- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
التحوّل الأخير في السياسة التركية، والموقف الروسي منه
حجم النص
بقلم: باسم عبدعون فاضل تحوّل غير مسبوق في سياسة الحكومة التركية على المستويين الداخلي والخارجي بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة. هذا التحول ترك بصماته على مجرى الأحداث في سوريا.فتركيا كانت معارضة لأي تدخل روسي في سوريا، لكنها اليوم بدأت مطالباتها بضرورة التدخل الروسي لحل القضية السورية، التي أثبت فيها الطرف التركي عدم كفاءته في إدارتها.في حين إن روسيا ماتزال تحتفظ بعناصر القوة والثبات في هذه الأزمة، إلاّ أنها لم تصل إلى مرحلة الحسم النهائي لها.لقد بدأت تتلاشى عناصر قوة تركيا في أزمات المنطقة ومنها أزمة سوريا التي انجلى ضياؤها بذلك الانقلاب العسكري الفاشل،ومن هذا تبرز تحديات تجعلنا نستقرأ بأن تركيا تعيش أزمة حقيقية متمثلة فيما يأتي: 1- تجاهل حكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة أوردغان دور المؤسسة العسكرية التركية في الداخل واستمرارها في التعامل معها وفق ما تتعامل به أنظمة الحكم العربية مع مؤسساتها العسكرية بحسب ما تريد، في حين إن تاريخ المؤسسة العسكرية التركية يؤكد أنها مؤسسة مستقلة دستورياً وقانونياً وقراراتها منفصلة عن رؤية الحزب الحاكم وطموحاته. 2- محاولة حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم أدلجة المجتمع التركي وفق أفكاره ومتبنياته، معتمدا في سياسته هذه على نجاحات اقتصادية حققها على مستوى الطبقات الفقيرة، فأصبحت إدارة الدولة تدار من قبله وفق هذه الثقافة أيضا. 3- عدم نجاح حكومة حزب العدالة والتنمية في حسم ملف القضية الكردية، وتلاشي مشروع المصالحة الوطنية،وفشل سياسية تصفير المشاكل مع القوى الفاعلة على الساحة السياسية مثل حزب الشعوب الديمقراطي وحزب الرفاه والعديد من الأحزاب المعارضة الأخرى. هذه جملة من التحديات على المستوى الداخلي، وإلى جانبها الكثير على المستوى الخارجي يمكن إيجاز أهمها بالآتي: 1- في مصر،أقدمت تركيا بشكل مبكر على دعم حركة الإخوان المسلمين عند تسنمها الحكم،وكان موقفها ضربا من ضروب الجهل السياسي لواقع البلاد في موروثه السياسي والثقافي الذي يتقاطع مع حكم الإخوان المسلمين، وما إن استعاد المصريون زمام المبادرة بإنهاء حكم الإخوان حتى عادت تنصب العداء لهم. 2- في ليبيا،دعمت الحكومة التركية الفصائل المسلحة التكفيرية وخاصة تنظيم "داعش"،وغدت تساوم -عبر تلك الجماعات - الدول العربية وبعض الدول الإفريقية من أجل فرض هيبتها ودورها هناك. 3- في سوريا، امتاز الدور التركي بالاندفاع الشديد لتغيير النظام السوري من خلال دعم كل قوى المعارضة التي تقاتله، إلا أنها اصطدمت في النهاية بسقوف لم يعد من الممكن تجاهلها، وأهمها السقف الروسي الذي وقف معاندا ومبددا كل طموحاتها. 4- مع العراق، دخلت الحكومة التركية أيضا في خلافات وشبه قطيعة دبلوماسية مع حكومة بغداد، واتبعت أسلوبا مارست فيه الضغط السياسي والعسكري والأمني عليها عن طريق استمالتها لإطراف في العملية السياسية إلى جانبها ودفعها بالعمل ضد الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي...وغير ذلك. 5- على مستوى العلاقة مع الاتحاد الأوربي، فشلت حكومة أوردغان في انتزاع مقعد الالتحاق بركب هذا الاتحاد، وباتت مفاوضاتها التي ناهزت العقود من الزمن في تحقيق هذا الهدف على الرغم من تنازلها عن كثير من القيم الثقافية والدينية أمام مطالب الأوربيين دون جدوى إلى يومنا هذا. التحديات والتدخلات أعلاه التي أقحمت حكومة أوردغان كل مقومات وعناصر القوة للدولة التركية فيها لم تجن أو تحقق منها أي هدف أو نتائج إيجابية، وساد التساؤل وقتها وإلى يومنا هذا: أين كانت عقلية وكياسة حكومة حزب العدالة والتمنية وزعيمه من نتائج تلك التدخلات؟.التنبؤ المبكر بنجاح مشروع الإخوان المسلمين في مصر والدول العربية كان في غير محله، ولم تأخذ الدرس الكافي من فشله. ثم راهنت على نجاحه في ليبيا ولاقى المصير ذاته.في العراق راهنت أيضا على قوى سياسية غير منتظمة وفاقدة لمشروع سياسي واضح يعود عليها بأهداف ومصالح ولم تفلح كذلك.