- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الأمام علي(ع) وصي رسول الله / الجزء الأول
بقلم: عبود مزهر الكرخي
من المعروف أن الله سبحانه وتعالى ما يقوم به في كل أعماله كاملة وليست ناقصة أي لا يأتي الله جل وعلا بأمر أو وصايا وأحكام تأتي غير منقوصة أو البعض يقول انها شبة متكاملة بل رب السماوات والأرض هو الكمال والمثل الأعلى ولهذا جاء قول جل وعلا في محكم كتابه القرآن الكريم حيث يقول {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(1)، ولكن في كل حقب التاريخ ومجيء الرسل كان البشر هم يتمردون على وصايا الرب ليكون الانقلاب على أعقابهم الصفة المميزة في كل اعمال البشر والتي كانت ورائها مصالح دنيوية يتبناها الكثير من البشر من عبيد الدنيا والدرهم والذي تكون أعينهم وقلوبهم قد عميت ولم ترى ثواب الآخرة ونعيمها لتستبدلها بالدنيا الغرور والتي هي متاع الغرور قد وصفهم الله سبحانه في تعالى في الآية الكريمة بقوله {... قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا}.(2) ولهذا يقول أيضاً في القرآن الكريم {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}.(3)
ومن هنا يؤشر الأمام علي (ع) عن الدنيا فيقول { إليك عنّي يا دنيا , غرِّي غيري، إليَّ تعرّضت أم إليَّ تشوّقت ؟ هيهات هيهات! فإنّي قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك ؛ فعمرك قصير، وخطرك كبير , وعيشك حقير}.(4)
ويقول أيضاً عن مال الدنيا فيقول { يا صفراء يا بيضاء لا تغريني، غري غيري، هذا جناي وخياره فيه إذ كان جان يده إلى فيه }.(5)
ومن هنا كانت الدنيا دار زوال والآخرة دار بقاء حيث يقول الأمام علي(ع) { الدنيا دار بلاء وفناء، والاخرة دار جزاء وبقاء}. ليصفها عد ذلك ويقول { وأخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم، ففي الدنيا حييتم، وللآخرة خلقتم، إنما الدنيا كالسم يأكله من لا يعرفه}.(6)
ومن هنا كانت الرسالات السماوية التي بعثها الله سبحانه وتعالى كاملة ولا توجد فيها نقص او شك او شبهة(معاذ الله) ومن أهم تلك الأوامر الآلهية هي تنصيب الوصي والخليفة والتي كانت المكمل المهم لكمال كل رسالة نبي بتثبيت الوصي للرسول او الخليفة له. "ولو رجعنا إلى الرسالات الأخرى والديانات الأخرى لوجدنا ان النبي نفسه يطلب تثبيت الوصي من الله جل وعلا هذه الاحداث واقعة لم تغفلها الكتب السماوية بل اعتبرتها القطب الذي تدور حوله احداث الديانات كافة تلك هي النبوة والخلافة التوأمان اللذان لا يفترقان.
