- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
فرض النظام والقانون اول الاولويات
حجم النص
عادل عبد المهدي عندما خرج الخوارج على امير المؤمنين وقالوا لا حكم الا لله. اجابهم عليه السلام، "كلمة حق يراد بها باطل، نعم انه لا حكم الا لله، ولكن هؤلاء يقولون: لا إمرة، فانه لابد للناس من امير برّ او فاجر، يَعمَل في امرته المؤمنُ، ويستمتع فيها الكافرُ، ويبلغُ اللهُ فيها الاجل، ويُجمعُ به الفيءُ، ويقاتلُ به العدوُ، وتأمنُ به السُبلُ، ويؤخذُ به للضعيف من القوي، حتى يستريح برٌ، ويُستراحَ من فاجر". وهذا درس بليغ لنا لا نجد فلسفته وابعاده بارقى كتب انظمة الحكم والحركات السياسية. فالفوضى الفكرية والسياسية والمسلكية لدينا، وغياب اليد المقتدرة لكل البلاد، وتراجع الامن والنظام وحكم القضاء والقانون، ولدت فراغاً تستغله الفوضى والمدعيات والاكاذيب، والتي ادخلت البلاد في الحالة التي يصفها امير المؤمنين عليه السلام بقوله "هؤلاء يقولون: لا إمرة". اي لا سلطة ولا نظام، ولا خضوع لقانون.. ليصبح من حق اي فرد، وكائن من كان ان يعمل ما يشاء دون رقيب او حسيب، خصوصاً عندما تكون لاعماله اضراراً بليغة واضحة، بحجة انه لا يقبل سوى بالحق والحقيقة، كما يراها هو.. فيعطي لنفسه حقاً يحرمه على الاخرين، فيعطل كل الاحكام والحكومات، دون بديل واضح. بل يذهب امير المؤمنين عليه السلام ابعد من ذلك ليؤكد ان النظام والقانون مطلوب في كل الاحوال. فالمجتمعات الاصولية لابد لها من حكومات اصولية. تجمع فيها الحقوق والجبايات، وتحمى بها البلاد، وتوفر الاطمئنان والامان، وتطبق التكافل ومساعدة الفقراء والضعفاء، لتعم الراحة والاستقرار للمواطنين، ويمنع المتجاوزين والمعتدين على حقوق الناس. بل لابد من سلطة وحكومة حتى للتجمعات الضالة، والا ستدمر الفتنة والفوضى كل شيء. لدينا في العراق تحديات واولويات كثيرة.. فمحاربة الفقر والفساد والبطالة والطائفية والاثنية والمحاصصة اولوية.. ومحاربة "داعش" والعنف الاجتماعي اولوية.. ومحاربة الجهل والمرض اولوية.. كذلك توفير الكهرباء والمياه والخدمات واستقرار المواطنين ورفاههم وضمان مستقبلهم اولوية.. وحسن العلاقة بين المكونات وبين القوى الوطنية ومع دول الجوار ودول العالم اولوية. لكن جميع هذه الاولويات سيتعذر تحقيق اي منها ان لم نتفق على جعل فرض الدستور والنظام والقانون اولية الاولويات، حتى مع وجود الكثير من العلل والاشكالات والنواقص. بل لا يمكن معالجة هذه النواقص الا بالقبول بتطبيق النظام. فما لا يدرك كله لا يترك جله. وان تعطيل كل شيء بهذه الحجة او تلك، ولوجود هذه الثغرة او تلك هو اسوء الخيارات، وسيقود في المحصلة لما هو اسوء من العلل والاشكالات والنواقص. ان اعطاء الاولوية لفرض الدستور والقانون والنظام ضرورة: 1- لأمن المواطنين واستقرار حياتهم اليومية، وحمايتهم من المتجاوزين، حيث كثر من يتجاوز على حقوقهم، بما في ذلك بعض من في الدولة والاجهزة، دون ان يستطيعوا اللجوء للقانون والنظام والقضاء لحماية انفسهم.. مما يفسح المجال ان تتولى هذا الامر المجاميع التي استطاعت او تستطيع حمل السلاح واستخدام القوة للكلام باسم الشعب، او للادعاء بلعب دور الدولة.. و2- لعمل الدولة وتطبيق السياسات التي تقرها الجهات المنتخبة المسؤولة. فالدولة لا تستطيع، حتى في تلك الحالات التي تكون فيها ملتزمة بالاجراءات الاصولية، من تطبيق سياسات فيها الصالح العام، او حماية المواطنين، او جباية المستحقات. فتطالَب الدولة بانجازات واصلاحات، ستبقى عاجزة عن تنفيذها، فتصاب بالعجز الكامل، بسبب العطل الذي تعاني منه، والذي هو سبب الدعوة لاصلاحها، وبسبب التعطيل المفروض عليها، لرفض كثيرين سلطتها وامريتها.. و3- ليتسنى الفرز بين من يقبل بالنظام والقانون وفق الدستور، وغايتهم الاصلاح مهما كانت صرامتهم وجرأة ولذاعة انتقاداتهم، وحقهم في التظاهر والتعبير عن الرأي بشتى الوسائل التي اقرها الدستور والقانون، مع الحفاظ على النظام العام والمصالح والممتلكات العامة والخاصة، وبين الذين يريدون الانقضاض على كامل الوضع، بقضه وقضيضه، ولا يستهدفون اصلاح الدولة او الحكومة او الحياة السياسية او المؤسسات، ليتركوا البلاد امام فوضى ومجهول وفراغ وفتنة اكبر، ولتحقيق اجندات معادية للشعب والبلاد.
أقرأ ايضاً
- القوامة الزوجية.. مراجعة في المفهوم والسياق ومحاولات الإسقاط
- التربية تفرض رسوما اعتباطية
- الدعوة إلى تجديد الخطاب في المنبر الحسيني.. بين المصداقية ومحاولة تفريغ المحتوى