- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
جرائم قتل النساء بدعوى "الشرف"
بقلم:د.حنا عيسى - أستاذ القانون الدولي
يعتبر قتل النساء على خلفيه الشرف من أبشع أنواع العنف الممارس بحق المرأة، وهذا العنف ناجم عن خلل في مراكز القوى المجتمعية وثقافة التمييز القائمة على النوع الاجتماعي والتي تسود بشكل واضح في المجتمعات التقليدية والريفية، وينظر إلى المرأة على أنها تقع في مرتبة أدنى من الرجل وهذا يستند إلى الثقافة المشوهة والتقاليد والأعراف البالية التي تعزز من هذه النظرة. ورغم أن المرأة العربية والفلسطينية استطاعت الحصول على بعض الحقوق بعد عملية نضالية طويلة خلال النصف الثاني من القرن الماضي إلا أن هناك ما زال عنفاً وتمييزاً يمارس بحقها وأبرزه هو قتل النساء على خلفيات اجتماعية، فالقتل على هذه الخلفية يعد جريمة ليست مرتبكة بحق أفراد بل بحق أجيال قادمة لما لها من تبعات نفسية واجتماعية على الأسرة والمجتمع وتقف عائقاً أمام تقدم وتطور المجتمع.
ويعتبر قتل النساء على خلفيات اجتماعية أحد أبرز أشكال التمييز وانتهاك حقوق الإنسان ضد المرأة بشكل خاص، فهي مشكلة اجتماعية موجودة في معظم المجتمعات منها المجتمع العربي. وهي لا تعدو كونها ردة فعل لعدة عوامل اجتماعية ونفسية وبيئية وتربوية واقتصادية وثقافية وغيرها. وقتل النساء على هذه الخلفية هو جريمة يرتكبها رجل بحق امرأة تربطه بها صلة قرابة من الدرجة الأولى، ويكون الدافع للجريمة كما تعرفه المفاهيم الاجتماعية سواء كانت قتلاً أو إيذاء الدفاع عن الشرف. والمجتمع الفلسطيني كجزء من المجتمع العربي، لا يختلف وضع المرأة الفلسطينية فيه عن وضع المرأة العربية عامة. فالمجتمع الفلسطيني كغيره من المجتمعات الأبوية التقليدية يعتمد بشكل كبير على عادات وتقاليد وأعراف لحفظ كيانه وشرعيته، مستعملاً بذلك شتى أساليب القمع والإرهاب الاجتماعي لتكريس دونية المرأة، فضلاً عن الظروف التي تعرض لها المجتمع الفلسطيني من احتلال وتهجير وفلتان وانقسام وفقدان الأرض أدى إلى تشبثه بالعادات والتقاليد المجتمعية.
*الأسباب وراء انتشار ما يسمى بـ"جرائم اشرف" هي:
- غياب القوانين والتشريعات الرادعة بحق كل من تسول له نفسه بارتكاب مثل هذه الجرائم.
- عدم توفر الجرأة لدى النساء للاعتراض؛ بحكم الانصياع للعادات والتقاليد الشعبية.
- عدم توفر الوعي الديني السليم في المجتمع؛ فإن الدين الإسلامي يشدد على ضرورة وجود أربعة شهود ذوي عدل يرون الواقعة بأم أعينهم، رؤية لا يشوبها الشك؛ وإلا اعتبر مجرد الحديث بالأمر قذف للمحصنات يستوجب العقوبة.
- وعدم توفر الوعي الكافي في المجتمع؛ ما يجعل النساء يصمتن مستسلمات؛ بل ومؤيدات لهذه الجرائم التي ترتكب بحقهن؛ فالموروث الشعبي الثقافي الفلسطيني يضع المرأة في موقع الضحية التي يجب أن تكون كبش الفداء الذي يفدي الأطفال والعائلة.
مصطلحات مغلوطة:
استخدام مصطلح القتل بدافع الشرف في حد ذاته يعطي مبرراً للجاني ويشكل في ذات الوقت إدانة للمجني عليها دون إعطائها الفرصة للدفاع عن ذاتها. لذا فالمصطلح بحاجة إلى إعادة النظر في تركيبته حتى لا يشكل إدانة للمجني عليها "المرأة". اضافة الى ان التعريف الاجتماعي المتعارف لمفهوم القتل على خلفية الشرف يتعلق فقط بالمرأة، وكأن العلاقة التي تقيمها مع الرجل هى علاقة من طرف واحد وهذا شئ يجانب الحقيقة فهناك علاقة ثنائية مع رجل خارج مؤسسة الزواج يبرر قتلها حفاظا على شرف العائلة. فالشرف هو أحد القيم الاجتماعية المحورية التي تؤكد أبوية المجتمع العربي ودونية المرأة فيه، وهو كجميع القيم الاجتماعية يحدد كل مجتمع معناه بما يتفق مع مصلحته التي تتغير بتغير موازين القوى فيه.
