبد المطلب (ره). فـقطعته من عـنقها وأعـطته إلى الأعـرابي فقالت: خذه وبعه عـسى الله أن يعـوضك به ما هو خير منه. فأخذ الأعـرابي العـقد وانطلق مسروراً إلى مسجد رسول الله (ص) والنبي (ص) جالس مع أصحابه فقال: يا رسول الله أعـطـتني فاطمة هذا العـقد وقالت بعه عـسى الله أن يصنع لك. فـلما سمع رسول الله (ص) كلام الأعـرابي، بكى وقال: وكيف لا يصنع الله لك وقد أعـطتك إيُاه فاطمة بنت محمد سيدة بنات آدم. فعـرض الشيخ العـقـد للبيع. فقال عـمار بن ياسر (ره): بكم العـقـد يا أعـرابي ؟ قال الأعـرابي: بشبعه من الخبز واللحم، وبردة يمانية أستر بها عورتي وأصلي فيها لربيِّ، ودينار يبلغـني إلى أهلي. وكان عـمار(رحمه الله) قد باع سهمه الذي أعـطاه رسول الله (ص) من خيبر فقال: للأعـرابي لك عـشرون ديناراً وماءتا درهم وبردة يمانية وراحلتي تبلغك أهلك وشبعـك من خبز البر واللحم. ففـرح الأعـرابي بما سمع بذل عـمار (رحمه الله) في شراء العـقـد وشكره عـلى ذلك ثم رخى يده داعـياً فقال: اللهم أعـط فاطمة مالا عـين رأت ولا أذن سمعـت. فقال رسول الله (ص): آمين. فعـمد عـمار (رحمه الله) إلى العـقـد فـطيبه بالمسك، ولفه في بردة يمانية،وكان له عـبد اسمه ((سهم)) ابتاعه من ذلك السهم الذي أصابه بخيبر، فدفع العـقـد إلى المملوك وقال له: خذ هذا العـقـد فادفعه إلى رسول الله (ص) وأنت له. فأخذ المملوك العـقـد فأتى به رسول الله (ص) أخـبره، بقول عـمار (رحمه الله)، فقال النبي (ص): انطلق إلى فاطمة فادفع إليها العـقـد وأنت لها. فجاء سهم بالعـقـد وأخبرها بقول رسول الله (ص) فأخذت فاطمة العـقـد وأعـتـقت سهماً المملوك. فضحك الغلام سهم فقالت فاطمة (ع) ما يضحكك يا غلام ؟ فقالسهم: أضحكني عِـظًمُ بركة هذا العـقـد، أشبع جائعاً، وكسى عـرياناً، وأغـنى فقيراً، وأعـتـق عـبداً، ورجع إلى صاحبه.(6) ومنذ اليوم الأول بدأت العمل في البيت وتمشية أمور البيت ولا يهم أنها بنت الرسول وبضعته الطاهرة، وتقول الروايات: أنها استسقت بالقربة حتى أثر في صدرها،وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها،وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها،إلى أن نالها من النصب ما جعلها ترجو نبينا الأكرم(ص) في استئجار خادم لها تساعدها في شؤون البيت،فأنفذ لها جارية للخدمة سمّها (فضة)وقد حصلت على خادمة فأنها لم تخلد إلى الراحة،بل ظلت تعاون(فضة)حتى جعلت الخدمة لها يوم ولخادمتها يوم..فهل توجد قمة وروعة في الإنسانية في كل العلم وهذا ما يعلمنا إسلامنا الرأفة والعطف على من بخدمتهم،فهذه ابنة رسول الله لم تترك العمل كله لجاريتها ولم تكن كباقي نساء المدينة السيدة العاطلة التي لا يهمها سوى تزيين نفسها ولبس الملابس الفاخرة للمشاركة في المجالس والمناسبات،فهي تضرب أروع الأمثال للزوجة الوفية لزوجها والشاعرة بمسؤوليتها،والمواسية لمن هي دونها. "قال الكعبي: يقول علي بن أبي طالب عليه السّلام:" كانت فضّة شاطرة العمل، فقالت لها فاطمة عليها السّلام يوما: أتعجنين أو تخبزين؟ فقالت: بل أعجن يا سيدتي و احتطب. فذهبت و أحتطبت.... تمثّل هذه المعاملة مفاوضة فاطمة عليها السّلام و تسليمها زمام الاختيار لخادمتها فضّة حسب رغبتها فيما تشاء و تختار في التعيين من أنواع العمل".(7) وكان يبلغ من وفائها لزوجها أنها كانت تخفي ألآمها عن زوجها ولا تشكو إليه وغصص تتجرعها على مضض وتخنقها العبرة..ولكن ما أن يأتي زوجها حتى تبتسم له،وتهش وتنش.