- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مافازت العروبة ولم تربح كربلاء
مازال \"البعض\" وهم كثيرون يلوك ويجتر المفاهيم القومجية العروبية ذاتها التي ترسبت في الدرك الاسفل من ضحالة الادبيات البعثية العفلقية المقززة والمتهرئة والذاهبة غير مأسوف عليها الى مزابل الفكر الشوفيني العصبوي المتهالك وبعض هؤلاء من ايتام البعث واولاده غير الشرعيين مازال ينظر الى بعض الحقائق بعين عوراء من زاويته البعثية تلك.. والمقرح للقلب ان الكثير من البسطاء والسذج وممن ينعقون مع كل ناعق وان كان الناعق ميشيل عفلق بلحمه ودمه او كان صدام حسين والكثير من انصاف المتعلمين واصحاب شهادات سوق مريدي وبذات النهج القطيعي يلوكون عن قصد او دونه تلكم المفاهيم ويعدونها وحيا منزلا من سماء الفهم والادراك التي لا يرقى اليها الشك ومنها تلك \"الحقائق\" التي زرعتها الايديولوجيات العروبية والقومية والبعثية والتي صنفت مدينة كربلاء العربية مدينة \"فارسية\" وعدت اهلها من العجم \"الموالي\" كمغالطات متوهمة وقسرية وشوفينية وكيدية تافهة من خلال احتساب تابعية كربلاء عاصمة التشيع العربي والفكر القومي والوطني الصحيح (بدليل ثورة العشرين الخالدة والانتفاضة الشعبانية) الى بلاد فارس وارتجاع اهلها العرب الوطنيين الاصلاء الاقحاح الى القومية الفارسية وبهذا الاكتساب فان كربلاء قد لبست ـ او البست ـ ثوبا لا يليق بها وليس على مقاسها وقد افردت عن اخواتها من المدن العراقية لعزلها عن دورها المحوري في جغرافيا اولويات الاهمية العراقية من خلال تسقيط هويتها العربية عنها وهي مدينة سبط النبي العربي الهاشمي القرشي ..وربطوها ربطا ميكانيكيا مباشرا مع الهوية الفارسية بحجة وجود مشتركات مذهبية بين الطرفين في حين ان الكثير من المشتركات (مذهبية او طائفية او قومية وغيرها ) توجد بين الكثير من المدن لم تعمل على الحاق احدها باخرى ولم تتقمص احداها قميص الاخر ..لماذا كربلاء وحدها جاز لها مالم يجز لغيرها وبنفس الاسباب ؟.
من هنا استثمر البعض الذي مازالت في قلبه العلة البعثية ذاتها والهوى العفلقي القديم فوز قائمة السيد يوسف الحبوبي \"العروبية\" العلمانية والتي كان صاحبها منضويا تحت حزب البعث المنحل وكان فوزه بمثابة الزلزال الذي ايقظ هؤلاء المتشدقين بالمفاهيم العروبية و\"الخائفين\" على عروبة كربلاء وبعض هؤلاء لا يعرف شيئا من واقع كربلاء سوى ان يجتر ثرثرة غيره ويعيد انتاج تفاهات الاخرين بحجة حرصه على كربلاء وهو لايمتلك جذرا واضحا في تاريخ المدينة العريقة وليس له باع بين عوائلها وعشائرها ...فيما هلل المتشدقون بالعروبة والمتمسكون باذيال علمانية باهتة لايعرفون معناها ومدلولاتها وآليات تطبيقها ما جعلهم يعلنون ان التيار \"العروبي\" قد انتصر في كربلاء فيما خسر التيار \"الديني\" او الاصولي عاكسين فوبيا متجذرة من اية ايديولوجية مناقضة لاطروحاتهم وان كانت ذات برامج وطنية واضحة المعالم ..ومطالبين من خلال \"فرحتهم\" هذه بعودة الاصولية القومجية الى سابق عهدها الغابر تلك التي حكمت العراق منذ تسلط الحكم العارفي المقيت الذي اطاح بالزعيم الخالد الشهيد عبد الكريم قاسم ولحين انهيار حكومة البعث التوليتارية المتداعية الفاسدة في ربيع 2003 وقد شهد العراق(بكل الوانه من الشيعة والسنة والاكراد) في هذه الحقبة (العروبية والقومية) الكثير من المآسي والكوارث على يد القومجيين العروبيين وحثالاتهم من المحيط الى الخليج ..
ومع احترامنا وتهانينا للسيد الحبوبي الفائز الاول في سباق الانتخابات وهو من الذين خدموا المدينة باخلاص وتفان ونزاهة بعيدا التوجهات السياسية الضيقة وله سجل مشرف اهله لنيل ثقة المواطن الكربلائي المحبط من اداء المجلس القديم القائم اساسا على اصطفافات حزبية غير سليمة اتت بعناصر غير كفوءة ..ولكن هل يعد فوز موظف كان محسوبا على حزب البعث المنحل واحد الموظفين المشتغلين في مفاصل الدولة العراقية (دولة وليس نظاما ) ايام حكومة صدام حسين هل يعد هذا نصرا للتيار العروبي في كربلاء حيث ان العروبة مفقودة في كربلاء كما يدعون وان هذا \" التيار\" وجه \"صفعة\" تاريخية للتيار الديني الذي لم ينحسر كثيرا من الناحية الفعلية..والنتائج المعلنة في كربلاء لاتختلف كثيرا عن اخواتها العراقيات ولم تخل قوائم كربلاء في الوقت نفسه من برامج شبيهة الطرح كقائمة السيد الحبوبي والمسألة تكمن في قناعة الشارع الكربلائي بمن هو اجدر على تمثيله والحبوبي كما يدعي بنفسه انه لم يكن ذا هوى بعثي بل هو مجرد موظف وخادم لمدينة الحسين ..فكيف صار فوز قائمة بعينها نصرا عروبيا \"مؤزرا\" وخسارة الاخرين انتكاسة مدوية كما توهم البعض من الشامتين باهالي كربلاء الاصلاء وعده نصرا للعرب وللعروبة ومع الشامتين الكثير ممن ساهمت السياسات العنصرية الشوفينية الصدامية ومن خلالهم في تغيير الواقع الديمغرافي لمدينة كربلاء وكانوا اداة تنفيذية لتلك السياسات ..فتم تغيير الواقع الديمغرافي للمدينة كليا وتبديل خارطتها الانثروبولوجية ومسخ هويتها الطوبوغرافية (اكثر من مرة ) وطمس معالم ثقافتها ووجهها الحضاري والادبي والمعرفي ومسح بصمات شواخصها العربية الاصيلة..باستقدام ـ اولا ـ \"الاشقاء\" المصريين ومعهم تم استيراد ثقافاتهم الغريبة عن البنية التحتية الاخلاقية والبنية السوسيولوجية المتناسقة والمتعايشة للمجتمع العراقي ككل ومن ثم المجتمع الكربلائي المحافظ بشكل خاص ..وثانيا وبحجة \"تعريب\" كربلاء واعطائها صفتها العروبية وبحجة ان العراق هو حق لجميع العراقيين قد تم استقدام الجماعات والكتل والعشائر (بعد تفريغ كربلاء) من الوسط والجنوب ومن الاهوار كذلك وفرض ثقافاتهم المتريفة على واقع كربلاء الحضاري المتحضر والمتمدن ومايفتأ الكثير من هؤلاء القادمين يعيرون اهالي كربلاء الاصلاء بعنصريتهم متهمين اياهم بانهم \"عجم\" حتى وان كانوا من نسل النبي العربي (ص) ويقولون لهم انتم تسمون الوافد اليكم غريبا حتى الحسين (ع) (غريب كربلاء) مع العلم ان اغلب اهل البيت (ع) ماتوا وقضوا غرباء عن اوطانهم فكيف صار الحسين من دون اهله غريبا وفي كربلاء بالذات ؟؟
واذا عملنا اية دراسة للواقع الديمغرافي في عموم الساحة الانثروبولوجية العراقية لن نجد اي تجمع او تكتل \"كربلائي\" حتى على مستوى الافراد في اية محافظة او مدينة عراقية الا في المنافي خارج الوطن فقط، بينما ان الجنوب وبعض الوسط ومن منتصف سبعينيات القرن المنصرم نجده كله متواجدا في كربلاء ومستوطنا بكل عشائره ومناطقه واهواره وثقافاته بكثافة لاتوحي الى كربلاء سوى بالاسم اما المضمون فهو ليس كذلك الى درجة ان الباحث عن ابن كربلاء الاصيل لن يجد له اثرا الا بشق الانفس ..من أين ياترى تاتي فارسية كربلاء اذا كانت شبه مفرغة من اهاليها \"العجم\" كما يدعون؟ ولماذا هذا الخوف على عروبتها اذا كان اكثر من ثلاثة ارباع \"ساكنيها\" من النازحين من عشائر الجنوب العربية ومن القاطنين على خراب بيوت اهلها وماذا بقي منها كي يخاف على عروبتها بعدما استباحها صدام \" العروبي\" و\"القومجي\" اكثر من مرة وقام بـ\"انفلة\" اهلها العرب الاقحاح الشرفاء لمرات ومرات وطردهم من بيوتهم وصادر املاكهم وطمر شبابهم في السجون؟ ..ولماذ هذا الخوف على هوية كربلاء وقد \"تعربت\" وبنجاح ساحق منذ ان سكنها المتريفون من العشائر العربية بفضل سياسة (القائد الضرورة) ولم يبق من هويتها \"الفارسية\" سوى شبح من ماض آفل ..ومازال الكثير من هؤلاء يعيشون عقدة النقص من الفارق الكبير بين المستويين الكربلائي (ماتبقى منه) والمتريف \"العربي\" المتسيد..
لم تفز العروبة في كربلاء او تيارها ولم تفز كربلاء كما فازت بقية المدن العراقية باعتبارها شبه مفرغة من كربلائيتها الاصيلة وانما فاز المتريفون الآتون من تخوم الوطن في حين صار الكربلائي في مدينته غريب الوجه واليد واللسان والهوية والنفوذ ومازال البعض يكيل لكربلاء واهلها تهمة الفارسية واتحداه انه يستطيع ان يفعلها في مدينة اخرى ..
عباس عبد الرزاق الصباغ