قانون 1960م:
السلطة الفلسطينية تطبق حتى الآن قانون العقوبات الأردني الذي تم وضعه عام 1960 في الضفة الغربية والقانون المصري في قطاع غزة، إذ لم تتمكن من إنجاز وإقرار قانون العقوبات الفلسطيني الذي تم العمل عليه مع مختلف المؤسسات الحقوقية الرسمية والخاصة منذ سنوات، نتيجة للشلل الذي يصيب المجلس التشريعي الفلسطيني، على رغم مرور ما يقرب من 21 سنة على تأسيسه، بسبب الانقسام الذي حدث في غزة، فالمجلس التشريعي هو الجهة المخولة إقرار التشريعات وتعديلها.
لكن قصة مقتل احدى الفتيات بمحافظة الخليل جنوب الضفة الغربية كانت الدافع الأكبر للرئيس الفلسطيني محمود عباس لتعديل فقرتين من قانون العقوبات المعمول به في الأراضي الفلسطينية حيث أصدر مرسوماً بتعديل نص المادة 240 بفقرتيها من قانون العقوبات الرقم 16 والمعمول به في المحافظات الشمالية. وكذلك عدل القرار نص المادة 18 من القانون الرقم 74، وذلك من خلال إضافة عبارة يستثنى من ذلك قتل النساء على خلفية ما يعرف بشرف العائلة، وذلك من أجل أن لا يترك المجال للاجتهاد الخاطئ، وبالتالي يفلت الجاني من العقاب.
ووفقاً للقانون الأردني المذكور فإن عقوبة القاتل على هذه الخلفية وهي «جرائم الشرف» هي السجن من ثلاثة أشهر وحتى ثلاثين شهراً فقط.
*القوانين والمراسيم والاتفاقيات حول قتل النساء:
1- اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" التي تم تبنيها في العام 2009.
2- مبادئ ومضامين الإعلان العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة.
3- مرسوم رئاسي.
*الحلول للقضاء على هذه الظاهرة:
1- استنكار عمليات العنف والقتل ضد النساء.
2- أخذ الموضوع على محمل الجد من قبل المجتمع والمؤسسات السيادية والمدنية؛ حتى لا يتفاقم الأمر وينهار النسيج الاجتماعي الفلسطيني.
3- التحرك الحقيقي الفاعل لوضع حد لهذه الظاهرة وعدم الاكتفاء بتسجيل المواقف وترديد الكلمات المؤيدة لحقوق المرأة دون تحويلها إلى قرارات.
4- مطالبة المؤسسات الرسمية والأهلية بالتوجه إلى الأسر الفلسطينية ورفع وعيها حول خطورة هذه الظاهرة وانعكاساتها السلبية على التماسك والبناء الاجتماعي برمته.
5- إعادة النظر في التشريعات والقوانين ذات الصلة، والكفيلة بترسيخ قواعد المساواة الكاملة في الحقوق بين المرأة والرجل، وتوفير الحماية الاجتماعية والاقتصادية للمرأة، وتشريع الأنظمة والقوانين التي من شأنها إنهاء هذه الظاهرة من خلال فرض العقوبة المناسبة لعمليات قتل النساء.
6- أهمية المضي قدمًا بالإنفاذ الفوري للتعديل القانوني القاضي بإلغاء الأسباب المخففة لجرائم قتل النساء على خلفية ما يسمى بجرائم الشرف أو أية أعذار أخرى، بالإضافة إلى ضرورة الإسراع في إنجاز قانون العقوبات، لما يوفره هذا القانون الجديد من حقوق متساوية للمرأة، ويستبعد كل الأعذار المخففة لجرائم القتل ضد النساء.
7- ضرورة توجه الإعلاميين والأكاديميين وكل ذوي الاختصاص لعمل حملة مجتمعية ضد هذه الظاهرة بهدف القضاء عليها، واستئصال جذورها الكامنة في ثقافة الإقصاء وثقافة الاستخفاف بحياة النساء.
8- يجب دراسة موضوع قتل النساء دراسة معمقة من جميع الجوانب ومناقشتها من حيث القوانين ورأي الشرع والدين، والإسراع فورًا في تعديل القانون.
*مبادئ لابد من الاتفاق عليها وهي:
• جميع الناس يولدون أحرارا ومتساوين في الحقوق والقيمة.
• لكل إنسان حق ممارسة حريته، دون أي تمييز على أساس الجنس.
• مساواة المرء والمرأة بجميع الحقوق السياسية والمدنية لاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
• التمييز ضد المرأة يشكل انتهاكا لمبادئ وشرعة حقوق الإنسان.
• التمييز ضد المرأة يعيق تقدم المجتمع وتحقيق أهداف برامج التنمية نظرا لتغييب قدرات المرأة في المجتمع.
• العدل والمساواة بين المرء والمرأة لن يكون صحيحا وكاملا إلا بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والاحتلال ونشر ثقافة السلام.
• مشاركة المرأة مع المرء في جميع الميادين.
• تقاسم مسؤولية الأسرة بين الوالدين مع تأكيد مسؤولية المجتمع في تنشئة الجيل.
• تحديث معنى دور كل من المرء المرأة في المجتمع والأسرة. والانتصار على المعاني التقليدية السائدة لدور كل منهما عبر رفضها وتأسيس مناهج تربوية وسلوكية وأخلاقية تجعل من الأدوار التقليدية خلف قاطرة المجتمع المتقدمة دائما.
السلطات الثلاث: التشريعية، التنفيذية والقضائية مطالبة بـ:
1- النضال من أجل إلغاء الساري من القوانين والأحكام التي تنص في مضامينها أو تشير أو تحتوي تفسيرا يشكل تمييزاً ضد المرأة، سواء التي أقرتها السلطة التشريعية أو تلك التي مازالت السلطة القضائية تعتمدها كإرث من من جملة القوانين التي كان معمولا بها ما قبل قيام النظام السياسي الفلسطيني.
2- رفض التعامل مع أي شخص أو منظمة أو مؤسسة ما لم تتخذ الإجراءات الفورية لإلغاء كل ما يمكن أن يكون تمييزاً ضد المرأة في أفكارها، أو أدبياتها أو أنظمتها ولوائحها، أو برامجها وخططها، إلا إذا كان هذا التعامل في إطار التشاور والحوار والبحث في السبل والمنهجية الكفيلة بالقضاء على التمييز.
3- النضال من أجل سن القوانين في إطار السلطة التشريعية وإقرارها بنصوص صريحة وبالتفصيل تجرم الأعمال والأفعال التمييزية ضد المرأة من أي جهة كانت في البلاد، وإلغاء حصانة أيا كان إذا بشر لهذا التمييز أو دعا له أو برره أو مارسه قولا أو فعلا.
4- النضال من اجل توضيح النصوص المؤكدة على مبدأ المساواة بين المرء والمرأة في مواد القانون الفلسطيني (الدستور) السلبي، والكيفي، وتخليصها من ازدواجية التفسير.
5- النضال من أجل إنشاء مؤسسات رسمية حكومية وغير حكومية عاملة تحت القانون تؤمن الحماية القانونية للمرأة، وتعتبر المساس بالمرأة التي تلجأ لهذه المؤسسات طلباً للحماية اعتداء على سلطة القانون وإقرار العقوبات الرادعة.
6- من اجل ضمان فاعلية الحماية القانونية للمرأة، لابد من أن تأخذ سلطة القضاء المبادرة لإنشاء المحاكم ذات الاختصاص، للنظر بقضايا التمييز أو بقضايا الانتهاكات للحقوق الإنسانية للمرأة المدفوعة بعوامل التمييز الموروث أو المكتسب أو الطارئ.
7- التأكيد في القوانين والتشريعات على أن الامومة استجابة طبيعية للخلق الذي فطرت عليه المراة كانسان انثى، وأن كل القوانين سواء الصادرة عن السلطة التشريعية أو القوانين الصادرة عن السلطة القضائية وكذلك قرارات السلطة التنفيذية والمؤسسات التابعة لهذه السطات هي قوانين عادلة لايمكن باي حال من الاحوال اعتبارها تمييزا لصالح المرأة بل حق طبيعي لها يتلائم وطبيعتها كأنثى، وان هذه القوانين تهدف لحماية الامومة وضمان صحة الأجيال النفسية والبدنية.
--
أقرأ ايضاً
- الأخطاء الطبية.. جرائم صامتة تفتك بالفقراء
- فازت إسرائيل بقتل حسن نصر الله وأنتصرت الطائفية عند العرب
- جرائم الإيموجي