وكل رعاية لعواطفه من أن تجرح ولآلامه من أن تزداد،وللرحب من أن يضيق عليه وتمسك نفسها من أن تأن أنة أو تتحسر مداراة لزوجها.ومن هنا تنكشف الزيف في الفرية التي أختلقها للطعن في سلوك الإمام مع الزهراء أو عكسه وقصة المشادة التي أختلقها بعض الحاقدين على أهل البيت وخروجه من البيت وبحث النبي عليه ووجده نائماً على الأرض والعرق يتصبب منه فيناديه الرسول(ص): ((قم يا أبا تراب)) ويقوم وتنتهي الفرية بمصالحة بين الزوجين.والفرية واضحة ومدسوسة من قبل الحاقدين على أمير المؤمنين(ع)سيف الحق وخليفة النبي والإمام المعصوم فهل يحصل منه هذا التصرف ثم أن تلك المرأة وهي الزهراء(ع) التي تعتصر الألم ولا تذكر لزوجها وهي الحوراء التي بضعة الرسول فهل يعقل أن يدور كلام بينها وثم تشتكي إلى الرسول والصحيح أن من كناه أبي تراب هو نبينا الأكرم محمد(ص) والحادثة هي وكما مروي من كتب أهل السنة والجماعة وبأسانيدهم والتي في أسفل الحاشية وهي: أخرج ابن عساكر في تاريخه في ترجمة الإمام بأسانيده عن أبي حازم أنّ رجلاً جاء إلى سهل بن سعد فقال: "هذا فلان ـ لأمير المدينة ـ يدعو علياً عند المنبر، قال: فيقول ماذا؟ قال: يقول له: أبو تراب، فضحك قال: والله ما سمّاه إلاّ النبي (صلى الله عليه وآله)، وما كان له اسم أحبّ إليه منه، فاستطعمت الحديث سهلاً وقلت: يا أبا عباس كيف؟ قال: دخل علي على فاطمة ثم خرج فاضطجع في المسجد، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أين ابنُ عمّكِ؟ قالت: في المسجد، فخرج إليه فوجد رداءه قد سقط عن ظهره وخلص التراب إلى ظهره، فجعل يمسح التراب عن ظهره فيقول: {اجلس يا أبا تراب يا أبا تراب مرّتين}". (8) ونأتي إلى الرواية الملفقة وسندها والراوي هو (أبو هريرة) وهو معروف بتلفيقه الأحاديث والذي يعتبره العامة راوي حديث مسند وروى عن النبي أكثر من أربعة ألاف حديث كما هو معروف والكل يعرف وضعه ومدة مرافقته النبي محمد(ص)وهو لا يدع مجالاً للشك لمعرفة التحريف والنقصان وهو بما لا يدع الشك القصد منه النيل من شخصية الإمام روحي له الفداء،ولو كان الحديث صحيحاً لأهتم به جملة من الرواة ولكن انفراد أبو هريرة يضعف في النفس الثقة والاطمئنان بصحة صدروه.وهذه الملاحظات تكشف لنا بوضوح مقدار الحقد والكيد الشديد الذي كانت تكن لبطل الإسلام وسيف الرسول(ص) روحي له الفداء أمير المؤمنين(ع) ووصي رسول رب العالمين ومن هنا نحتاج إلى مراجعة كاملة للتاريخ والذي كان يكتب وفق أهواء الحكام والسلاطين في ذلك الوقت.(8) ولو نظرنا الى تكنية الرسول(ص) للأمام علي(ع) بأبي تراب فقد دلت كل المصادر بانه قد وقعت بعد الهجرة بخمسة أشهر، وهذا التحديد الزمني يعني أنّها كانت قبل ولادة الحسن أول أبنائه بأكثر من سنتين ونصف تقريباً، لأنّ ولادة الحسن (عليه السلام) كانت في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة. ولئن كانت تلك المرة هي الأولى التي كنى بها النبي (صلى الله عليه وآله) علياً بأبي تراب، فانّها لم تكن الأخيرة، فقد تكررّت أيضاً مرّة أخرى. وإذا رجعنا نستجوب كتب السيرة عن زمانها، فهي تعيّن زمانها بأنّه (صلى الله عليه وآله) خرج إليها في جمادى الأولى أو الآخرة على رأس ستة عشر شهراً من الهجرة في غزوة العُشيرة، وسبب تلك الغزوات كانت وقعة بدر، وقد ذكر الحلبي حديث تكنية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي بأبي تراب، فعلى هذا التحديد الزمني ظهر أن التكنية كانت للمرّة الثانية، وبعد مرور ما يقرب على سنة بعد المرة الأولى، وأيضاً هي قبل ولادة الحسن (عليه السلام) أول أبناء الإمام بأكثر من سنة ونصف. فهل في هذا التاريخ كان الأمام علي متزوج من فاطمة الزهراء(ع)؟ أم تثبت أن الرواية التي نسجها بنو أمية هي ملفقة وغير صحيحة.(9) "يقول الكاتب المصري محمود شلبي في ذكر بيت فاطمة عليها السّلام: هاهنا أمر خطير قليل النظير، خلاصته أن بيت فاطمة عليها السّلام هو أفضل بيت على الإطلاق باستثناء بيت النبي صلّى اللّه عليه و آله....أن فاطمة عليها السّلام أشبه الناس بأبيها، أي أشبه الناس به في صفاته العليا؛ فيتحتم أن تكون شؤونها في بيتها أشبه الناس بشؤون أبيها في بيته، لأن التشابه في الصفات يؤدّي إلى التشابه في السلوك و الأعمال.... وهذا يفسّر الكثير مما سوف يمرّ علينا من أحداث جليلة دارت في هذا البيت أو حوله!"(10) ومن ثمار الدوحة الهاشمية هي خمسة ثمار وهي غصون طيبة وأعواد رهيفة سرعان أن قضت الأحداث على البرعم الخامس ولم تتفتح أكمامه بعد وبقيت البراعم الأربعة تمد الإسلام والإنسانية الماء والغذاء وتضفي كل الخير عليهم وأسماؤهم: 1 ـ الحسن(ع) 2 ـ الحسين(ع) 3 ـ زينب(ع) 3 ـ أم كلثوم 5 ـ المحسن:: اسقط من بطن أمه روحي له الفداء وأسماؤهم كلها من النبي (ص) وكان يحيطهم برعايته وحنانه وكان هم النسلة الطاهرة والمشرقة لنبينا وحبيبنا محمد(ص)والذين ظلوا الأنوار الساطعة التي تحكي نوره عبر الأجيال النبيّ (ص) يرعى فاطمة وأسرتها وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يحيط فاطمة وأسرتها بعناية كبيرة، فكان يتردّد كثيراً إلى بيتها ويخصّص وقتاً للحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنّة عليهما السلام. وكان يقول: ((فاطمة بضعة مني، من سرّها فقد سرّني ومن ساءها فقد ساءني)). أما أمير المؤمنين عليه السلام فقال: ((فوالله ما أغضبتها، ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عزّ وجلّ، ولا أغضبتني، ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان)). ولما ماتت فاطمة عليها السلام قام عليها أمير المؤمنين عليه السلام وقال: اللّهمّ إنّي راضٍ عن ابنة نبيّك، اللّهمّ إنّها قد أوحشت فآنسها.(11) بيتها (عليها السلام) مدرسة ثم إن بيت فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) كان مدرسة لتعليم نساء المؤمنين وتربيتهم بالمعارف الإسلامية، بل أحياناً حتى الرجال كما في قصة سلمان الفارسي (رضوان الله تعالى عليه). وكانت (عليها السلام) رحبة الصدر حسنة الخلق، وقد ورد في (منية المريد) لشيخنا الشهيد (رحمه الله): (12) ان امرأة سألت عنها (عليها السلام) مسألة فأجابت فلم تفهم السائلة، فثنت فلم تفهم الجواب ثانياً، وثلثت فلم تفهم الجواب ثالثاً، وربعت وخمست وسدست وسبعت وثمنت وتسعت وعشرت ولم تفهم (والظاهر أن المسألة كانت غامضة جداً ولهذا ما كانت تفهم الجواب، فان إنسانا عادياً إذا سأل من عالم كبير مسألة إرثي فيها حسابات متعددة كمسألة الأجداد الثمانية، فان العالم وان أجاب عشر مرات قد لا يفهم ذلك الشخص جواب المسألة). وفي المرة العاشرة لما لم تفهم الجواب سكتت وقالت: لا اشق عليك يا بنت رسول الله، فأجابت فاطمة (عليها السلام): اسألي ولي بذلك الأجر، ثم ذكرت (عليها السلام) لأجرها مثلاً، كما هو مذكور في كتاب (المنية).