انطلقت المسيرات الراجلة لأداء زيارة الأربعين لاستشهاد الإمام الحسين (ع ) وقد امتدت الحشود البشرية على مدى البصر في الطريق الواصل بين الجنوب ومدينة كربلاء مما حدا بالأهالي في تلك المناطق من إقامة محطات الاستراحة الخاصة لتوفير أماكن الراحة للزوار بعد مسيرات طويلة قد تستغرق عدة أيام غير مبالين بالبرد والتعب وإنما استجابة لنداء داخلي وعفوي يتردد خلال هذه المئات من السنين ليدفع هذه الحشود المليونية بأداء شعائرها الخاصة والتي أرادت ان تثبت للآخرين بان هذه المناسبة لا تنتهي مهما امتدت السنين لأنها نابعة من تصميم عميق وإرادة قوية استلهمها المواطنين من إيمانهم العميق بهذه المناسبة والقدسية الخاصة التي يملكها صاحب المناسبة لديهم .بعد أن احتشدت بهذه المسيرات أشخاص من كل الأعمار ليتوحد الكل في هذا الكرنفال الملائكي الذي يثير الدهشة والإعجاب لكل من يشاهده مما يولد لديه الانطباع بان هذه الحشود لا يمكن أن تهزم وباستطاعتها أن تعيد الموازنة من جديد وتحقق ما تريد وان تصنع تاريخها بيدها بعد ان تعرضت للماسي والتنكيل لكنها استطاعت أن تستفيق وترسم دربها وتحدد رؤاها وفق ما يفرضه الحق والمنطق بعد أن عجزت القوى التي أرادت أن تلوي ذراعها لكنها تمكنت من إعادة الحياة ورسم الصورة التي تليق بها .
إن طريق كربلاء الذي عبدته الأقدام وسارت علية قافلة الحسين يدفعها الفداء والثورة للانقضاض على الطاغوت والظلم لا تأخذه بالحق لومه لائم وإنما أرادت أن تنشر العدل ليعود ثانية تتلألىء به النجوم وتحث السير على جوانبه الأقدام السائرة والمتحدية الإرهاب والذين أرادوا أن يوقفوا هذا الزحف لكن المسيرة متواصلة وبقت تزداد بعناد ابدي ليلتحق فيها كل عام تكتل بشري هائل يجمع بين أطرافه الأطفال والشباب والشيوخ والنساء من مختلف المستويات ليثبتوا بان النسيج العراقي واحد لا يمكن تمزيقه وغير ممكن زرع الفرقة بينه لان هذا الشعب المسالم الطيب الذي يفتح ذراعيه للحب لكنه صلب لا يمكن كسره سوف يستمر بمسيرته لا يمكن لأي حاقد أن يزرع الفرقة بينه وبالتالي فان ما يقوموا به لا يمكن للسنين أن تدثره أو تمحيه طالما هو صادر من قناعات معينة وإيمان مطلق بان ثورة الحسين درس امتد على مدى التاريخ وصدى بقى يتردد في الأعالي واخذ صوته ينتشر في كافة الأصقاع ليحدث دويا قويا يسير على هداه كل الناس .بعد ان أيقنوا بالأهداف السامية لهذه الثورة ومدى الاستجابة لطموحاتها وتصوراتها .
ان هذا الطريق ومهما اشتدت به المصاعب فانه سيكون طريق سالك ومن السهولة الوصول من خلاله الى الهدف المبتغى طالما كان هذا الهدف ساميا ومبني على أساس متين من المودة والمحبة لان هذه المجاميع الزاحفة نحو ضريح إمامها فإنها تريد ان تتقرب الى ثائر بطل نذر نفسه للدفاع عن مصالح البسطاء والمستضعفين والذين أحس بأنهم بحاجة الى الوقوف الى جانبهم لأنة ليس بحاجة إلى مال أو جاه وسلطة وهو المولود في أقدس بقعة وتربى في بيت النبوة والرسالة لكن إحساسه بالضيم والاضطهاد وان هناك فئة باغية قد استبدت بالحكم وأخذت تتحكم بمصائر المؤمنين وتسير الأمور على هواها قد دفعه للقيام بثورته العملاقة التي بقت خالدة لا يمكن أن تمحى على مدى التاريخ لذا فان الطريق الممتد إلى كربلاء والمزدحم بهذه الوجوه التي علتها غبرة والزمن وكدح السنين فإنها ستتنفس عبيرا طيبا وهي تواجه الريح القادمة من الضريح الشريف بعد أن تتوسد أحلامها وتعود محملة بالذكرى والحنين وقد أفرغت همومها وصبرها في حضرة شريفة تحل فيها المشاكل وتخف المعضلات ليكون فاتحة خير للناس عسى أن يفرج عنها الكرب الذي يحيط بها ويحول أمانيها التي أرادت تحقيقها إلى مشاريع صادقة تعود عليها بالخير لتعوض تعبها ومعاناتها التي عانتها وهي تتصدى للحكم الدكتاتوري وتتحدى الإرهاب لتنتخب حكومة جديدة تريد منها تحقيق ما افتقدته بالماضي
أقرأ ايضاً
- كربلاء دولة الإنسانية والحسين عاصمتها
- كربلاء وغزه ومآسي هذه الامه
- الدعوة إلى تجديد الخطاب في المنبر الحسيني.. بين المصداقية ومحاولة تفريغ المحتوى