حجم النص
لا يحتاج أحدنا إلى نباهة وعبقرية ليعرف ومن الوهلة الأولى مدى ابتعاد المسلمين عن الإسلام بمسافات أصبح معها الكثيرين منهم (مسلم بس بالاسم)، وهذه الحقيقة على بساطتها، تبدوا حالة معقدة لدى الكثير من الباحثين، وتنوعت التحليلات حولها، ربما أكثر السيناريوهات المقبولة إن المسلمين اهتموا كثيراً بالبلاغة القرآنية على حساب اهتمامهم بالثورة الاجتماعية والمعرفية والثقافية التي جاء بها القرآن الكريم، والتي استطاع خلالها النبي العظيم أن يقلب واقع الأمة إلى واقع أكثر معرفة وقوة، بمعنى إن المسلمين اهتموا بالشكل أكثر من المضمون، بالوقت الذي يُعتبر الجانب البلاغي هو وسيلة لإقناع المجتمع آنذاك بأعجازية القرآن وأنه من الله، لتبدأ بعدها المرحلة الثانية وهي مرحلة بناء المجتمع أخلاقياً وثقافياً وعلمياً، وهذه هي الغاية الرئيسية لبعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
واقع لا يمكننا نكرانه، وخصوصاً عندما نرى التقدم الغربي، بالوقت الذي يعيش فيه المسلمين حالة انفصام ثقافي بين دينهم وما يدعوهم إليه من تقدم وعلم وثقافة، وبين واقعهم المرير.
بنظرة تأملية بسيطة نجد أن الكثير من الصفات الإنسانية والأخلاقية والإسلامية التي نجدها في الدول المتقدمة والتي نادى بها الإسلام قبل 1400 عام، هذه الصفات لم تأتي نتيجة العمل على تكريسها في المجتمع، ولكن جاءت نتيجة لنظم أو فكر أو عادات معينة في تلك المجتمعات.
لنأخذ مثالاً الأمانة أو نزاهة في العمل لدى الحكومات الغربية، هذه النزاهة ليست بالضرورة أنها بسبب طبيعة المسؤول ولكن لكون النظام الحكومي هناك يفرض على المسؤول أن يكون نزيهاً، فهناك إعلام حر يتابع المسؤول، ونظام قضائي يحاكم المسؤول، النظام السياسي صارم اتجاه كل ما يمس العملية أو السمعة السياسية (للحزب مثلاً).
في مجتمعاتنا ما زلنا نعتقد أن المسئول يمكن أن يكون نزيهاً من خلال النصح والإرشاد والمطالبة، متناسين بضرورة توفير الأسباب والمسببات، حتى تصبح بعدها نزاهة المسوؤل كتحصيل حاصل.
كذلك الحال عندما يتكلم أي فرد عن "الإخلاص في العمل" نجد أن مجتمعاتنا تفتقر كثيراً لهذه القيمة أو الصفة الإسلامية، ولكنها خصلة مميزة للفرد في الشعوب المتقدمة، هذه الخصلة أو الميزة ليست لكون الفرد في تلك البلاد أكثر أخلاصاً من الفرد المسلم، ولكنه مخلص بسبب المنظومة الاقتصادية، وما تضمنته من تشجيع للقطاع الخاص، وتشجيع للتنافس، والسيطرة النوعية، هذه العوامل وغيرها أفرزت في النهاية صفة (الإخلاص في العمل) لدى الفرد، بعكس مجتمعاتنا التي تفتقر إلى الأرضية المناسبة لتكريس وزرع هكذا صفات لدى الفرد.
إن واقع مجتمعاتنا يتطلب منا اليوم أن نفكر "خارج الصندوق"، ونرى العلاقات التي تحكم القيم ولا ننظر إلى القيم نفسها فقط، بل ننظر إلى مجموعة القيم ككل وكيف تترابط مع بعضها في منظومة متكاملة، أي نحتاج إلى ان ننظر إلى الصورة الكلية، وإلا فأننا سنبقى متخبطين بعيداً عن روح الإسلام العظيم ومنهجه القويم.
أقرأ ايضاً
- النخب الثقافية وسيولة المواقف من المنظومة السلطوية
- هويتي الثقافية الوطنية كعراقي - الجزء الثاني والاخير
- هويتي الثقافية الوطنية كعراقي - الجزء الاول