(13) وربما كان المقصود أن السائلة سألت عن عدة مسائل مختلفة وأجابتها فاطمة الزهراء (عليها السلام) فخجلت عن كثرة السؤال. قال الإمام الحسن العسكري …: "حضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) فقالت: إن لي والدة ضعيفة وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء وقد بعثتني إليك أسألك، فأجابتها فاطمة (عليها السلام) عن ذلك، ثم ثنت فأجابت، ثم ثلثت فأجابت إلى أن عشرت فأجابت، ثم خجلت من الكثرة، فقالت: لا أشق عليك يا بنت رسول الله. قالت فاطمة (عليها السلام): هاتي وسلي عما بدا لك، أرأيت من أكترى يوماً يصعد إلى سطح بحمل ثقيل مائة ألف دينار أيثقل عليه؟ فقالت: لا. فقالت: "اكتريت أنا لكل مسألة بأكثر من ملئ ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً، فأحرى أن لا يثقل علي، سمعت أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن علماء شيعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم وجدهم في إرشاد عباد الله، حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف خلعة من نور، ثم ينادي منادي ربنا عز وجل: أيها الكافلون لأيتام آل محمد الناعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم أئمتهم، هؤلاء تلامذتكم والأيتام الذين كفلتموهم ونعشتموهم، فاخلعوا عليهم كما خلعتموهم خلع العلوم في الدنيا.. فيخلعون على كل واحد من أولئك الأيتام على قدر ما اخذوا عنهم من العلوم.. حتى أن فيهم يعني في الأيتام لمن يخلع عليه مائة ألف خلعة.. وكذلك يخلع هؤلاء الأيتام على من تعلم منهم.." ثم إن الله تعالى يقول: أعيدوا على هؤلاء العلماء الكافلين للأيتام حتى تتموا لهم خلعهم وتضعفوها، فيتم لهم ما كان لهم قبل أن يخلعوا عليهم ويضاعف لهم، وكذلك من بمرتبتهم ممن يخلع عليه على مرتبتهم. وقالت فاطمة (عليها السلام): يا أمة الله إن سلكاً من تلك الخلع لأفضل مما طلعت عليه الشمس ألف ألف مرة وما فضل فانه مشوب بالتنغيص والكدر."(14) مباهاة الله بفاطمة (عليها السلام) وفي الحديث عن جابر بن عبد الله الأنصاري (رحمه الله) قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالساً في المسجد إذ أقبل علي …، والحسن… عن يمينه والحسين … عن شماله، فقام النبي (صلى الله عليه وآله) وقبّل علياً وألزمه إلى صدره، وقبل الحسن … وأجلسه إلى فخذه الأيمن، وقبّل الحسين … وأجلسه إلى فخذه الأيسر، ثم جعل يقبّلهما ويرشف شفتيهما ويقول: بأبي أبوكما وبأبي أمكما. ثم قال (صلى الله عليه وآله): ((أيـهـا الـنـاس إن الله سـبـحـانـه وتـعـالـى بـاهى بـهـما وبـأبـيـهـما وبـأمـهـمـا وبـالأبـرار من ولـدهما الملائكة جميعا)).(15) وكانت فاطمة (عليها السلام) تقتدي بأبيها. فاطمة الزهراء تقتدي بأبيها ولنسوق هذه الحادثة لنرى مدى عظمتها: فقد رهنت بعض ألبستها عند يهودي لأجل أصوع من الشعير.. وفي المناقب: أنها (عليها السلام) رهنت كسوة لها عند امرأة زيد اليهودي في المدينة واستقرضت الشعير فلما دخل زيد داره قال: ما هذه الأنوار في دارنا، قالت: لكسوة فاطمة، فأسلم في الحال وأسلمت امرأته وجيرانه حتى أسلم ثمانون نفساً.