فمسيرة الاحداث واحدة منذ ان خلق الرب عالم الأشياء ومن عليه، وكلها تدل على أن المخطط واحد. من هذه الاحداث التي ذكرتها التوراة هي البيعة لشخص يخلف موسى. النص يقول أن موسى رفع نظره إلى السماء: ((فكلم موسى الرب قائلا: ليوكل الرب إله أرواح جميع البشر رجلا على الجماعة يخرج امامهم ويدخل امامهم ويُخرجهم ويُدخلهم، لكيلا تكون جماعة الرب كالغنم التي لا راعي لها))".(7)
وتقول الكاتبة أيزابيل بنامين ماما ىشوري في مقالتها عن هذا الموضوع " فمسألة اختيار الخليفة لا تكون بمشورة الناس او انتخابهم بل بطلب من النبي واختيار من الله ولذلك اجاب الرب موسى قائلا له: ((خذ يشوع بن نون وضع يدك عليه وأوقفه قدام كل الجماعة وأوصه أمام أعينهم واجعل من هيبتك عليه ففعل موسى كما أمره الرب. أخذ يشوع وأوقفه قدام اليعازر الكاهن وقدام كل الجماعة ووضع يديه عليه وأوصاه كما تكلم الرب عن يد موسى)).(8)
ففعل موسى كما أمره الرب. ـ وجمع الجموع من أصحابه وسط تلك الصحراء القاحلة عند غدير مرشوم بعد رجعته من الجبل المقدس حاملا وصايا الرب في تعيين خليفة له، ولكن موسى تلكأ مرارا، فكرر عليه الرب الأمر عدة مرات ولكن موسى كان يخشى من تصلب رقاب اليهود وعنادهم إلى أن هدد الرب موسى ـ فاخذ يشوع وأوقفه قدام كل الجماعة ووضع يديه عليه وأوصاه كما تكلم الرب عن يد موسى ويشوع بن نون كان قد امتلأ روح حكمة إذ وضع موسى عليه يديه.(9)
وأن اختيار الوصي لا يتم اعتباطا بل ضمن مواصفات معينة يمتلك من المواصفات البدنية والفكرية والذهنية أي المزايا التي تؤهله لخلافة النبي سواء كان النبي موسى(ع) او باقي الأنبياء ولهذا يقول سفر يشوع وهو احد اسفار اليهود في التوراة في معرض وصف مزايا هذا الوصي ((كان يشوع بن نون رجل بأس في الحروب، خليفة موسى. وكان كاسمه عظيما في خلاص مختاريه، شديد الانتقام على الأعداء المقاومين، ما أعظم مجده عند رفع يديه، وتسديد حربته على المدن. من قام نظيره من قبله؟ إن الرب نفسه دفع إليه الأعداء. ألم ترجع الشمس إلى الوراء على يده، وصار اليوم نحوا من يومين؟ دعا العلي القدير إذ كان يهزم الأعداء من كل جهة، فاستجاب له الرب العظيم أهلك المقاومين دعا الرب القدير، عندما كان أعداؤه يضيقون من كل جهة فأرعد الرب من السماء، وبقصف عظيم أسمع صوته)).(10)
ونلاحظ أن الانقلاب على الوصي قد حدثت في امة موسى ومن قبل اقرب المقربين فتذكر ذلك الكاتبة اللاهوتية أيزابيل وتشير إلى ذلك فتقول " فعلى الرغم من علم الناس أن الاختيار كان بأمر الرب وأن النبي لا يفعل شيئا من عنده إلا ان الناس لم يعجبهم ذلك واضمروا شرا كانوا يكتمونه وحسدا يُضمرونه فأظهروه بعد رحيل النبي ولذلك كان اقرب اصحاب النبي هم من قاد عملية الانقلاب، اليعازر وصاحبه على رأس المنقلبين على وصي موسى. وتبعهم الشعب في ذلك طمعا في حطام الدنيا، وعينوا عليهم خليفة من اختيارهم وتركوا من اختاره الرب ونبيه الوصي (يوشع) جالسا في بيته".
وهذا نفسه حدث في المسيحية عندما اختار يسوع بطرس بأن يبني كنيسته ولكن الجماعة ارتدوا بعده واختاروا بولص وصاحبه سيمون الساحر".(11)
وتضيف هذه الكاتبة أيزابيل فتقول ومن أسفار اليهود وتوراتهم " ((بغوا هم وآباؤهم وصلّبوا رقابهم ولم يسمعوا لوصاياك وأبوا الاستماع، وعند تمردهم أقاموا رئيسا ليرجعوا إلى عبوديتهم وعصوا وتمردوا عليك وطرحوا شريعتك وراء ظهورهم، فبغوا ولم يسمعوا لوصاياك وأخطأوا ضد أحكامك، التي إذا عملها إنسانٌ يحيا بها. وأعطوا كتفا معاندة، وعملوا إهانة عظيمة)).(12)
وهكذا بدأت مسيرة افتراق امة موسى فانشطرت في بداية أمرها فرقتين على يد خيرة صحابته والمقربين منه. فرقة تبعت اليعازر وصاحبه وهم الأكثرية الساحقة. وفرقة تبعت يوشع بن نون وهم الفئة القليلة المستضعفة. ولم يقم الوصي بالأمر بعد موسى بعد الانقلاب عليه فبقى صابرا على اللأواء والضراء والجهد والبلاء حتى مضى منهم ثلاث طواغيت (شافاط و كالب، وعثلي) فرجع الناس إليه وانثالوا عليه، ولكن هيهات بعد أن دب الانحراف وتمكن الزيغ وافترقت رسالة موسى إلى فرقتين وضعف امر الدين".(13)
ونحن نلاحظ ان التاريخ يعيد نفسه في بيعة الغدير وان ليس التاريخ هو المذنب بل ان الناس والاقوام أي الشعوب هي من تصنع التاريخ لتصح مقولة ان التاريخ يعيد نفسه لأنها تنقلب على أوامر السماء والرب من أجل مصالح دنيوية زائلة وهمها حطام الدنيا والتي تقوم بالتنكر لما يأمر به الله والنبي المبعوث من قبل جل وعلا والتي سوف نتعرض فيها على بيعة الغدير وانها بيعة كانت بأمر الله سبحانه وتعالى وليس كباقي وصاية الأوصياء في جزئنا القادم إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1 ـ [الروم: 27].
2 ـ [النساء: 77].
3 ـ [الحديد: 20].
4 ـ عن خَبَرِ ضِرَارِ بْنِ ضَمْرَةَ اَلضَّابِيِّ حَمْزَةَ اَلضَّبَائِيِّ عِنْدَ دُخُولِهِ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَ مَسْأَلَتِهِ لَهُ عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع قَالَ فَأَشْهَدُ لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِهِ وَ قَدْ أَرْخَى اَللَّيْلُ سُدُولَهُ وَ هُوَ قَائِمٌ فِي مِحْرَابِهِ قَابِضٌ عَلَى لِحْيَتِهِ يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ اَلسَّلِيمِ وَ يَبْكِي بُكَاءَ اَلْحَزِينِ وَ هُوَ يَقُولُ... غاية المرام وحجة الخصام في تعيين الإمام (ج 7) (لـ هاشم البحراني الموسوي التوبلي). الباب الحادي والثلاثون والمائة في خوفه من الله وبكائه من خشية الله تعالى وخبر ضرار وخبر أبي الدرداء، وطلاقه الدنيا ثلاث. مناقب آل أبي طالب: 1 / 390. صفوة الصفوة: 1 / 315، ورواه المصنف في حلية الأبرار: 2 / 213 / ح 6. شرح نهج البلاغة: 18 / 224.
5 ـ أمالي الصدوق: 357 / مجلس 47 / ح 17.
6 ـ بحار الأنوار ج 73 ص 88.
7 ـ سفر العدد 27: 18. أبحاث لاهوتية، اسلاميات » حوار بين غدير عفرون، وغدير خمّ.. من مقال للكاتبة أيزابيل بنامين ماما آشوري.
8 ـ سفر العدد 27: 20.
9 ـ أبحاث لاهوتية، اسلاميات » حوار بين غدير عفرون، من مقال للكاتبة أيزابيل بنامين ماما آشوري
10 ـ سفر يشوع بن سيراخ 46:1. منقول من مقال للكاتبة أيزابيل بنامين ماما آشوري وغدير خمّ. حوار بين غدير عفرون، وغدير خمّ.
11 ـ (يشوع وهو من سبط أفرايم وكان اسمه هوشع وعند المسلمين يوشع). القس انطونيوس فكري، تفسير سفر الخروج.فقد مدح الرب في كتابه يوشع بن نون مدحا كبيرا لائقا به ولم يمدح وصيا غيره إلا وصي محمد، حيث اختار موسى وصيه منذ ان كان فطيما صغيرا يتعهده بالرعاية فكان يتبعه غلاما يافعا اتباع الفصيل اثر امّه يرفع له في كل يوم من اخلاقه النبوية علما ويأمر يوشع بالاقتداء به كما جاء في (سفر الخروج 33: 11) فكان هذان الوصيان على درجة عظيمة من الحكمة والشجاعة، ارجع الرب الشمس لهما من دون خلقه.
12 ـ سفر نحميا 9: 16 ـ 29.
13 ـ منقول من مقال للكاتبة أيزابيل بنامين ماما آشوري وغدير خمّ. حوار بين غدير عفرون، وغدير خمّ.
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ماذا بعد لبنان / 2
- فازت إسرائيل بقتل حسن نصر الله وأنتصرت الطائفية عند العرب