- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
تحديات الأمن المائي في العراق
حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ يميل بعض الخبراء الإستراتيجيين في مجالي المياه والطاقة إلى تبني لغة الأمر الواقع وتوقع حدوث الأسوأ والابتعاد عن الأفكار الرومانسية ولاسيما مايخص الكوارث التي لايحلو للبعض أن يتحدثوا بها، إذ هنالك ملفان خطيران ومتناقضان في ذات الوقت، الأول ملف سد (اليسو) الحدودي الذي تزمع تركيا إكمال إنشائه الربيع المقبل وفي حال إكماله سيؤدي الى جفاف غير مسبوق في التاريخ العراقي المعاصر وذلك لأنه سيستهلك حوالي 40% من منسوب نهر دجلة مايؤدي الى نقص هائل في مياه الشرب والتي تدخل في الإرواء الزراعي ويبدو أن الحكومة التركية وجدت منفذا للالتفاف على أحكام القانون الدولي الخاص بالدول المتشاطئة الذي يفرض على دول أعالي المجرى النهري التشاور مع الدول أسفله وعدم الإضرار بها وهذا لم يحدث . والملف الثاني هو سد الموصل الذي تكثر حوله الأقاويل والتصريحات وتدخل فيها نظرية (المؤامرة) على الخط والاتهامات المتبادلة، فقد تضاربت الأنباء حول احتمالية انهياره في أي وقت، فان وجود نسبة ولو كانت ضئيلة كواحد بالألف فان تحققها وفي هذا الظرف العصيب الذي يمر به العراق اقتصاديا وامنيا فان ذلك سيؤدي الى حدوث فيضان (تسونامي) مدمر يساهم بتقويض ماتبقى من العراق كدولة ومرتكزات وثروة بشرية فالبعض مازال يفهم المسالة من وجهة نظر "راديكالية " بحتة وليس من وجهة نظر فنية وعلمية صرف ، وان المسالة مجرد إشاعات وتخويفات وتهويلات من الجانب الأمريكي أو بعض الدول الغربية وهي مجرد دعايات "رخيصة" أو إشاعات مغرضة لاقيمة لها يراد منها تشتيت "جهود" الدولة التي تخوض حالة حرب ضروس، وإثارة البلبلة وإضعاف ثقة المواطن بحكومته وإشاعة جو الرعب بسيناريو هوليودي مرعب قد يشي عن تسونامي "هائل" يكتسح مدنا بأكملها كالموصل وبغداد فأشارت تلك التخويفات الى أن البداية ستكون في الموصل بارتفاع 25 مترا ثم يستمر الانهيار باتجاه صلاح الدين وسامراء بحيث يصل إلى بغداد في غضون أربعة أيام، وقد سبق التحذير من إمكانية انهيار سد الموصل في حال عدم الحرص على تدعيم أساساته وان المحافظات الجنوبية ومنها البصرة لن تكون بمنأى عن مخاطر جسيمة، وذلك في حالة تعرض السد إلى مخاطر الانهيار ويحدث في حال ارتفع المنسوب الخزني إلى أكثر من (319) مترا. فان تلك الإشاعات سواء صدقت أم لم تصدق وبغض النظر عن نوايا مطلقيها ـ في حالة كونها مجرد إشاعات ـ فانه يجب الالتفات بشيء من الجدية إليها لاسيما وان السد مازال يعاني ومنذ أكثر من عقد من حدوث شروخ فيه كونه أقيم على ارض طباشيرية غير ملائمة لإنشاء سد عملاق كسد الموصل الذي يعد رابع اكبر سد في الشرق الأوسط ومازالت أعمال "الحقن" الخرساني تزرقها آليات ومضخات ضخمة وقوية جدًا تتحرك في رواق خاص (غاليري) داخل جسم السد لهذه الشروخ خوفا من اتساعها مايؤدي الى انهياره في أي لحظة كما أكد خبراء أمريكان بذلك يضاف الى ذلك أن السد بقي لفترة شهور بيد داعش فلم تتم عملية الصيانة لهذا السبب ولم يُعرف السبب لحد الان لمَ لم يستغل تنظيم داعش مسالة انهيار هذا السد ضمن سيناريو حربه ضد العراقيين وكان بمقدوره أن يفعل ذلك!! والمريب في الأمر أن تضارب الآراء والأنباء حول هذا السد اتخذ أكثر من منحى متباين فتارة تؤكد تلك على انه لاخوف محتملا إطلاقا من انهيار السد وانه لم يستوعب لحد الآن طاقته الخزنية، وكما يؤكد ذلك وزير الموارد المائية فبحيرة السد بطول (50) كم وتغطي مساحة من الأرض تبلغ (228) كم2 وارتفاعه (110) م وعرضه من الأسفل (130) مترا ومن القسم العلوي 25 مترا وطوله (6،3) كم وحجم التخزين في بحيرة السد يبلغ نحو 12 مليار متر مكعب، والمخاوف غير موجودة إلا في مخيلة مروجي تلك التهويمات فالوضع في سد الموصل "مطمئن". وكمعلومة أن سد الموصل الذي أنشئ في زمن حكم صدام حسين ـ يبعد 50 كيلومترا شمال مدينة الموصل، و قد بني في العام 1983ـ بالضد من توصيات الاستشاريين الذين نصحوا بعدم إنشائه على أرضية جبسية يعد خزاناً عملاقاً لاحتياط المياه في العراق، ويشكّل مصدراً مهماً من مصادر توليد الكهرباء النظيفة والرخيصة مامقداره 750 ميغاواطا.ويسهم في زيادة رقعة الأراضي المزروعة كما يُعد معلماً سياحياً مهماً. يقابل ذلك آراء وأنباء أخرى "تؤكد" أن الانهيار وشيك في أية لحظة وعلى السكان القاطنين في حوض نهر دجلة الابتعاد عن مجرى النهر لعدة كيلومترات وبالفعل فقد أصدرت الحكومة الربيع الماضي مجموعة تعليمات توصي بابتعاد سكان حوض دجلة عن شاطئ النهر لعدة كيلومترات تحسبا للأسوأ , يرادفها سعي وزارة الموارد المائية الى تكليف شركة (تريفي) الايطالية لغرض الصيانة اليومية المستمرة، وهذا التكليف بحد ذاته يعيد الى الأذهان الخطورة المحتملة لانهيار هذا السد وان كانت بنسبة بسيطة جدا أو لخطر ما محتمل يكشف عنه المستقبل. وكان يفترض بلجنة المياه البرلمانية أن تتواصل مع الجهات التنفيذية في الحكومة والمعنية بالأمر كوزارة الموارد المائية التي سارعت الى نفي حدوث الانهيار و"طمأنت" المواطن العراقي بان لاخوف محتملا من الانهيار وأقول وحتى ومهما يكون الامر كان يجب على الحكومة أن تضع المواطن أمام الأمر الواقع وتدلي ببيانات صحيحة وحقيقية وموثقة بالصور والأرقام عن وضع السد سواء أكان يبشر بخير ام لايبشر بذلك كي لا تدع مجالا للإشاعات والأخبار التضخيمية أو الكاذبة التي تستند على مزاج هذه الوسيلة الإعلامية او تلك او تُترك المسالة لأمزجة غير المختصين ولكي تقطع دابر المتصيدين بالماء العكر. واخيرا يجب النظر بجدية مفرطة لما تفرزه مراكز البحوث والدراسات الإستراتيجية الامريكية والعالمية المختصة من تقارير حول الخطورة المحتملة من هذا السد وعم صم الأذان لها أو اعتبارها جهات "مغرضة". والنظر الى مسألتي سدي اليسو والموصل نظرة واقعية لأنهما كليهما ينبئان بمستقبل مائي وببيئي غير مريح للعراق، سواء في حدوث الجفاف والتصحر او في حدوث الفيضان المدمر ويجب على الحكومة العراقية أن تصارح شعبها بكلا الحالين. وبخصوص سد اليسو يجب مفاتحة الحكومة التركية والضغط عليها وتفعيل الاتفاقيات المائية المبرمة معها والتي أبرزها اتفاقية عام 1947 او اللجوء الى المنظمات العالمية المختصة بهذا المجال وعدم ترك الأمور سائبة وانتظار "الفرج". كاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي