- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
بعيداً عن الزعيق الإنتخابي.. القوى السياسية غير جادة لإحداث تغيير حقيقي في إدارة الدولة !
بقلم: نجاح بيعي
أن منطق تجاوز التجارب الفاشلة في حياة الإنسان, واستثمارها بالعزم على إعادة الكرة مرة تلو الأخرى, باقتناص فرص ناجعة لاكتساب خبرات جديدة ناجحة والظفر بالهدف السامي, تعد قضية مهمة ليست فقط كونها مغروسة في الجبلة الإنسانية وحسب, وإنما مصيرية في حياة جميع البشر من أجل استمرار بقائهم وديمومة عيشهم بأفضل ما يكون وعلى أحسن حال, في مواجهة الصعاب والتحديات في الحياة.
وبالمقابل فأن العثور على المنطق المُغاير لذلك تماما ً, حتى تصبح التجربة (عند البعض) أو التجارب الفاشلة لديهم تراكمية الى حد التخمة والغثيان وفي جميع الميادين دونما اكتراث, بل نجد الإصرار على منطق الإذعان بصناعة التجارب الفاشلة وتكريسها على أيديهم, غير آبهين لتداعياتها الكارثية كونهم أصبحوا عين الفشل أينما وُجدوا وبؤرة الأزمة أينما حلوا, ليس فقط على مستوى (الإنسان) وإنما يتعدى لتشمل مقدساته وثرواته وأرضه, فإن ذلك أمر هو قطعا ً خارج سياق (الجبلة) الإنسانية, بل وخطر يُهدد الإنسان ووجوده كلية على سطح الأرض.
فالمنطق الشاذ الخارج عن السياق الطبيعي, وخطره المُهدد للإنسان ووجوده, وحتمية مخرجاته من المشاكل والأزمات المتراكمة وتداعياتها الكارثية في جميع الميادين, وتكريسها عند القوى السياسية العراقية لهو خير مثال على ذلك وللأسف.
وإذا ما ختمنا حقب الفشل المرير التي ألمت بالعراق والعراقيين جراء تصدي الطبقة السياسية للحكم في عراق ما بعد عام 2003م بمقولة المرجعية العليا في تاريخ 17/8/2015م:
ـ(إنّ السياسيين الذين حكموا البلاد خلال السنوات الماضية يتحمّلون معظم المسؤولية عمّا آلت إليه الأمور، فإنّ كثيراً منهم لم يراعوا المصالح العامّة للشعب العراقي بل اهتموا بمصالحهم الشخصية والفئوية والطائفية والعرقية، فتقاسموا المواقع والمناصب الحكومية وفقاً لذلك لا على أساس الكفاءة والنزاهة والعدالة، ومارسوا الفساد المالي وسمحوا باستشرائه في المؤسسات الحكومية على نطاق واسع، فأدّى ذلك كله ـ بالإضافة الى غياب الخطط الصحيحة لإدارة البلد واسباب أخرى ـ إلى ما نشاهده اليوم من سوء الاوضاع الاقتصادية وتردّي الخدمات العامة)(1).
ـ نجد أن الأمر مع حكام العراق من السياسيين, قد وصل الى طريق مسدود لا يُرجى منه فائدة مُطلقاً. وأن عبارة (الفشل) هنا لم تعد تصمد لتعبّر عن المصداق الحقيقي للتجارب الكارثية في سيرة هؤلاء السياسيين الفاسدين, الذين أعربوا أكثر من مرة عن (عمديّة) و(قصديّة) أفعالهم الشاذة وسياساتهم الرعناء التخريبية في إدارة الدولة. لذلك أثبتت المرجعية العليا العبارات التي تُعبّر عن المصداق الحقيقي لتعمدهم وتعنتهم ومكابرتهم من قبيل: (لم يُراعوا المصالح العامّة..) و(اهتموا بمصالحهم الشخصية..) و(فتقاسموا المواقع والمناصب الحكومية..) و(مارسوا الفساد المالي وسمحوا باستشرائه في المؤسسات..) مُحمّلة ً إياهم معظم المسؤولية عما آلت إليه الأمور المتدهورة في العراق.
في هذه الحقبة من تاريخ العراق بالذات, وبدلا ً من أن يأخذوا العبرة والدرس, مضوا الفرقاء السياسيين بغيهم غير مكترثين لأصوات الناصحين التي طالبت حينها رئيس السلطة التنفيذية في البلد أن يُنفذ مطالب الشعب باتخاذ (قرارات مهمة وإجراءات صارمة في مجال مكافحة الفساد وتحقيق العدالة الإجتماعية فيضرب بيد من حديد لمن يعبث بأموال الشعب.. وأن يضع القوى السياسية امام مسؤوليتها ويشير الى من يعرقل مسيرة الإصلاح.. وعليه أن يتجاوز المحاصصات الحزبية والطائفية ونحوها في سبيل إصلاح مؤسسات الدولة.. ولا يتردد من إزاحة من لا يكون في المكان المناسب إن كان مدعوماً من بعض القوى السياسية ولا يخشى رفضهم واعتراضهم معتمداً في ذلك على الله تعالى الذي أمر بإقامة العدل وعلى الشعب الكريم الذي يريد منه ذلك وسيدعمه ويسانده في تحقيق ذلك)(2), حتى هاجت الجماهير وماجت في الشوارع والطرقات بتظاهرات واحتجاجات عارمة, مطالبة بالإصلاح وباسترداد الحقوق وبتقديم الخدمات بما يليق بالعيش الكريم. فأبت هنا المشاهد أن تأتي وتظهر للعيان إلا (مؤلمة) و(مؤسفة) ودموية الى حدّ بعيد تجاه المتظاهرين السلميين ومطالب الشعب.
وبما أن المرجعية العليا تمثل صوت العراقيين بكافة مشاربهم, ولكونها (تمتلك قاعدة جماهيرية من ملايين الناس فإن من حقها الطبيعي أن تطالب بحقوق هذه الملايين وتدافع عنهم وتعبر عن صوتهم ومطالبهم لتحقيق حقوقهم)(3), ولكي لا تسوء الأمور أكثر مما هي عليه, ويتحول الى تهديد أمني (داخلي) لا يُبقي ولا يذر باستخدام العنف والعنف المُضاد, كانت قد اقترحت آنذاك في (آب من عام 2015م) على الجهات المسؤولة بعد تواصلها معهم عبر قنواتها الخاصة, مُقترح يلبي مطالب الجماهير المحتجة المطالبة بالإصلاح من جهة, ويحفط النظام العام للدولة وهيبتها, وإعطاء فرصة للطبقة السياسية الحاكمة لتدارك الأمر من جهة أخرى. بل وزادت المرجعية العليا بأن عرضت عليهم (دعمها) و(دعم الشعب) من أجل الخلاص ونزع فتيل الأزمة المستعصية وتنفيس الإحتقان قدر الإمكان. وجدير هنا أن ندرج نص مُقترح المرجعية الدينية العليا في 7/8/2015م الذي جاء في عزّ الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح والتغيير وهو:
ـ(أن تُشكل لجنة من عددٍ من الأسماء المعروفة في الإختصاصات ذات العلاقة من خارج قوى السلطة ممن يُحضون بالمصداقية ويُعرفون بالكفاءة العالية والنزاهة التامة، وتُكلف هذه اللجنة بتحديدِ الخطوات المطلوب اتخاذها, في سبيل مكافحة الفساد وتحقيق الإصلاح المنشود, على أن يُسمح لأعضائها بالإطلاع على مجريات الأوضاع بصورة دقيقة, ويجتمع مع الفعاليات المؤثرة في البلد وفي مقدمتهم ممثلوا المتظاهرين في مختلف المحافظات للإستماع الى مطالبهم ووجهات نظرهم, فإذا أكملت اللُجنةُ عملها وحدّدت الخطوات المطلوبة تشريعية كانت أو تنفيذية أو قضائية, يتم العمل على تفعليها من خلال مجاريه القانونية ولو بالإستعانة بالدعم المرجعي والشعبي)(4).
ـ ماذا حصل بعدها؟ لم يُؤخذ بالمُقترح بل ضُرب به عرض الحائط !؟.
والمفاجأة الغريبة التي حصلت, هي أن وبعد أكثر من (أربعة) سنوات من تاريخ إطلاق ذاك المقترح, ومع عودة الإحتجاجات والتظاهرات الشعبية ـ السلمية, المطالبة بالإصلاح الحقيقي مرة أخرى, وانطلاقها في 1/10/2019م ووقوع اعتداءات مأساوية متوقعة (وغير مسبوقة)على (المتظاهرين السلميين وعلى القوات الأمنية والممتلكات العامة والخاصة) وحصول أعمال شغب واصطدامات دامية راحت ضحيتها (عشرات الضحايا وأعداداً كبيرة من الجرحى والمصابين والكثير من الأضرار على المؤسسات الحكومية وغيرها), نجد المرجعية العليا تقول بأسى وألم:
(ولكن لم يتم الأخذ بهذا المقترح في حينه)!. أي في 7/8/2015م وكان يحمل حلا ً ناجعاً حقا ً.