(16) ومن هنا يتضح أنها كانت الزهراء روحي لها الفداء أشبة الخلق بأبيها والتي حتى ينقل عن الصحابة أنها أشبة الخلق برسول الله محمد(ص) وخصوصاً عندما خطبت تلك الخطبة الفدكية العظيمة والتي أبكت جموع المسلمين نتيجة لروعتها ودقة مفرداتها والتي سوف نمر عليها في أجزائنا القادمة أن شاء الله. ومن هنا كانت مدرسة الزهراء(ع) مدرسة جامعة لكل شروطها وأشراطها ولتمثل بالتالي السيدة فاطمة الزهراء نموذج يحتذي به لكل نساء العالم وليبين الإسلام وللأديان ألأخرى والعالم مدى قيمة المرأة لدى ديننا الحنيف ولدى الرسالة المحمدية ولتدحض كل الأقاويل والحجج التي تبين بان الدين الإسلامي دين يمتهن المرأة ويقلل من شانها ويذلّها وهذا ما يصرح الكثير من العلمانيين ويبوقون له وليلتقوا مع كل من يعادي الإسلام ودينه من أجل مسح الإسلام من الوجود وإلغاءه وهذا ما تخطط له اليهودية والكثير من المسيحيين التبشيريين. وفي جزئنا القادم سوف نستعرض لماذا هذا الكره لكل المخالفين للسيرة العطرة والعظيمة لأهل البيت وكذلك أكمل الدلالات والمؤشرات للسيدة الطاهرة المحدثة سيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء(عليها أفضل السلام والتحية)أن شاء الله إن كان لنا في العمر بقية. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المصادر: 1 ـ أبو نعيم في الحلية ١ / ٦٩. ٣١. شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٣القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي ص 68. 2 ـ صحيح البخاري - الدعوات - التكبير والتسبيح عند المنام - رقم الحديث: (5843). مستدرك الحاكم - كتاب معرفة الصحابة (ر) - ذكر مناقب فاطمة بنت رسول الله (ص) - رقم الحديث: (4724) 3 ـ تفسير العياشي 1: 171 | 41 المكتبة العلمية ـ طهران. وبحار الأنوار 43: 31 | 38. 4 ـ [آل عمران: ٣٧]. 5 ـ بحار الانوار ٤٣ / ٣١. شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٣القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي ص 26. 6 ـ بشارة المصطفى: ص137. 7 ـ فاطمة الزهراء عليها السّلام للكعبي: ج 2 ص 248. دلائل الإمامة: 140 48. والخرائج والجرائح 2: 530 | 6. وبحار الأنوار 43: 28 | 33. 8 ـ تاريخ ابن عساكر (ترجمة الإمام)1: 22 و1: 23. مسند أحمد بن حنبل 2: 262؛ والحاكم في المستدرك 3: 140؛ والطحاوي في مشكل الآثار 1: 351؛ والمتقي الهندي في كنز العمّال 15: 123، وقال أخرجه البغوي، والطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم، وابن عساكر، وابن النجار. 9 ـ كتاب المحسن لسبط. مؤلف « السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان » النقطة الخامسة في كنى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ص 65. 10 ـ الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء سلام الله عليها،ج17،ص:34 11 ـ موقع السيد حسين الصدر 12- الشهيد الثاني زين الدين العاملي، من كبار فقهاء الإمامية، وكان مجاهداً في سبيل الله حتى ضاق عنه حكام لبنان وحكام الروم، فبحثوا عنه تحت كل حجر ومدر، وأخذوه في أيام الحج، فقتلوه على ساحل البحر، ثم أهدي رأسه إلى ملك الروم وترك جسده الشريف على الأرض، وكان بتلك الأرض جمع من التركمان، فرأوا في تلك الليلة أنواراً تنـزل من السماء وتصعد، فدفنوه هناك وبنوا عليه قبه. راجع كتاب (السياسة من واقع الإسلام) لآية الله السيد صادق الشيرازي (دام ظله). 13- راجع منية المريد: ص115 14 - تفسير الإمام الحسن العسكري …: ص340 ـ 341 ح216. 15 - بحار الأنوار: ج27 ص104 ح74. 16 ـ فاطمة الزهراء عليها السلام أفضل أسوة للنساء. المؤلف آية الله العظمى الأمام السيد محمد الحسيني الشيرازي.
أقرأ ايضاً
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول