الأربعاء الدامي (19 آب الماضي) وقبله المئات من الاربعاءات الداميات ، لم يكن الحلقة الأخيرة في مسلسل الهولوكوست التي صيرت الشعب العراقي بأكمله تحت طائلة مذبحة شبه يومية في مشهد مأساوي لم يشهد العالم له أي مثيل وان ما يتعرض له العراقيون هو اقرب إلى الإبادة الجماعية المنظمة (دمار شامل) كما إن مسلسل الإرهاب الذي مازال مستمرا منذ ست عجاف سبقتها عقود مأزومة من الديكتاتوريات التي وضعت العراق خارج منطق التاريخ ومفهوم الدولة وسياق الحكومات ، هو الأقرب الى جعل العراق أرضا محروقة بالتوافق بين أجندات إقليمية ومحلية لها هدف استراتيجي بارز وهو إرجاع العراق الى المربع الأول، مربع اللادولة وديكتاتورية الحزب الواحد والقائد الضرورة ومؤسسات القمع البوليسية والحروب العبثية والمقابر الجماعية وهو ذات المربع الذي اكتوى بنار طغيانه وظلمه وعنترياته الفارغة وسياساته الرعناء البعض من يحاولون الآن جاهدين كي يرجع مرة اخرى كابوسا وطنيا وبعبعا إقليميا وهذه احدى مفارقات وعجائب البراغماتية التي يتصف بها بعض الساسة العرب !!
الشيء الذي اختلف في الأربعاء الدامي الأخير عن غيره من اربعاءات الإرهاب الأسود ، تلك \"الإشارة\" الصريحة الواضحة والواثقة نحو الجناة كأنها الحلقة المفقودة مابين طابع المجاملة التي انتهجتها الحكومة العراقية لحد هذا الأربعاء ومابين الدوغمائية المفرطة في عدم وضوح الإشارات الموجهة نحو دول الجوار الإقليمية الست التي تحيط بالإطار الجيوسياسي للعراق ومن جهاته الأربع التي استحالت الى جهات ضغط استراتيجي وتكتيكي ولوجستي باتجاه العمق العراقي سلبا وليس إيجابا وعلى كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية والإعلامية وحتى الفقهية والفتوائية ولأسباب وبحجج متنوعة منها \"مناوشة\" الولايات المتحدة بحكم تواجدها على الأراضي العرقية كقوات محتلة لتصفية حسابات قديمة بين هذا الطرف او ذاك وايضا لاحتواء التجربة الديموقراطية العراقية الوليدة بغية عدم \"تصديرها\" الى متون تلك الدول فضلا عن الأسباب الطائفية والقومية والمذهبية تمثل بمجموعها اتجاها اقليميا ضاغطا لجعل العراق الرجل المريض على غرار إمبراطورية آل عثمان في اواخر عهدها ليسهل ابتلاعه او قضمه أو تحجيمه او جعله متقهقرا وراء دول تعكزت على مزايا العراق الجيوبوليتيكية وقفزت في غفلة من الزمن على أكتاف التمحور العراقي وإستراتيجيته فائقة الحيوية من خلال نهش خاصرته وتحطيم مكتسباته وبناه التحتية ونشر الدمار الشامل فوق ترابه.
إن لغة المجاملة والمنطق الشبحي والسفسطة العقيمة التي كانت (ولحد الآن) ينتهجها بعض المسؤولين والسياسيين العراقيين تجاه دول الجوار على حساب الدم العراقي، يضاف إليه عدم تحديد بصريح العبارة ماهية تلك الدول التي يشك بضلوعها في العمليات الإرهابية او تحديد مسؤوليتها القانونية والأخلاقية تجاه ذلك مع العلم إن الحكومة العراقية قد كشفت مؤخرا عن امتلاكها أدلة تشير الى إن أكثر من تسعين بالمائة من الإرهابيين يأتون عن طريق سوريا ومنذ عام 2004 كدليل على تورطها \"المزمن\" في مسلسل الخراب العراقي وبالتأكيد هناك أدلة ووثائق أخرى تدين بقية الأطراف الإقليمية والمجاورة للعراق لا تقل خطورة عن المعلن منها بخصوص سوريا ربما تكون اخطر منها بحكم الإمكانات الهائلة المتوفرة لدى بعض تلك الأطراف.
إن المستوى التنظيمي والتكتيك النوعي والصدمة المروعة التي أحدثتها تفجيرات الأربعاء الدامي أوجدت قناعة عامة بان منجزات النجاح الأمني ربما قد بدأت تتلاشى وتتبخر وتنهار معها الجهود الأمنية الجبارة المبذولة خاصة نجاحات عملية فرض القانون بل الأخطر من ذلك كله وفي ظل الانهيار الأمني المفاجئ أصبح المربع الأول قاب قوسين أو أدنى إذا ما تحول الملف الأمني الى مجموعة لا متناهية من الألغاز والأحاجي والفرضيات والتصريحات العشوائية أو المتناقضة من قبل بعض المسؤولين الأمنيين مثل معمعة التصريحات التي أطلقت حول عائدية الجهة المسؤولة عن تلك التفجيرات بل ان بعض السياسيين مازال يلقي بالكرة في ملعب الحكومة العراقية ويعتبر مطالبتها بتسليم المطلوبين الى العدالة العراقية بالتخرصات والاتهامات المفبركة والبعض الآخر يطالب الحكومة العراقية بفتح ملفات مشابهة مع دول أخرى لها \"باع\" طويل في التدخل السلبي في الشأن العراقي محاولة منهم لتمييع القضية الرئيسية (سوريا) والالتفات حولها في بادرة هي غريبة من نوعها كونها لا تدل فقط على انقسام آراء النخب السياسية حول قضية وطنية كان من المفروض ان يتوحد حولها السياسيون شكليا كحد أدنى ،وإنما تدل على أيضا على وجود اصطفافات لا تعبأ بحرمة الدم العراقي بقدر اهتمامها بأجندتها الخاصة وغير البعيدة عن امتداداتها الإقليمية المشبوهة .
من الأسباب التي دعت بعض دول الجوار والإقليمية الأخرى الى التدخل في الشأن العراقي وبهذا الشكل عدم تحمل الجانب الأمريكي مسؤولياته المترتبة على احتلاله للعراق وكونه مسؤولا عن الأمن فيه بموجب قرارات الأمم المتحدة فضلا عن تجريد العراق من جميع مؤسساته الأمنية ما ولد فراغا امنيا هائلا غير مسبوق داخليا (الفوضى الخلاقة) وخارجيا مسلسل التدخلات السلبية التي يبدو أنها لا نهاية منطقية لها سوى اللجوء الى التدويل وإدراج القضية العراقية في أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن بتفعيل إجراءات قانونية ملزمة للدول صاحبة الشأن ولتأخذ هذه القضية بعدها الاممي والإنساني وصداها الدولي ليطلع الرأي العام العالمي على طبيعة المجازر التي تعرض لها الشعب العراقي طيلة السنين الست الماضية والأسباب الموضوعية والذاتية التي تسببت في كل ذلك.
ان الجامعة العربية وعلى لسان \"أمينها\" العام دعت الى فتح صفحة للحوار بين العراق وسوريا و\"احتواء\" تداعيات الأزمة بين الأشقاء دبلوماسيا وعدم تدويل القضية باعتبارها شأنا ثنائيا يخص العلاقات المشتركة ولم يكن دور هذه الجامعة نابعا من حرصها الحقيقي على سلامة وامن دولة مؤسسة فيها ودولة محورية فاعلة مثل العراق بقدر ما كانت فعالياتها في الملف العراقي هامشية وغير ذات جدوى وكان يفترض بها أن تلتقط جميع الإشارات العراقية بخصوص انتهاكات دور الجور لاحتواء تداعياتها قبل ان يطفح كيل العراقيين وينفد صبرهم ويتجهوا إلى التدويل في وقت إن دولا كثيرة اتجهت الى تدويل قضاياها ولم تصل تلك القضايا الى الخط الأحمر العراقي أو خطورة قضاياه المعقدة .
كان من المفروض على حكومتنا أن تنأى عن لغة المجاملة وسياسة المحاباة وجدل الخطابات الإعلامية المتبادلة التي لا طائل من ورائها وتفعـِّل جميع الإجراءات التي تفضح جميع المتورطين في جميع دور الجوار والإقليمية وبالأدلة الدامغة وليس في سوريا فقط وانما في بقية الدول التي تحول بعضها الى \"معامل\" وساحات لتفريخ الارهاب وتصديره الى الساحة العراقية وقتل الأبرياء .. ان تدويل القضية العراقية محاولة جادة لتأسيس خارطة طريق لوضع النقاط على الحروف والضغط على دول الجوار كي تقرأ هذه المرة الملف العراقي بشكل جيد .
اعلامي وكاتب [email protected]
أقرأ ايضاً
- التعدد السكاني أزمة السياسة العراقية القادمة
- اهمية ربط خطوط سكك الحديد العراقية مع دول المنطقة
- حماية الاموال العراقية قبل الانهيار