ـ وأردفت بأن: (الأخذُ به في هذا الوقت ربّما يكون مدخلاً مناسباً لتجاوز المحنة الراهنة)!(5).
وما أشبه اليوم بالبارحة,
ولم يتم الأخذ بالمُقترح أيضا ً بعد تظاهرات (تشرين) كما هو معروف!
حتى ذيلت المرجعية العليا بيانها في (4/10/2019م) بالعبارات القاسية التالية (لمن كان له قلب..): (نأمل أن يغلب العقلُ والمنطقُ ومصلحة البلد عند من هم في مواقع المسؤولية وبيدهم القرار ليتداركوا الأمور قبل فوات الأوان), في إشارة واضحة بأن الذين هم في موقع المسؤولية والقرار لا (عقل) لهم ولا (منطق) لديهم.
حتى كادت بسبب نهج الطبقة السياسية الشاذ والمتهور في الحكم, أن تنفلت الأمور من عقالها ويذهب العراق وشعبه الى (المجهول) أو (الفوضى) أو (الإقتتال الداخلي) مع ازدياد حالات الإغتيال والخطف والتهديد في أغلب المدن, و(إجبار العديد من الدوائر الحكوميّة والمؤسسات التعليمية على غلق أبوابها من دون ضرورة تدعو الى ذلك، وتعرض ممتلكات بعض المواطنين للحرق والتخريب، ويشتكي الكثيرون من ضعف هيبة الدولة وتمرد البعض على القوانين والضوابط المنظّمة للحياة العامة في البلد بلا رادعٍ أو مانع), مما اضطرت المرجعية العليا لأن تدعو جميع الأطراف الى الرجوع الى الشعب كونه مصدر السلطات و(إجراء انتخابات مُبكرة) كأفضل إجراء ٍ وقائي, وأقرب وأسلم طريق ٍ (للخروج من الأزمة الراهنة)(6).
وبعد هذا الإستعراض.. هل يبقى لذي عقل ومنطق أن يرتجي من هؤلاء السياسيين الفاسدين خيرا؟.
لذا كان التعويل على المواطن (الناخب) أن يأخذ هو الآخر العِبَرة والدرس من التجارب الماضية, ويع جيدا ً قيمة صوته ودوره المهم في رسم مستقبل بلده العراق في الإنتخابات القادمة. فنرى المرجعية العليا كيف حثّت بشكل جدّي جميع المواطنين (الناخبين) ودعتهم الى أن: (يستغلوا هذه الفرصة المهمة لإحداث تغيير حقيقي في إدارة الدولة وإبعاد الأيادي الفاسدة وغير الكفوءة عن مفاصلها الرئيسة، وهو أمر ممكن إن تكاتف الواعون وشاركوا في التصويت بصورة فاعلة وأحسنوا الإختيار) وإلا فـ(بخلاف ذلك فسوف تتكرر إخفاقات المجالس النيابية السابقة والحكومات المنبثقة عنها، ولات حين مندم)(7).
ــــــــــــــ
ـ(1) أجوبة مكتب سماحة السيد السيستاني ( دام ظلّه ) على أسئلة وكالة الصحافة الفرنسية:
https://www.sistani.org/arabic/archive/25159/
ـ(2) خطبة جمعة كربلاء الثانية في 7/8/2015م:
https://alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=224
ـ(3) خطبة جمعة كربلاء الثانية في 9/8/2013م:
https://alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=120
(4) خطبة جمعة كربلاء الثانية في 4/10/2019م:
https://www.alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=461
ـ(5) المصدر السابق
ـ(6) خطبة جمعة كربلاء الثانية في 20/12/2019م:
https://www.sistani.org/arabic/archive/26370/
ـ(7) بيان مكتب السيد السيستاني حول الإنتخابات القادمة في 29/9/2021م:
https://www.sistani.org/arabic/archive/26370/
أقرأ ايضاً
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القنوات المضللة!!
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!