في سوريا - محور الصراع الدامي، ومنذ بداية الأزمة فيها- ظنت أنها لقمة سائغة يتركها حلفاؤها ببساطة، وخاصة الروس،ودخلت في صراع غير متكافئ معهم في تلك الأزمة.وهنا لابد من التفريق بين بعض مقومات هذا الصراع فيما يخص تلك الأزمة.روسيا كانت وما تزال لها موقف سياسي وعسكري معلن في سوريا.أما تركيا، فكان موقفها أشبه ما يكون بموقف العصابات التي تفتقد إلى أهداف مقبولة، وتكاد تكون أهدافها مبعثرة تارة ومتخفية تارة أخرى.موقف روسيا مدعوم نوعا ما من دول إقليمية كثيرة، وكذلك دول أوربية وعالمية، فضلا عن الصين والهند. أما تركيا، فموقفها يستند إلى دعم السياسة الأمريكية غير الثابتة معها، وكذلك دول الخليج، علاوة على معرفة وإدراك روسيا لواقع مقومات الدولة التركية في شتى الجوانب ومدى قدرتها في الصمود في المواجه غير المباشرة ضدها في سوريا، حتى إن روسيا لم تصعّد عسكريا اتجاه تركيا في مدة الصراع غير المباشر، رغم تحدي الأخيرة لها بإسقاطها لطائرة سو 24 العسكرية من قبل القوات الجوية. اليوم تركيا وبعد محاولة الانقلاب العسكرية الفاشلة بدأت تعيد رسم سياستها الداخلية والخارجية من جديد وبطرق مغايرة لما كانت عليه سابقا، ومنها مع روسيا التي كانت العدو اللدود لها في سوريا. روسيا رحبت في تحول المواقف والسياسات التركية اتجاهها، وأيضا فيما يخص الأزمة السورية. والسؤال هنا: كيف تتعامل روسيا مع تغير السياسة التركية اتجاهها،ولاسيّما في يتعلق بالأزمة السورية؟. ج/مجرى وخطوات الانفتاح التركي الروسي إلى يومنا هذا تسير وفق ما يأتي: 1- إعلان تركيا رسميا بالتعاون السياسي والاقتصادي والعسكري مع روسيا في حل الأزمة السورية. 2- ترحيب روسي بالانفتاح والتحول في المواقف السياسية. 3- بدأ الاهتمام الروسي في اقتصار التعاون مع تركيا على الأزمة السورية. 4- ابتعاد روسيا عن التدخل سياسيا ودبلوماسيا وإعلاميا في لملمة تبعات محاولة الانقلاب العسكري والاكتفاء بالحياد. أيضا من المتوقع أن صانع القرار السياسي الروسي لا يغفل عن عدد من المعطيات التي تحدد مسيرة هذا الانفتاح والانفراج في العلاقات مع تركيا، وهي: 1- روسيا حتى الآن - وبحسب المراقبين - تتعامل بحذر مع الاستقرار السياسي في تركيا.فهي تدرك خطورة المؤسسة العسكرية حتى وإن تم إعادة هيكلتها من جديد؛لأنها قادرة على إن تعيد محاولة الانقلاب،ومن الممكن أن يوفر الدعم الخارجي لها مستقبلا ليساعدها على الإطاحة بحكومة الحزب الحاكم.إذاً، روسيا تتعامل حاليا مع نخبه سياسية هشة، وتدرك ذلك كثيرا. 2- روسيا لا تتعامل جديا ولاتبنى مواقف ثابتة مع سياسات ردود أفعال لنخب سياسية في حكومات لدول تعيش أزمات سياسية كما يحصل في تركيا. فالسياسية التركية الحالية معظمها سياسة ردود أفعال حادة لفريق حكومي خارج للتو من خطر انقلاب عسكري كاد أن يقضي على وجوده. 3- تدرك روسيا أن تركيا منطقة نفوذ ومصالح مهمة للولايات المتحدة الأمريكية والأوربيين ولا يمكن لحكومة أوردغان القيام بنقل واستبدال هذه المصالح والنفوذ من تلك الدول إليها. 4- تتعامل روسيا مع تركيا وفق سياسية لا تثير حفيظة الأوربيين والأمريكيين؛ لأنها تدرك خطورة المواقف التي تتخذ بالمثل ضدها من قبل هؤلاء في مناطق أخرى في العالم. 5- لاتغير روسيا علاقتها في الوقت الحاضر والمستقبل مع الولايات المتحدة وأوربا على ضوء التقارب بينها وبين تركيا، وكذلك لا تتعامل مع تركيا وفق ذلك القطب العالمي المؤثر الذي اصطفّ إلى جانبها أخيرا. ختاما: خطوة التحول في المواقف السياسية الأمنية وغيرها التي أقدمت عليها الحكومة التركية أخيرا داخليا وخارجيا وبطريقة تختلف عن سابقاتها، لاقت الكثير من الترحيب والثناء من قبل دول عديدة في العالم، وخاصة تلك المتضررة من سياساتها السابقة مثل العراق،ومصر،وسوريا، وروسيا، وإيران، ودول أخرى. كما إن معظم هذه الدول تنتظر ما تؤول إليه تداعيات محاولة الانقلاب الفاشلة التي حدثت فيها أخيرا، والذي كان فشله مفتاحا لهذا التحول،وكذلك الانتظار والترقب من هذه الدول للخطوات العملية المتخذة من قبلها على الأرض خصوصا في أزمة سوريا.