- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الاستفتاء وموقف القوى المدنية
جاسم الحلفي
يتلخص موقف القوى المدنية من الاستفتاء في الدعوة الى تأجيل اجرائه، وبدء حوار جدي مسؤول وفوري حول جملة القضايا العالقة، ولحلها ضمن جدول زمني محدد. فإرجاء الاستفتاء هو المقدمة الضرورية لنزع فتيل الازمة، التي يصعب التكهن بتداعياتها الخطيرة في اجواء تتصاعد فيها تصريحات صقور التطرف، ويغطي خطاب الكراهية خطاب الاعتدال، وتطغي الانفعالات القومية في الجانبين على المشهد السياسي: تعصب قومي اعمى تقابله شوفينية متطرفة، فيما العراق يخوض حربا فاصلة مع داعش، ويتطلب الحال تغليب لغة العقل.
يتحمل الطرفان الاساسيان، التحالف الوطني والتحالف الكردستاني، وائتلافهما غير المسجل، مسؤولية ما وصلت اليه اوضاع العراق بما فيها وضع الاقليم، ولا يمكن اعفاء زعمائهما ومعهم زعماء تحالف القوى من المسؤولية عن تفاقم الازمة وبلوغها الذروة، وهم الذين استعذبوا المحاصصة، وامتص رموزهم عبرها المليارات على حساب البناء والتنمية والعيش الكريم للشعب العراقي. المحاصصة التي خلقت ازمات استمرت وستستمر وتعصف بالاستقرار، وقطعا لن تكون الازمة الحالية آخرها.
لم يكترث المتنفذون بكل صنوفهم، بمعاناة ملايين العراقيين في محافظات الوسط والجنوب، حيث حقق الفقر نسبة مخجلة في ارتفاعها في بلد النفط والثروات والميزانيات الانفجارية، وفيما لم تستلم شرائح عديدة في كردستان رواتبها منذ شهور! انهم رموز الفساد، من العرب والكرد على حد سواء، الذين يعيشون في القصور الرئاسية وتبقى ارصدتهم المالية الشخصية تكبر ولا تمس!
اليوم يحاول المتنفذون جرنا الى معارك جانبية بعد ان دوّى صوت الشعب مطالبا بانهاء المحاصصة والفساد، ومباشرة التعمير والبناء. وازاء الارتفاع النسبي لوعي المواطنين ورفضهم الصراع الطائفي، هاهم اليوم يجهدون لجرنا الى صراع قومي مميت. فاذا كان الصراع الطائفي قد خلف كل الخراب الذي نعاني منه، فماذا يا ترى يمكن ان تخلف فتنة الصراع القومي العنصري؟
من هنا نرى ان مسؤولية القوى المدنية تنصب اليوم على درء الصراع الذي يراد خوضه باسم الشعب، وهو على حساب الشعب، والذي يهدف بوضوح الى تأمين مصالح المتنفذين من جميع الاطراف، كردستانية كانت ام عربية، ومواصلة التحكم بمصائرنا عبر اعادة انتاجهم في السلطة، التي لا يتورعون من اجلها عن ارتكاب الافعال الشنيعة بما فيها تقسيم العراق، بعد ان نجحوا في تقسيم الشعب العراقي وفق هويات فرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة.
ان ما يعنيه لنا حق تقرير المصير كقوى مدنية ترى انه حق لا لبس فيه ولا نقاش حوله، وما يعنيه اقراره وتجسيده اللذان يتطلبان ظروفا ملموسة مواتية، هو ان ينعكس ايجابا على الوضع المعيشي والحياتي للمواطنين، ويؤمن الضمانات الاجتماعية والصحية والتعليمية والحياة الكريمة. وان الدعوة لهذا الحق يجب الا تكون مثل محاولة للالتفاف على المستحقات الاجتماعية والمعيشية، التي يتوجب توفيرها للمواطنين في كردستان، خاصة للفئات الكادحة التي تعاني من الفقر والتهميش. وان لا يصبح ذلك مصدرا آخر للصراع على السلطة، بما تعنيه من مال ونفوذ وسطوة. وان حق تقرير المصير لا يمكن في نهاية المطاف فصله عن حقوق الانسان، وحرية التعبير، والمكاشفة والمصارحة والمحاسبة.
ان موقفنا يرتكزعلى منظومة متكاملة من الاجراءات لمعالجة الازمة من جذورها، عبر بناء دولة المواطنة وليس دولة المكونات المثيرة للازمات. ومن ذلك حسم تنفيذ المادة 140 بمراحلها الثلاث: التطبيع والاحصاء والاستفتاء، وتشريع مجموعة القوانين الهامة كقانون المحكمة الاتحادية وقانون المجلس الاتحادي وقانون مجلس الخدمة وقانون النفط والغاز.
نعم، يقف المدنيون في بغداد ومحافظات العراق الاخرى في مواجهة شوفينية المتنفذين، وهم يترقبون موقف اصدقائهم ورفاق دربهم من المدنيين الكردستانيين للتصدي معا لقوى التعصب وضيق الافق القومي المتصاعد.
ومن جانبنا سنبقى متمسكين بموقفنا الذي ينطلق اساسا من فكرة المواطنة وتعزيزها، ولن ننجر لمحاولات المتنفذين وابواقهم الساعية الى حصرنا في خط صراع التوتر والكراهية وخلط الاوراق..
اننا نطرح بديلنا الذي نؤمن بصوابه، وهو الخروج من مأزق المحاصصة وبناء دولة المواطنة، الدولة المدنية الديمقراطية على قاعدة العدالة الاجتماعية.
أقرأ ايضاً
- المسؤولية المدنية المترتبة عن استخدام الذكاء الاصطناعي
- صواريخ المستشار ضد المدنية
- توازن القوى بين السلطتين التشريعية والتنفيذية