طالب الظاهر
إن العراقيين أهل المكارم، وهذا الكلام ليس رمياً بالكلام على عواهنه، أو رجماً بالغيب، أو من باب الادعاء الفارغ دون دليل؛ فحقائق التاريخ كلها ماضيها وحاضرها تثبت على وجود الخصال الحميدة فيهم، فلا عجب إن ارخصوا الأرواح دفاعاً عن الأرض والعرض، وإن بالغوا في اكرام الضيف، أو تحلّوا بالصبر في أوقات المحن والصعاب، لا عجب وهم أبناء دجلة والفرات.
فرصة فريدة
لا شك إن القوى السياسية الكبيرة، وأعني بها الأحزاب الحاكمة ومنذ التغيير، هي سبب تردي أوضاع البلد، ومن ثم استمرارية هذا الخراب المعيشي، وما ذلك إلا نتيجة سوء استخدام السلطة، وبالتالي جرّ الأمور الى هذا الدرك المتدني من تفشي وتعشّش آفة الفساد الإداري والمالي في كل مفاصل الدولة.
واليوم وبعد كل هذه التداعيات المؤسفة، وبعدما أوصلوا البلاد والعباد وأوقفوها على شفا أوضاع أمنية متردية، لا يعلم خطورتها إلاّ الله تعالى.
أقول، بعد كل هذا تلوح أمام تلك القوى السياسية فرصة ذهبية، لعلها الأخيرة في محاولة الاستجابة السريعة لمطالب المتظاهرين المشروعة، وفق خطط مدروسة، وبسقوف زمنية محددة، وبهذا فقط يمكن الحد من غليان الاحتقان الجماهيري المتأجج، واحتواء الأزمنة.
سلمية المتظاهرين
نعم، هناك بعض المخربين وسط الجموع الغفيرة من المتظاهرين، لكن الغالبية العظمى إنما خرجت لتطالب بحقوقها المشروعة فحسب، وهذا الحق مما يكفله الدستور، بل رأينا صورا ومشاهد أكثر من رائعة ستبقى خالدة في أذهان الجماهير، عكست حضارية المظاهرات والمتظاهرين.
أما بعض المخربين وهم نفر قليل قياساً الى الاعداد الهائلة من السلميين، لكن لا يمكن أن يكون هذا النفر مسوّغاً لضرب، أو الاعتداء على المتظاهرين، بل من واجب القوات الأمنية تشخيصهم وفرزهم، وهم ممن يحاول تشويه صورة المتظاهرين فيتعرض لرجل الأمن أو محاولة اقتحام منشآت الدولة أو حرق ونهب الممتلكات العامة والخاصة.
حرية المشاركة
خيارات الإنسان واختياراته هو فقط من يحدّدها لنفسه، وفق وجهة نظره وقناعته تحديداً، ومثلما هو حق المشاركة في الانتخابات أو عدم المشاركة بها، كذلك هو حق الخروج أو عدم الخروج للمظاهرات، لأن هذا يقع ضمن الحرية الشخصية للفرد، فلا يحق لأي فرد أو جهة، فرض الخروج، أو منعه، وإن عدم ممارسة هذا الحق – حق التظاهر- لا يعني ابداً عدم وطنية الشخص، وبالتالي لا يبيح للبعض ذمّه أو الإساءة اليه او الانتقاص من شأنه، فمن يقتنع بالخروج للتظاهر؛ له أن يخرج، ومن لم يقتنع؛ فله أيضاً أن لا يخرج.. فلكل منهما شأنه الخاص به وقناعته، ويجب أن تكون محترمة لدى الجميع.
جهات مشبوهة
إن الجهات التي أذاقت العراقيين الويلات والمصائب سابقاً.. وبعض ذيولهم ممن أطاح به وبمصالحه التغيير الكبير في البلد، وبغضِّ النظر عن أسمائهم وانتماءاتهم المشبوهة، لكن لاشك لا زالوا - بوجوه حمائم وأذناب عقارب- بين أوساط المتظاهرين، يحاولون نفث سموم احقادهم الدفينة، ويحاولون بشتى طرائق الخبث أن يركبوا موجة المظاهرات بـ(كلمة الحق يراد بها باطل)، لتمرير أحلامهم المريضة.. بعودة الزمن الى الوراء، تنفيذا لتوجيهات اسيادهم ومموّليهم في الخارج، ممن يحزنه خير للعراق وأهله ويفرحه خرابه.
نسيان الفضل
من مكارم أخلاق الإنسان، نسيان الإساءة وتذكّر الإحسان، وما يعنينا هنا هو تذكّر الإحسان وعدم نسيان فضل المحسنين، وبعض مما كان له الفضل على العراق والعراقيين جميعاً وسيبقى، هم أولئك الأبطال الذين ضحّوا بدمائهم في الدفاع عن الأرض والعرض، وما زلوا على هذا العهد، جزاهم الله تعالى عنا خير الجزاء وأوفى جزاء.لكن مما يدمي القلب، إن بعض جهلاء الناس، أو الحاقدين، أو مدفوعي الثمن من جهات داخلية وخارجية.. متضررة من بطولة أولئك الأعزة، يحاول الإساءة، او التطاول بالكلام، أو تقليل الشأن، وهذا مما لا يقترفه إلاّ خائن وناكر للجميل.