بقلم: هدى الحسيني
مما لاشك فيه، إن لكل مجتمع هوية ثقافية، تميزه عن غيره من المجتمعات، ويعتز بها، فيسعى جاهداً للحفاظ عليها؛ لأنها مصدر عزه، وفخره وانتماءه.
والمجتمع العراقي ينفرد بهوية ثقافية، وطنية، ودينية، تميزه عن غيره من البلدان، فالعراق بلد الانبياء والائمة، والأوصياء، وعلى ارضه قامت اولى الحضارات الانسانية، لكنه اليوم، يواجه هجمة شرسة، ومبطنة، هدفها إضاعة هويته الثقافية، والغاء انتماءه الديني والوطني، ويحصل ذلك؛ عن طريق عدة محاور، منها ماكان اعلامياً، ومنها ماكان عن طريق الدعاوي المنحرفة، ومنها ماكان صريحاً بحجة الثقافة والعولمة.
وقد تنبه لهذا الأمر، سيد النجف السيد السيستاني (دام ظله) قبل عشرين عاماً، حينما سئل؛ ماهو اكبر خطر، وتهديد لمستقبل العراق؟ فأجاب سماحته: (خطر طمس هويته الثقافية التي من اهم ركائزها هو الدين الاسلامي الحنيف).
وها نحن اليوم، نرى هدم هويته الثقافية، جارٍ على قدمٍ، وساق..
حيث انتشرت في الآونة الأخيرة، عدة ظواهر غريبة، ودخيلة على مجتمعنا تحت مسميات خادعة، وكاذبة مثل الدفاع عن قضايا المرأة، والدفاع عن حقوق المثليين وحريتهم، والتشجيع على نشر الثقافات الغربية، المتعلقة بالإباحية، وثقافة الجريمة والمخدرات، أو ماحصل من اسفاف، وتهريج في حفلات التخرج الجامعية الصاخبة، التي يقيمها الطلاب في الجامعات، والتي يتخللها أموراً بعيدةً عن ثقافةِ مجتمعنا، ومنها ارتداء الملابس الغريبة، والمثيره للسخرية، أو الرقص والغناء بطريقة هابطة، بالأضافة إلى ظهورهم بهيئاتٍ لاتليقُ بكونهم خريجين، وكوادر علمية سوف تدير مؤسسات الدولة لاحقاً، مبتعدين عن أهم المفاهيم التي يجب أن يتحلى بها الطالب الجامعي، وهي؛ ان الزي الجامعي يحمل قدسية خاصة، كقدسية البدلة العسكرية لأنها تعكس مكانته الإجتماعية، والرسالة العلمية، والهدف الذي تعب كثيراً في الوصول اليه، لذا كان من الواجب عليهم إحترام مكان الدراسة وكل مايتعلق به، والأحتفال بشكل يليق بمستواهم العلمي، والثقافي.
هذه الحفلات لاقت انتقاداً لاذعاً، ورفضا جماهيرياً، وذلك لعدة اسباب: منها ما كان دينياً؛ حيث إن هذه الأفعال بعيدة كل البعد عن تعاليم، ومفاهيم ديننا الاسلامي الحنيف، وهذا ماظهر في موقف مكتب المرجعية الدينية عند اجابته على استفتاء، من قبل مجموعة من الخريجين من كلية القانون عن جواز حضور مثل هذه الحفلات، حيث اجاب سماحته: “لا تجوز المشاركة في مثل هذه الحفلات وبقية الأماكن الخلاعية إذا استتبع حراماً، بل الأحوط وجوباً تركها حتى لو لم تستتبع حراماً، وننصح الاخوة والأخوات كافة سيما شبابنا المتعلّم بأنه ينبغي لهم ترك مثل هذه المجالس والانصراف إلى ما يعود عليهم بالنفع في دنياهم وأخراهم، فقد ورد في الحديث ما معناه ان أول ما يُسئل عنه بعد موته عن عمره فيما قضاه وانه يكون اشد حسرة وندامة على ساعات عمره التي قضاها باللهو والباطل، وفّق الله الجميع لما يحب ويرضاه”.
أو ما كان لأسباب إخلاقية حيث إن هذه التصرفات مرفوضة من قبل مجتمعنا الذي عرف بتمسكه بعاداته وتقاليده وأن مثل هذه الحفلات ومايحصل فيها تنافي الذوق العام للمجتمع.
ربما يقول البعض إن من حق الطلبة التعبير عن فرحهم، والاحتفال بتخرجهم لكن المشكلة ليست بالأحتفال، وانما بطريقة الإحتفال المبتذلة، ولو عدنا قليلاً في السنين الماضية، واستذكرنا حفلات التخرج لشاهدنا انها كانت تمتاز بالأحترام، والحفاظ على هيبة العلم، ومكانة الخريجين في المجتمع، لكن شتان بين الامس واليوم.
هذا كله ماكان ليحدث؛ لولا الهجمة الناعمة التي تعرضت لها الهوية الوطنية، والدينية للمجتمع.
لكن كان هناك في الجانب الآخر، وسط كل هذا الضجيج، والصخب خريجون وثقوا نجاحاتهم، وتميزهم وابداعهم، تحت قبة سيد الشهداء وأخيه العباس (عليهما السلام) ؛ ليستلهموا من مدرسة أهل البيت أعظم القيم والمباديء و يبعثون رسالة مفادها انهم حملة شهادة راقية ويعكسون بتلك التصرفات الجميلة والوقفة المتميزة صورة رائعة، ويثبتون بترديد قسم التخرج في حضرة سيد الشهداء انهم حملة رسالة علمية وإنسانية وانهم سيقودون البلد نحو مستقبل إفضل.
لذا من الواجب على المجتمع تشجيع كل ما من شأنه ان يساعد في الاحتفاظ بالهوية الثقافية الحقيقية للمجتمع العراقي ورفض كل الأمور الهجينة والغريبة عنه، وإن يتكاتف الجميع بالتصدي للهجمات الشرسة التي يتعرض لها من قبل بعض الجهات التي تخطط لتدميره، وخرابه، والحفاظ على آخر لبنة من البناء المجتمعي، وهي التربية والتعليم؛ لإنها إن ذهبت فلا بناء بعدها، وعندها سيتحكم بنا الجهل والجاهلون ولن تقوم لنا قائمة أبداً.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً