حجم النص
بقلم: الدكتور طلال فائق الكمالي تسعى جميع الرؤى الكونية السماوية والأرضية جميعها إلى أن تحقّق أكبر قدر ممكن من أيديولوجياتها (فكرياً وسلوكياً) فهي تغدق أعلى نسب ميزانياتها بغية الوصول إلى بعض طموحاتها على مستوى الدعوة والتبليغ. وبالعودة للنظر في الحقب التاريخية المتقدمة منها والمتأخرة نجد مصداقاً لمقولتنا هذه، فقد تبارت أغلب الرؤى بتقديم الغالي والنفيس من العدة والعدد لإحراز نشر أيديولوجياتها ولو على الأمد البعيد. وفي التاريخ المعاصر نجد الصراع بين القوى العالمية صراعاً أيديولوجياً قبل أن يكون صراعاً سياسياً أو عسكرياً أو اقتصادياً، والحق أن المحاور المذكورة آنفاً تُعد سُبلاً للصراع الأيديولوجي، فهي آلياته وأدواته ليس إلا. فبالأمس القريب وفي وقتنا الحاضر نجد الحراك الفكري والقيمي نفسه هو الحاكم والمهيمن على الساحة العالمية؛ بل تعددت أنماطه ليظهر بعضها على شكل حملات تبشيرية مسيحية أو دعوات تبليغه لحركات إسلامية أو تصدير لنظم وثورات مدنية، ليصل الأمر ببعضها إلى إلغاء للحدود الدولية وتشتهر حركاتها بوصفها منظمات بلا حدود، لتجد نفسها مصداقاً للعولمة الفكرية التي أعطت لنفسها المسوغ أن تزحف في عوالم الأرض من دون قيد أو شرط، فهي تقصد الإنسان أين ما كان لتحقيق ما ترنو إليه وتوسعة رقعتها الفكرية نوعاً وكماً. في قبال كل ما تقدم نتساءل: أين نحن من إنسان نجده ــ في زياراتنا المليونية ومنها زيارة الأربعين ــ يسعى لاستلهام المضامين الفكرية؟ إذ نجد مقولتنا في حركة نشر الرؤى عكسية تماماً، فالإنسان هنا يسعى بصنفه المتعدد إلى النوع الموعود. هنا يستدعي منّا التأمل في تلك الحركة العكسية، كما يقتضي النظر في حجم اخفاقنا قبال اختزال الجهد والوقت والمال لاستثمار أهم عناصر ارتقاء الأمم ألا وهو العنصر البشري، الذي نرصده بكمه الهائل يتزاحم زحفاً نحو مقصد الإلهام ومدينة الإباء كربلاء من دون أن ننفق أي شيء، لتكون المقايسة شديدة الألم على رجالاتنا حين ننظر فيما تسعى الرؤى الأُخرى الوصول إليه وبين مسعى إنساننا الذي يتطلع منا إحياء الرؤى فيه. نعود لنتساءل: أين نحن من كل ذلك؟ وأي خسارة تمر علينا كل مناسبة من دون أن نلتفت إلى ما يرافقها؟ (أما آن للذين أمنوا أن): يلتفتوا لتكليفهم الشرعي والإنساني والوجداني؟
أقرأ ايضاً
- مطالبُ الحركة الاصلاحية
- ومضة من حركة المسرح الكربلائي في القرن الماضي
- الإنسان في حركة التاريخ ..حِجر بن عَدي نموذجاً