د. خالد يونس خالد أديب وباحث عراقي مقيم في السويد من ثلاثين عاما، له نشاطات ثقافية وتربوية متنوعة. مدير مركز الدراسات ورئيس مؤسسة دراسات للطباعة والنشر. له أربعة عشر كتابا بأربع لغات، وساهم في كتابة مقدمات حوالي عشرة كتب أدبية وسياسية ودواوين شعر . له عدة مترجمات منها قصص أطفال وقاموسان مصوران من اللغة السويدية إلى العربية، وعشرات الوثائق والدراسات. عمل رئيسا لتحرير مجلة دراسات كردستانية بأربع لغات، ويعمل خبيرا ومستشارا في أكثر من مؤسسة ثقافية سويدية. يتمتع بعضوية عدة مؤسسات ثقافية أوربية، منها إتحاد الكتاب والأدباء السويديين، معجم المؤلفين السويديين، نادي القلم السويدي/إتحاد الكتاب العالمي، مركز الترجمة التحريرية. ساهم في عدة مؤتمرات دولية عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وقدم دراسات وألقى محاضرات في لقاءات عربية وكردية وأوربية في دول عديدة. حاز على عدة شهادات وجوائز تقديرية من أكثر من مؤسسة عربية وأوربية، كان آخرها درع العتبة الحسينية وشهادة تقدير من العتبة الحسينية المقدسة بكربلاء في مهرجان ربيع الشهادة الثقافي الخامس بكربلاء في يوليو من العام الجاري.
س: أنت مفكر وباحث في تاريخ الفكر والأدب، كيف تجد الإسلام بوصفه دين قيم سماوي عند المفكرين والباحثين الذين عاشرتهم في أوربا؟
أغلب الباحثين الأكاديميين الذين عاشرتهم في أوربا، ولاسيما في السويد ينظرون إلى الإسلام نظرة مقبولة. وقد ساهمت شخصيا في عدة سمينارات عقدها باحثون سويديون وأوربيون، ووجدت أن هناك متخصصون بارعون في الفكر الإسلامي. وغالبا ما يؤكد هؤلاء المهتمون على الثيولوجيا، ويدرسوا الإسلام واللغة العربية لغرض فهم السيكولوجية الإسلامية ومواجهة الواقع العربي الإسلامي، إلى جانب هؤلاء هناك باحثون ومفكرون أوربيون لهم مواقف سلبية أيضا من الأسلام، ولاسيما أولئك الذين تأثروا بالصهينة المسيحية والفكر الصهيوني.
في بعض الجامعات الأوربية، ومنها جامعة أوبسالا السويدية العريقة، يدرس الباحثون العلوم الاجتماعية من خلال دراستهم للآداب العربية الإسلامية، بدلا من دراسة مادة العلوم السياسية أو الاجتماعية، حصرا، في كليات القانون والسياسة والاجتماع. وبرزت هذه الظاهرة بعد أن وصل الأمريكيون والأوربيون إلى قناعة أن دراسة العلوم السياسية، دراسة مجرة عن الآداب لاتفي بالغرض. وكانت تجربة الحرب العالمية الثانية في الأذهان، حيث برهنت عدم صحة تحليلات السياسيين في دول الحلفاء ضد اليابان وألمانيا النازية وإيطاليا، ولا سيما ضد اليابان، بسبب جهلهم بنفسية وآداب الشعب الياباني. هذه الأفكار تطورت إلى ضرورة دراسة الآداب، ودراسة السياسة والاجتماع من خلال الآداب. ومن هنا بلورت فكرة الاستشراق أكثر إلى درجة أن المعنيين، ولا سيما الباحثين اليهود، اهتموا بدراسة مادة ما تسمى ‘‘المعلوماتية‘‘ من سياسة وفكر وفلسفة عن طريق الآداب العربية الإسلامية، ومنها الأدب والشعر لفهم نفسية الإنسان العربي والمسلم، وكيفية مواجهتها ومقاومتها في الصراع الفكري والحضاري. وأتذكر أن باحثة سويدية في الجامعة التي كنت أجري أبحاثي فيها كتبت رسالة الدكتوراه على الفكر الديني في قصائد محمود درويش، وتركزت على المعلوماتية من خلال الشعر الفلسطيني بمراحلها المختلفة، من ماقبل النكسة، وبعد النكسة إلى التطورات اللاحقة.
لاتجد في هذه الدراسات، مايقال ‘‘الحرب على الإسلام‘‘ رغم أن الغاية غير ظاهرة في جعل التعليم وسيلة لتحقيق مآربهم. أتساءل كم من المعنيين من المتخصصين العرب يفكروا أن الظاهرة الجديدة في أوربا وأمريكا، بوجود مستشرقين كبار وخبراء في وزارات الخارجية، يفهمون العقلية العربية الإسلامية أكثر من كثير من العرب، ويواجهون العرب والمسلمين بثقة، وقد شبعوا عقولهم بالتراث العربي الإسلامي لمواجهة هذا التراث سلبا وإيجابا.
أرجو أن لا نخلط الأوراق، فجوابي على سؤالك المحدد ينحصر في نظرة المفكرين والباحثين الأوربيين الذين عاشرتهم في اوربا في الدوائر الأكاديمية. فلا ينبغي أن يفهمني أحد أن هذه النظرة شاملة عند الأوربيين بشكل عام. هذا جواب محدد بخصوص المفكرين والباحثين. أما نظرة العامة وحتى الخاصة خارج هذه الدائرة فمتباينة، وتختلف نسبيا عن ما تقدم.
س: لكم نشاطات جادة في مجال نقد النص الأدبي؟ إلى أي درجة تستطيع المناهج النقدية الحديثة أن تنهض بالعملية النقدية الثقافية دون أن تفقد صلتها بالقارئ العادي؟ وأي المناهج النقدية هو الأقرب إلى إهتماماتكم؟
يصعب الدخول في تفاصيل عشرات المناهج النقدية في هذا الحوار، ولا سيما إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن شروط الإبداع في الشعر مثلا، تختلف عن شروط وخواص فن النقد. ولكن يمكنني القول هنا بصدد الشق الأول من سؤالك، أنه ينبغي دراسة البيئة الثقافية العربية المعاصرة، منها المحيط الفكري والأدبي، والعنصر والجنس كما أشار إليها المفكر الفرنسي (هيبوليت تين) و (غوستاف لانسون) في المنهج التاريخي. ويجب التأكيد أيضا على الجوانب الاجتماعية في البنية العربية والاسلامية في تفسير المنهج الاجتماعي لـمؤسس علم السوسيولجيا (أميل دوركيم) و (جان باكيست فيكو) و (مدام دي ستال) و (لوكاش). ولا نهمل العنصر السيكولوجي في العمل الأدبي باعتبار أن العمل الأدبي هو ‘‘تعبير عن تجربة شعورية في صورة موحية‘‘. وهناك مَن يستخدم مصطلح ‘‘المنهج المتكامل‘‘ مثل (سيد قطب) في كتابه ‘‘النقد الأدبي أصوله ومناهجه‘‘ حيث يضم ‘‘ المنهج التقريري، والمنهج الجمالي، والمنهج التأثري‘‘. وفي كل الأحوال ينبغي أن لا نجعل قيودا تفسد النقد. ولكن لا نهمل الخواص الفنية في الاعتبار أثناء النقد. وهذه الخواص أشار إليها الدكتور طه حسين بوضوح، مؤكدا على:
1- الجمال الفني المطلق، وأن يكون مرآة البيئة.
2- المقياس الأدبي.
3- المقياس المركب.
فالمقياس الأدبي يعني، من وجهة نظره: ‘‘معالجة الانتاج الأدبي بالأصول الفنية، أي النظر الى القضية الشعرية أو الفنية في قيمتها الشعورية، ولغتها وتعبير كاتبها وما لها من تأثير على القارئ‘‘.
وقال عن ‘‘المقياس المركب ‘‘ أنه يتضمن مجموعة من الصفات الأدبية منها: الجمال الفني، العاطفة والشعور، اللغة العربية الفصحى التي اعتبرها ضرورة حتمية في تطبيقاته النقدية للدراسات التي انتقدها. كما أكد أهمية معرفة جوانب الخطأ والصواب في الشعر من النواحي اللغوية والتاريخية والنفسية والفكرية والاجتماعية، الى جانب شخصية الأديب أو الشاعر أو البيئة، والتراكيب والنظم والقواعد، واللفظ والمعنى، والانتحال وأسبابها، وسيما الرواية‘‘.
هناك مناهج نقدية كثيرة وكثيرة، على سبيل المثال: انطباعي، بلاغي، نفسي، تاريخي، اجتماعي، تأثري، تقريري، إتجاه نصي ووووالخ، يمكن عن طريقها معالجة النص أو نقد النص وتحليله وتفسيره. وليس من الصواب أن يحصر الناقد معالجة الموضوعات النقدية في منهج معين دون غيره. فالناقد يدرس النص، ويحدد مضامينه، كما يدرس العوامل التاريخية والاجتماعية والنفسية واللغوية.
هل يكون النقد نقدا تفكيكيا بتفكيك الارتباطات المفترضة بين اللغة وكل ما يقع خارجها، فيما إذا يوجد نظام خارج اللغة، كما أشار إليه المفكر الفرنسي (دريدا) مؤسس التفكيكية بأنه \"لايوجد شيء خارج النص\". أو نقدا بنيويا أو نقدا بحثيا في الدراسات الأكاديمية؟
من الممتع الإشارة أيضا إلى ممارسة بعض النقاد والمفكرين ‘‘منهج العبث‘‘ في النقد أمثال المفكر الفرنسي (فولتير)، وشاعر الفلاسفة (أبو العلاء المعري)، وعميد الأدب العربي (طه حسين). ويرفض بعض الأكاديميين، مثل البروفسور السويدي(بو إسحقسون) اعتبار هذا النقد (منهجا)، بل يفضل مصطلح ‘‘أسلوب العبث والسخرية‘‘. وقد دخلت شخصيا في حوار معه بهذا الصدد، بأن العبث هنا بمعنى صياغة المنهج النقدي بأسلوب عبثي، بشكل يجعله منهجا في التعبير لتبيان الصحيح من الصحيح من الخطأ منهجيا بأسلوب عبثي. وقد طبق (د. طه حسين) هذا الأسلوب النقدي في كتابه ‘‘أحلام شهرزاد‘‘ وهو يلهو كلهو أبي نواس، أو يعبث كعبث المفكر (البير كامو) الفرنسي، حين يتحدث عن حالة العرب العقلية في قصته ‘‘أحلام شهرزاد‘‘ الوارد الذكر. وربما يبدو مثل هذا العبث واضحا أيضا في كتابه ‘‘حديث الأربعاء‘‘ ولاسيما في مقالته (ساعة مع شاعر جاهلي). وطبيعي نجح طه حسين في نقده لما سماه ‘‘الكسل العقلي‘‘ عند بعض الباحثين العرب، وحاول أن يفيقهم من سباتهم، بضرورة الاعتماد على مناهج البحث العلمي الحديث في الدراسة والنقد دون قطع العلاقة بين القديم المفيد والجديد النافع.
بالنسبة للشطر الثاني من سؤالك عن أقرب المناهج النقدية لاهتماماتي هو المنهج التاريخي أو بعبارة أدق النقد التاريخي المتطور من قبل المفكر (أدموند ويلسون) الذي يجمع بين السيرة والعوامل الاجتماعية والنفسية. هنا يتعامل الناقد مع السيرة أولا ثم يؤكد على العوامل الاجتماعية في النقد مرورا بنقده إلى العوامل النفسية. ويأخذ الناقد المحيط والعنصر والجنس في دراسته النقدية، ويأخذ شخصية الأديب ولغته وأدبه وفكره، وكيف يعبر عن هذه الشخصيه في إبداعه الأدبي؟ وهل يضيف جديدا إلى الأدب أو نسخا أو انتحالا من الآخرين. ويمكنه أيضا الربط أحيانا ب ‘‘النقد البنيوي‘‘ بتعدد المعنى والمرونة والتوقف على السياق. وأحيانا أخذ ‘‘العامل التأثري‘‘ في النقد باعتبار أن العمل الأدبي تعبير عن مشاعر الأديب، وأن التأثيرية أساس النقد التاريخي، حتى لا يجعل الناقد نفسه محورا في نقده على أساس مشاعره، إنما يجعل أغراض الشاعر أو الأديب محور الدراسة النقدية ودرجة تأثيرها على القراء، لأنه يهم الناقد شرح وتفسير العمل الأدبي معبرا عن المشاعر التي تجيش بها الشاعر ودرجة تأثيره على الناقد نفسه.
يصعب هنا الدخول في تفاصيل كيفية تطور النقد التاريخي عند المفكرين الغربيين والعرب. ما أؤكد عليه هو طريقة المفكر الناقد (أدموند ولسون)، ونقده التاريخي متطور بالمقارنة مع بعض النقاد الفرنسيين التاريخيين أمثال (سنت بيف ((Sainte-Beuve وهيبوليت تين (Taine) وبرونتيير (Brunettiéreكما أشار إليه الدكتور طه حسين في كتابه (في الأدب العربي) حين تحدث عن ‘‘المقياس العلمي‘‘. ولكن طريقة المفكر (أدموند ولسون) متطورة في جوانبها الأدبية والفنية في دائرة ‘‘المقياس الأدبي‘‘ و ‘‘المقياس المركب‘‘ بالمقارنة مع سابقيه، حتى بالمقارنة مع المفكر (غوستاف لانسون) الذي سبق (أدموند ولسون) ما يقارب الأربعين عاما.
ومن أبرز النقاد العرب الذين مارسوا النقد التاريخي هم: (طه حسين) في رسالته الأولى للدكتوراه ‘‘ذكرى أبي العلاء المعري‘‘ وكتابيه ‘‘مع المتنبي‘‘ و ‘‘شوقي وحافظ‘‘. والناقد المصري (عباس محمود العقاد) في كتابيه ‘‘إبن الرومي‘‘ و ‘‘شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي‘‘. والباحث (أحمد أمين) في دراساته التاريخية ‘‘فجر الإسلام‘‘ و ‘‘ضحى الإسلام‘‘ و ‘‘ظهر الإسلام‘‘ و ‘‘عصر الإسلام‘‘.
أقول أنا لست ناقدا بقدر ما أنا متخصص في الأدب النقدي والفكر الأدبي، لذلك فإنني أمارس النقد أحيانا من باب الدراسة الأدبية النقدية والفكر الأدبي، وأحب ربط الأدب بالفكر. ففي الأدب الغربي نجد عنصر الفكرة واضحة، حيث يضم الأدب في اصطلاحهم مناحي الثقافة على اختلافها، بينما يقتصر عندنا على نتاج الشكل البارع، بل حتى نتاج البديهة الساذجة .
لنأخذ على سبيل المثال المفكر (دي مان ) كيف يصور العلاقة بين الأدب والفلسفة بقوله: إن الأدب أصبح الموضوع الأساسي للفلسفة ونموذجا للحقيقة التي تطمح الفلسفة بلوغها. فالأدب هنا يحيل القاريء إلى الواقع الحقيقي داخل اللغة.
إذن \"الفكرة عنصر هام من عناصر الأدب الحي، إن طغت عليها العاطفة، أو غلب عليها الخيال، أو حجبها رونق الأسلوب أحيانا ... ولئن كانت العاطفة، وأحيانا الخيال، أبرز في الأثر الشعري من الفكرة، فإن الفكرة في الأثر النثري أغلب عليها بوجه العموم\" . (كمال اليازجي، معالم الفكر العربي، ط6، ص 103).
ورغم أن عنصر الفكرة في الأدب العربي أضعف مما هو عليه في الآداب الغربية، إلاّ أنه يمكن أن نقرأ الأدب العربي من حيث الفكرة عند شعراء عرب كبار. وإنه \"غير خاف أن المثل والحكمة أقدم ما برز من ثمار الفكر في الأدب، وإن الأمثال والحكم في الأدب العربي قد غزت فنون الأدب في مراحلها الأولى شعرا ونثرا ... هناك مسالك واضحة سلكتها الفكرة الشعرية. نجد مثلا التعالي وتقديس القوة عند أبي تمام والمتنبي.
مثل قول أبي تمام كيف يجعل القول الفصل في معضلات الأمور للسيف لا لعلم المنجمين:
السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب
ويعتبر المتنبيء \"فيلسوف\" القوة بين شعراء الحكمة بلا منازع:
عش عزيزا أو مت وأنت كريم بين طعن القنا وخفق البنود
واطلب العز في لظى، ودع الذل، ولو كان في جِنانِ الخلود!
ويقول:
إذا غامرتَ في شرف مروم فلا تقنع بما دون الـنجـوم
فطعم الموتِ في أمر حقير طعم الموت في أمر عظيم
يرى الجبناء أن العجز عقل وتلك خديعـة الطبع اللئيم
وكل شجاعة في المرء تغني، ولا مثل الشجاعة في الحكيم
وأود هنا أن أبين العلاقة بين اللغة والفكر أيضا. فإذا اعتبرنا أن ‘‘اللغة ذاتية وموضوعية فردية واجتماعية فطرية ومكتسبة، وأنها أداة لإنتاج الفكر وتبليغه في نفس الوقت‘‘ نجد أنفسنا في إشكالية العلاقة بين اللغة والفكر . وهذه الإشكالية تحتمل افتراضين.
الافتراض الأول: استقلالية اللغة عن الفكر طبقا لوجهة نظر الفيلسوف الفرنسي العقلاني (رينيه ديكارت).
الافتراض الثاني: العلاقة بين اللغة والفكر علاقة تلاحم وتداخل بحيث لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، وهذا الموقف نجده لدى الفلاسفة المعاصرين واللسانيات الحديثة. وهنا يطرح سؤال نفسه وهو هل للفكر وجود سابق على اللغة أو أن الفكر واللغة متلازمان بحيث لا يمكن أن نفصل أحدهما عن الآخر؟
موقف الفلسفة المعـاصرة واللسانيات الحديثة هو أنه لا وجود للفكر إلا في شكل لغوي، ولا وجود للغة خالية من المعنى و الدلالة. نجد هذا الموقف عند (دي سوسير) و (مرولوبوتي). فبينما يرى الأول أن العـلاقة بين اللغة والفكر هي علاقة تلاحم و تداخل لايمكن فصلهما. يرى الثاني أنه لا وجود لفكر قبل اللغة، إنهما متزامنان، ففي الوقت الذي يصنع فيه الفكر اللغة فإن اللغة تحتوي معاني ذلك الفكر، أي لا يمكن أن تكون اللغة أداة للتعبير عن الفكر لأن التفكير في صمت هو في الواقع ضجيج من الكلمات، فالتفكير الداخلي هو لغة داخلية.
وفي النهاية أود الإشارة إلى إمكانية معالجة كثير من الموضوعات الاجتماعية من زاوية ما تسمى‘‘العقلانية النقدية‘‘ التي هي، من وجهة نظر المفكر المغربي د. محمد عابد الجابري، في معناها الواسع ‘‘التعامل النقدي مع جميع الموضوعات، مادية كانت أم معنوية ... والعقلانية النقدية ضرورية لنا في الظرف الراهن - فيما أعتقد- لأننا مطالبون بإعادة ترتيب العلاقة بيننا وبين التراث من جهة، وبيننا وبين الفكر المعاصر، فكر الغرب، من جهة أخرى. وترتيب العلاقة بين الذات وموضوعاتها يجب أن يقوم على نظرة نقدية تصدر عنها الذات حتى لا تقع تحت تأثير موضوعاتها وهيمنتها‘‘. (د. محمد عابد الجابري، المسألة الثقافية، ص285-286).
س: كيف هو الإسلام عند أوساط عامة الناس في الغرب؟
أنت بارع في طرح الأسئلة، وها أنت تسألني الآن عن الإسلام عند أوساط عامة الناس في الغرب تمييزا عن سؤالك الأول عن موقف الباحثين والمفكرين الذين عاشرتهم في الغرب.
من الإجحاف القول أن نظرة العامة بشكل عام سلبية كليا أو إيجابية كليا. ينبغي أن نميز بين نظرتين. نظرة إيجابية من بعض المثقفين الشباب وبعض التوجهات المسيحية المعتدلة، وضرورة الحوار الاسلامي المسيحي. حيث هناك عامة من الناس المتنورين يريدون أن يعرفوا عن حقيقة الإسلام، ولكن الإعلام الإسلامي ضعيف جدا في هذا المسار، وهناك صراعات بين القوى الإسلامية نفسها في أوربا، مما تعطي طابعا سلبيا. ولكن الأوربيين المتنورين يقرأون عن الإسلام، كعلم ومعرفة، وكثير منهم يدخل الإسلام عن قناعة. ففي ألمانيا يدخل عدد كبير من الشباب هذا الدين الحنيف إلى درجة أن قسا ألمانيا أعلن أن الخطر قادم من الإسلام لأن عدد الألمان الذين أسلموا قد تجاوز الحدود المعقولة، وطالب القس بضرورة التصدي لهذه الظاهرة.
وبالمقابل هناك إشكالية ما تسمى ‘‘إسلام فوبي‘‘ أي ألخوف من الأسلام. فهناك أوربيون وغربيون عموما لهم نظرة سلبية عن الإسلام، والدعاية الصهيونية والصهيونية المسيحية تلعب دورا كبيرا في تشويه الإسلام، وجعل الإسلام بمظهر الدين الإرهابي لكي يتجنب الناس من المسلمين، ويتخذوا مواقف سلبية ومعادية للإسلام.
من جانب ثالث يوجد فرق بين التوجهات العامة المتباينة وبين توجهات السلطات الرسمية. فالدستور الأوربي ودساتير الدول الأوربية، ولاسيما التوجه الأوربي البروتستانتي تسمح بحرية ممارسة العقيدة في حدود القانون. هذه الممارسة مقبولة بشرط عدم ممارسة أي جهة العنف. تقف هذه الحرية عند حدود ممارسة العنف سيكولوجيا وفيسيولوجيا.
عندما يكون لك الحق في حرية العقيدة، يجب أن تعطي هذا الحق لغيرك أيضا في ممارسة عقيدته باحترام. لا احتكار للحقيقة من قبل أحد في حرية العقيدة أمام القانون. وعليه من غير المنطقي أن نتهم أوربا بمعادات الإسلام من خلال ممارسات بعض العنصريين المتطرفين القلائل، فهؤلاء القلة لايمثلون توجهات المجتمع بشكل عام. ينبغي أن نعترف أن مجتمعاتنا العربية والإسلامية والتركية والفارسية والكردية لاتخلو هي الأخرى من ممارسات إيجابية وسلبية معا.
طبيعي هناك حالات معينة، تتخذ السلطات الرسمية مواقف سلبية ورافضة للمهاجرين عندما لا تتطابق ممارسات المهاجرين مع القانون، على سبيل المثال وليس الحصر، حالة المهاجرين الجدد في مدينة (كاليه) الواقعة بشمال فرنسا، لأنهم مهاجرون غير شرعيين دخلوا فرنسا بشكل غير شرعي. وهناك حالات استثنائية أخرى، مثل طلب الحكومة العراقية من الدانمارك بضرورة إرجاع المهاجرين العراقيين إلى وطنهم لأن الوضع الأمني قد تحسن في العراق. وفي هذه الحالة نرى أن الكنائس الدانماركية آوت المهاجرين العراقيين لمنع السلطات الدانماركية بطردهم.
س: هناك بعض المفكرين الإسلاميين الذين استخدموا مناهج في دراسة وفحص الظاهرة القرآنية، وقد توصلوا إلى نتائج خطيرة تمثلت إنكارهم لظاهرة الوحي وقولهم بأسطورية وبشرية النص المقدس. كيف تردون على مثل هؤلاء المفكرين الذين أفرزتهم بيئات إسلامية أصلا؟
بعض المفكرين ‘‘الإسلاميين‘‘ كما تسميهم، يدرس الإسلام من زاوية نقدية واستشراقية لغرض التهجم على الإسلام، وقد تأثر هذا البعض ببعض المستشرقين الغربيين المعادين للإسلام مثل الفيلسوف الفرنسي (رينان) الذي جعل العقل السامي ومعه العقل العربي عاجزا عن فهم الأفكار الكلية. وكذلك المسشرق اليهودي البريطاني دافيد ماجوليوث في كتبه باللغة الإنكليزية (محمد ونشأة الإسلام عام 1905) وكتابه (الإسلام عام 1911) ومحاضراته في كتاب بعنوان (العلاقات بين العرب واليهود عام 1924). وكتب مارجوليوث هذه الكتب بروح التعصب ضد الإسلام. وربما أهم بحث له هو:
The Origins of Arabic Poetry, 1925 حيث عمد على تزوير بعض آيات القرآن الكريم. وقد قدمت شخصيا كباحث أكاديمي بحثا باللغة الأنكليزية بمثابة رد موثوق بالوثائق والمصادر على هذا المستشرق في سمينار عقد بمؤسسة اللغات الآفرو آسيوية التي تحولت لاحقا إلى مركز العلوم اللغوية بجامعة أوبسالا، وأحدث ضجة. (يمكنني إرسال البحث إليكم لنشره باللغة الأنكليزية، أو ترجمته باللغة العربية إذا طلبتم ذلك). ونشر البحث بإسمي باللغة العربية أيضا في العدد الأول من مجلة جسور الدولية للغات.
إنَّ الذين تعتبرهم ‘‘مفكرين إسلاميين ... تمثلت إنكارهم لظاهرة الوحي وقولهم بأسطورية وبشرية النص المقدس‘‘ كما جاء في سؤالك. أقول: هؤلاء يخلطون بين الإسلام الحنيف عقيدة، وبين ممارسة بعض المنظمات والجماعات الإسلاموية (لاحظ مصطلح الإسلاموية) يمارسون العنف بأسم الإسلام والإسلام براء منهم.
لا شك أن الصراع قديم قدم الفكر بين الإيمان والإنكار،
بين المؤمنين والمنكرين،
بين العلمانيين الديمقراطيين الذي يحمون الدين من تسلط الدولة ويحمون الدولة من تسلط الدين، وبين العلمانويين
الشرقيين المستبدين (لاحظ مصطلح العلمانويون) الذين يرفضون الدين ويجعلونه أفيونا للشعوب.
هناك صراع أيضا بين الذين يؤمنون أن الإنسان مخلوق وأن هناك خالق واحد أحد مالك يوم الدين، وبين الماديين الذين يعتبرون المادة سابقة في وجودها على الروح والعقل.
وهناك صراع بين الذين يعتبرون الإنسان مخلوقا خلق لعبادة الله سبحانه وتعالى ليوازن بين الروح والجسد، وبين الدين والدنيا، وبين الغلو والتطرف. وبين اللاأدريين الذين يجعلون الإنسان في المركز ليعيش ويموت ويفنى دون رجعة.
المؤمنون الوسطيون يأخذون بالآية القرآنية: (( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)) (سورة القصص/77). إذن هناك فرق كبير في طريقة التفكير، وهناك صراع بين طرفين نقيضين، وحبذا لو كان هذا الصراع سلميا وحواريا بدلا من أن يكون عنفا .
أرفض شخصيا العنف بكل أشكاله في العصر الحديث، ولا أقبل جعل الإسلام حزبا سياسيا، بل أدعو إلى الحوار، نتفق على ما نتفاهم عليه، ونتحاور على ما لانتفاهم عليه للخير والسلام. ونقول لهؤلاء: ((قل يا أيها الناس إن كنتُم في شَك من ديني فلا أعبد الذينَ تعبدون من دونِ الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرتُ أن أكون مِن المؤمنين) (يونس: 104).
الإسلام دين الوسطية، ويرفض العنف كليا، وتؤكد الآية القرآنية: (( وكذلك جَعلناكُم أمةً وسطا لتكونوا شُهداء على النّاس ويكون الرسولُ عليكم شهيدا)) (سورة البقرة/ آية 143). أما الذين يمارسون العنف ضد المدنيين لايمثلون الإسلام الحنيف، لأن قتل النفس في الإسلام تعد من الكبائر. والآية القرآنية تقول: ((مَن قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتلَ النّاس جميعا ومَن أحياها فكأنَّما أحيا الناسَ جميعا)) (سورة المائدة/ آية 32).
وتقول هذه الآية الكريمة: (( ومن يقتل مُؤمناً متَعَمدا فجَزاءه جَهنَّم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذابا عظيما)) (سورة النساء/ آية 93).
شخصيا لا أخاف من الصراع السلمي بين المسلمين وغير المسلمين، فلكل الحق في ممارسة عقيدته، وتقول الآية القرآنية: ((وقل الحق من ربكُم فمَن شاءَ فليؤمن ومَن شاء فليكفر)) (سوة الكهف/آية 29). أنا أخاف من الصراع بين المسلمين والمسلمين. فبعض المسلمين العلمانيين يفهموا العلمانية على أساس معاداة الدين، ويجعلون الدين أفيونا للشعوب. بينما نرى أن الدين يلعب دورا مهما في تاريخ الحضارة الأوربية. فالأوربيون بشكل عام علمانيون، لكن علمانيتهم لاترفض الدين، بل تعطي للدين إعتبارا ودورا في المجتمع. هناك أحزاب مسيحية مثل ‘‘الحزب الديمقراطي المسيحي‘‘ في السويد يساهم في البرلمان وفي الحكومة السويدية، ويطرح مشروعه الاجتماعي بهدوء بعيدا عن العنف. والحزب المسيحي في ألمانيا حكم عشرات السنين، وكان المستشار الألماني الأسبق (هيلموت كول)من حزب ديمقراطي مسيحي.
الأوربيون يفصلون بين الدين والدولة. وبعبارة أدق يقولون: ينبغي حماية الدين من الدولة، وحماية الدولة من الدين، فلا يحق للدولة أن تتدخل في قدسية الدين، كما لايحق للدين ان يتدخل في دنس سياسة الدولة. كلاهما يعيشان مع بعض. ومن هذا المنطلق يمكن للأحزاب المسيحية ممارسة السياسة في أوربا، ولكن دون ربطها بالدين. في حين نرى بعض العلمانيين في البلدان العربية يحاربون الدين، ويجعلون الدين سببا في مشاكلهم، وهذه العلمانية ليست ديمقراطية بالمفهوم الديمقراطي الليبرالي الغربي، إنما هي علمانية استبدادية معادية للدين وللعقائد السماوية، وكأنهم جاؤوا لإعلان الحرب على الله. هؤلاء لايميزون بين الذين يتاجرون بالدين، وبين المسالمين من المسلمين الوسطيين وتفهمهم للحياة الديمقراطية بعيدا عن العنف والتحزب الديني السياسي. هؤلاء العلمانيون الاستبداديون، تمييزا عن العلمانيين الديمقراطيين، لايختلفون عن صراع الإسلامويين المستبدين الذين يريدون احتكار الحقيقة ويرفضون الآخر، لتحقيق مصالحهم الشخصية بأسم الدين.
س: هل استطاع المهاجر العراقي بالسويد أن يطرح نفسه كنموذج للوسطية والإعتدال أم أنه أخفق في عكس صورته اللامعة بوصفه صاحب إرث إنساني عريق؟ وماذا يعوزه لتقديم تلك الصورة؟
هذا السؤال مهم ويتطلب تحقيقا وتدقيقا للإشكاليات التي يعانيها بعض المهاجرين العراقيين، ولا سيما الجدد من الجيل الجديد بحكم الواقع العراقي، حيث لازالت آثار االحكم الاستبدادي البعثي وذكريات المجازر الجماعية التي استبدت بالشعب العراقي لمدة ثلاثين عاما في الأذهان.
جوابي على هذا السؤال عام، ولا يعني أنه يشمل جميع المهاجرين العراقيين، فهناك استثناءات نجح فيها عدد كبير من العراقيين القدامى الذين تأقلموا مع الواقع بربط إيجابيات تواجدهم في الغرب مع عقيدتهم ووطنيتهم وتقدمهم الفكري والعلمي في المجتمع.
ومن هنا أقول أن جوابي العام ينحصر في الشريحة الكبرى من العراقيين الذين لم يوفقوا في الاغتراب لأسباب كثيرة أبينها بالشكل التالي.
يتساءل المهاجر العراقي عن أسباب لجوئه إلى المهجر في خضم مجموعة من التناقضات التي تتحكم فيه وهو في نوع من الصراع بين الماضي والحاضر. هناك أزمة ثقافية في عقلية بعض العراقيين بفعل التشنجات الطائفية والعرقية إضافة إلى الصراعات السياسية والدينية وحتى الجغرفية التي عمقت الاختلافات الثقافية بالمفهوم الواسع للكلمة. فلا يجد المرء وحدة في الخطاب الفكري العراقي، والأنكى من ذلك العداء بين بعض التوجهات السياسية، ولاسيما الخلافات، (أقول هنا الخلافات وليست الاختلافات) في التفكير العلماني والديني. فما أكثر ما نقرأ كتابات الكتاب العراقيين بين هذه التوجهات المتباينة إلى درجة ممارسة العنف الفيسيولوجي والسيكولوجي أحيانا بحق بعضهم البعض. ولعل الإرهاب الذي لازال يحصد أرواح أبناء الشعب العراقي يعمق هذا الصراع.
المهاجر العراقي يقرأ المتناقضات التي تؤثر على هويته الثقافية. يهرب من الاحتلال ومن حكم المتناقضات في الوطن إلى المهجر، فإذا به يقع في دائرة جديدة لا تسمن ولا تغني من جوع. هنا يجد نفسه في صراع بين الداخل والخارج.
الخوف والهروب من استبداد نظام العهد الصدامي البائد لازال في الأذهان إلى درجة التصفيات الجسدية والمقابر الجماعية، لكن بعد الاحتلال الأمريكي وقعت الهوية الثقافية العراقية في صحراء مليئة بحسك السعدان، ووجد العراقي نفسه حافي القدمين بين الأشواك. فالوطن أصبح سلعة للاحتكارات الأجنبية، وميدانا للفساد المالي والإداري، وساحة للإرهاب وتقسيم الأدوار على حساب الوطنية والمواطنة.
هنا يطرح سؤال نفسه، وهو: ما مدى سلطة المواطنة في ممارسات الإنسان العراقي في بلده حتى يطرح نفسه نموذجا للوسطية والاعتدال في كل الأحوال خارج الوطن؟ هذا العراقي الذي يلجأ إلى أوربا وهو يحمل مواطنته المقيدة في زنزانة الاحتلال والصراع السياسي والطائفي بكل مظاهرها العنيفة، يأتي إلى أوربا وهو يبحث عن هويته الوطنية في المهجر، فيقابل هوية معارضة معبأة بآليات العقل الأوربي الجديد.
كان المواطن العراقي يفتخر بالدستور الديمقراطي الجديد بعد سقوط قصر الباستيل البعثي الصدامي في نيسان 2003، فإذا به يصطدم بواقع الإحتلال في بلده، ويرى أن أكثر الذين يخرقون مبادئ الدستور هم من بعض القابضين على السلطة ممثلة بالأحلاف الثنائية والثلاثية المبنية على المصالح الحزبية والطائفية والعرقية.
إذن كيف السبيل للمواطن العراقي أن يجد هويته الثقافية وهو إبن الوطن الذي كان يوما مهد الحضارات؟
كيف يوفق بين قوى جذبين متناقضين، قوة جذب الحضارة السومرية والبابلية والآشورية والعباسية، وقوة جذب الصراعات السياسية والعرقية والدينية الراهنة؟
تتعرض هذه الهوية للتدخلات الخارجية، حيث فقدان الحرية، وفقدان إشباع الحاجيات المادية الأساسية في الحياة، وسياسة المحاصصة وتوجيه السياسة التعليمية على أسس لا تساعد على نمو الشخصية الوطنية العراقية بقدر ما تساعد على تقوية عبادة الشخصية أو الانغماس في الدوائر المتناقضة التي ذكرناها، هذا ناهيك عن البطالة والبؤس الاجتماعي، وعدم وضوح الرؤية المستقبلية للإنسان البسيط. الأسوأ من كل ما ذكرنا فقدان حكم القانون والسلم الأهلي.
أجاد المفكر محمد عابد الجابري فيما يتعلق بالعرب والعروبة في المرجعية النهضوية قائلا: \". . . وإذاً فالتقابل بين العروبة والإسلام . . . لم يكن تقابلا ماهويا ، فلم يكن الاختيار المطروح هو أن نختار العروبة أو نختار الإسلام، بل كان الاختيار المطروح هو أي (الآخرين) يجب أن نقاوم أولا، وبالتالي أي السلاحين يجب أن نحرك في البداية: سلاح العروبة أم سلاح الإسلام؟ فالثنائية إذاً لم تكن ثنائية على صعيد الهوية، بل كانت على مستوى الأداة التي ينبغي تحريكها للدفاع عن الهوية وحمايتها\".( د. محمد عابد الجابري، مسألة الهوية – العروبة والإسلام والغرب، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1995، ص 36 ).
هذه الهوية المكونة من هذه التناقضات الداخلية تواجه تدخل دول الجيران من نفس الديانة ونفس العرق والقومية واللغة. يتساءل الإنسان العراقي عن إشكالية قوميته التي ينتمي إليها، وإشكالية الدين الذي به يحاربه الآخرين، وظلم بني جلدته الذي يتكلم بلغته، ويعتز بنفس العادات والتقاليد التي يفتخر بها من شهامة وفروسية. يأتي إلى أوربا أو إلى الخارج، ليجدد هويته الوطنية فإذا به يرى هذا الصراع بين الفسيفساء العراقي في الخارج أيضا، وفوق كل ذلك يواجه آليات العقل الأوربي أيضا.
من خلال ما تقدم أشير إلى بعض الإشكاليات التي تحكم المهاجر بشكل عام، والعراقي بشكل خاص:
- عقدة ربط المهاجر العربي، ولاسيما العراقي بالماضي العربي الإسلامي حين كان سيد العالم، بينما كانت الشعوب الأخرى تعيش في العصور المظلمة، وبين الحاضر المؤلم تجعل عملية التفكير بالمستقبل عملية صعبة، وهو يجد نفسه الآن في المؤخرة. ينبغي أن تتوفر عوامل الوسطية والاعتدال لدى هذا المهاجر ليطرح نفسه نموذجا للوسطية والاعتدال، وهذا يتطلب التوفيق بين الثقافتين الوطنية والأجنبية بشكل يمكن له، كعضو كامل النمو في المجتمع، أن يلعب دوره على أحسن وجه.
- إشكالية المشاعر الوطنية – القومية في إزدواجية الانتماء. وطنه محتل، وهو يجد نفسه متواجدا في بعض الدول التي تساهم في عملية الاحتلال لوطنه، يجعله يبحث عن عوامل مشجعة للوسطية والاعتدال بشكل يتقبل الواقع بكل مرارته وحلاوته، وهذا يحتاج إلى وقت طويل نسبيا لفهم الحقائق المركبة التي تحكم واقعه في المهجر، ودرجة علاقتها بواقعه في الوطن الأم .
- الانتماء العقائدي والمذهبي والطائفي. يشعر المواطن العراقي أنه يمارس عقيدته بحرية نسبية في المهجر طبقا للقوانين، ولكن يواجه مشاعر معادية كرد فعل للعمليات الإرهابية في الغرب لبعض الجماعات المتطرفة، حيث ترجع أصابع الإتهام أحيانا إلى ‘‘الإسلامويين‘‘ (أعني بالإسلامويين، حالة خاصة لممارسات المتطرفين الإسلاميين الذين يمارسون العنف بأسم الدين، والدين براء منهم). وهنا يدفع المسلم المغترب ثمنا باهضا بفعل العمليات الارهابية التي راحت ضحيتها أرواح بريئة من مواطني بلاد المهجر. وطبيعي يقف عدد كبير من المهاجرين ضد هذه العمليات، ولكنهم مع ذلك يتعرضون للمضايقة على أي حال. هنا يشعر المهاجر بأنه مستهدف أيضا بسبب دينه رغم براءته . وتعقد الأمر أكثر حين وجهت أصابع الإتهام لبعض المهاجرين في بعض الدول مثل السويد والدانمارك وبريطانيا وأمريكا، وسيقوا إلى السجون. ولابد أن نشير إلى أن الإسلام برئ من هذه الممارسات، لكن فئات قليلة من المتطرفين يستغلون الدين لمصالحهم السياسية. وهذا التطرف موجود في جميع الأديان بين القوى المتطرفة الكاثوليكية والبروتستنتية والإسلامية في الدول الأوربية نفسها. وقد اشتد هذا الصراع بعد عمليات 11 سبتمبر الارهابية عام 2001 في نيويورك وواشنطن .
- الصراع الداخلي لدى المهاجر العراقي، على وجه خاص، يلعب دوره عندما يجد أن غالبية السفارات العراقية لا تهتم برعاياها. فلا دفاع عن العراقيين، ولا تمشية معاملاتهم على أحسن وجه، فيشعر بالغبن من بني جلدته أيضا، مما يؤثر على سيكولوجيته، فيشعر بنوع من الاشمتزاز.
- البؤس الاجتماعي في بلده، ولا سيما عند أهله الذي بقي في الوطن بشكل من الأشكال . وقد لا يتخلص من هذا البؤس الاجتماعي، ولا يجد أحيانا مَن يساعده من المنظمات العراقية الموجودة في الداخل والخارج بسبب ولائه السياسي لحزب قد يكون في صراع مع الحزب الذي كان ينتمي إليه في وطنه.
- بعض الأسماء الإسلامية مثل محمد، أحمد، مسلم، مسلم، عمر، علي، حسين يعيق توظيف العربي أو الكردي أو التركماني في الدوائر.
- الحجاب عامل آخر من عوامل الخشية لدى الإنسان الغربي بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، كما ذكرنا أعلاه.
- إساءة فهم الحرية لدى البعض، وليس الكل، فيسئ ممارستها، ولاسيما عندما يجعل حدود هذه الحرية مسيبة خارج القانون .
- المهاجرون، ولا سيما الجدد في غالبيتهم عاطلون عن العمل، ويشكلون عبأ اقتصاديا على البلد الذي لجؤوا إليه، من وجهة نظر العنصريين في بلاد المهجر، مما يعقد دوره ليقدم نفسه نموذجا فاعلا ومعتدلا في تقدم المجتمع.
س: كما تعرفون أن هناك إتجاها عالميا الآن، ممكن أن نطلق عليه (كراهية الغرباء)، إلى أي مدى يساهم هذا الإتجاه في إعاقة إندماج المهاجرين بالمجتمعات الأوربية؟
هناك رأيان متباينان فيما يتعلق باندماج المهاجرين بالمجتمعات الغربية أو إعاقة هذا الاندماج.
الرأي الأول يدعو إلى مجتمع متعدد الثقافات، وتتبناه عادة التنظيمات ذات التوجه الاشتراكي الديمقراطي مثل الحزب الإشتراكي الديمقراطي السويدي، وهو أكبر الأحزاب السويدية، والأحزاب الأكثر يسارية مثل الحزب اليساري السويدي، وهذا التوجه متقارب إلى حد كبير في الدول الأوربية الأخرى. فالدعوة إلى مجتمع متعدد الثقافات يعني الاعتراف بالثقافات الأجنبية لخدمة المجتمع الأوربي في إطار القانون، ومنح الحقوق للأجانب في ممارسة ثقافاتهم، والدراسة بلغاتهم الأم وممارسة عقائدهم الدينية وتقاليدهم بعيدا عن العنف.
أما الرأي الآخر فهو ذو شقين إثنين:
الشق الأول يدعو إلى صهر المهاجرين في المجتمع الأوربي وتقبل ثقافة البلد المتواجد فيه بالدرجة الأولى، لتكون هذه الثقافـة سائدة وحاكمة من منظور ثقافي أوربي.
الشق الثاني يدعو إلى وقف الهجرة الأجنبية، ولاسيما من العالم الثالث، وطرد اللاجئين الذين يصعب عليهم التأقلم مع المجتمعات الأوربية وتقبل الثقافة الأوربية. ومن المفيد أن نؤكد هنا أن هذه التيارات من إيجابية وسلبية متباينة في مرونتها وتطرفها من دولة أوربية إلى أخرى. فالتطرف في الدانمارك مثلا أكثر من السويد والنرويج.
عنما نقرأ الإحصائيات الأوربية عن نسبة الجرائم في المجتمع، نجد أنها في نسبة أعلى بكثير بين المهاجرين، ولاسيما العاطلين عن العمل، مما هي بين الأوربيين. كما أن بعض المتجنسين من المهاجرين الذين يرجعون إلى الوطن الأم يساهم أحيانا في العنف تضامنا مع قبيلته أو حزبه ضد المعارضين. ورغم أن أفراد مثل هؤلاء قلة قليلة إلاّ أنهم يشوهون صورة المهاجرين والمسلمين عند مواطني بلدان المهجر، لأن الإعلام يكشف انتماءاتهم وممارساتهم. وهذه الممارسات تؤثر على العراقيين من المسلمين وحتى غير المسلمين، وتلعب أحيانا وسائل الأعلام دورا في تعميق تشويه هذه الصورة. وطبيعي تؤدي هذه الممارسات إلى إضعاف الهوية الوطنية لدى الإنسان العراقي أيضا. ولا يجد إستعدادا نفسيا للاندماج في الوطن الجديد، إذا استثنينا عددا قليلا من الذين ولدوا في الغرب، أو عاشوا فترة طويلة في الغرب فنجحوا بالاندماج في المجتمع الجديد.
- مشكلة الأقلمة في تفكير مجموعتين إثنتين حسب الدراسات التي أجريت في السويد بهذا الخصوص بالشكل التالي:
مجموعة جاءت إلى بلاد المهجر للبقاء فيها وجعلها موطنه الثاني، وتَقَبل ما يمكن تقبُله دون التنازل عن الثوابت. ويمكن لهؤلاء الاندماج نسبيا في المجتمع الجديد.
ومجموعة أتت من بلدها الأم بسبب الفساد والاستبداد والخوف والارهاب والفقر والمرض. هذه المجموعة يفكر بالرجوع إلى وطنه في الفرصة المناسبة، لذلك لا يجد في نفسه استعدادا لتقبل المجتمع الجديد.
- جهل بعض المهاجرين بقوانين بلاد المهجر، وفقدان الرغبة بالإطلاع على هذه القوانين، يؤدي إلى زيادة المخالفات القانونية عن جهل أحيانا، وعن تخطيط أحيانا أخرى مما تقوي النزعة العدائية لدى أهل بلاد المهجر تجاه المهاجرين عن وعي أحيانا، وعن لا وعي أحيانا أخرى. وقد يسبب التعامل لدى البعض تجاه المهاجرين الكراهية أحيانا، والخضوع الإرادي للأمر الواقع، أو التمرد على الواقع، مما يصعب على المهاجر أن يتقبل المجتمع أو لا يجد في نفسه الاستعداد للاندماج. وطبيعي هذه الممارسات تعمق العنصرية لدى فئات أوربية متطرفة من المعادين للمهاجرين. وبالمقابل تتولد لدى المهاجر موانع نفسية لتقبل المجتمع الجديد. وأتأسف أن أقول أن هذه العنصرية موجودة أحيانا بين القوميات العراقية المختلفة في بلاد المهجر بفعل الصراعات العرقية في العراق نفسه.
- شعور المهاجر بأن أصحاب القرار في بلاد المهجر لا يثقون به، ولاسيما عندما يصعب عليه الحصول على عمل، ويصعب عليه تعلم اللغة، فيشعر بنوع من فقدان الثقة بالنفس. وهنا تلعب ميكانيكية الدفاع دورها، فيجعل المهاجر العتب على بلاد المهجر، يبرئ نفسه فيقع في صراع بين فكرتين متناقضتين، تتولد فكرة جديدة، قد تكون سلبية، تقوده إلى ممارسة العنف، أو الكره.
- سياسة الاندماج من خلال المواطنة المزدوجة وثنائية الجنسية. هذه السياسة قانونية طبقا لقوانين بعض الدول الغربية، وتوافق عليها قوانين بعض دول العالم الثالث ومنها العراق، مما يخلق لدى المهاجر ثنائية ثقافية، خاصة إذا فكرنا أن بعض الدول الغربية تطالب بضرورة تأقلم المهاجر مع ثقافة البلد المتواجد فيه، مما يخلق ثنائية فكرية تتطلب التوفيق بينهما. فالتوفيق حالة إيجابية للمهاجر، وعدم التوفيق يجعل المهاجر في تناقض بين ثقافتين متناقضتين في التوجه والأداء مما يؤثر على أطفال المهاجرين بالدرجة الأولى، وينعكس على الأبوين أيضا. إذن هناك إشكالية المواطنة في المهجر على أساس إزدواجيـة المواطنة، وضرورة الولاء للوطن الجديد ولو شكليا وقانونيا.
- هناك نوع من التردد عند بعض المهاجرين بين الاندماج في المجتمع وعدمه بسبب الخوف من إضعاف الهوية الثقافية الوطنية، ظنا منه أن الاندماج يعني الانصهار أو فقدان الهوية الوطنية.
- الخلفية الثقافية المتباينة بفعل العوامل السياسية والاجتماعية والفكرية والدينية والحضارية، وطريقة التفكير المتباينة، ولا سيما لدى الذين لايملكون الاستعداد لقبول الجديد.
- استغلال المهاجر التسامح لدى الطيبين من مواطني الدول الغربية، فيجنح البعض إلى التطرف الديني والقومي دون اعتبار للقانون.
أما مصطلح ‘‘كراهية الغرباء‘‘ كما ورد في سؤالك، فأدمجه في سؤالك الذي يلي هذا السؤال، لعلاقتهما ببعض، وإليك الجواب أدناه تحت السؤال التالي.
س: وأخيرا هل يستطيع المهاجر العربي الذي يمتلك قدرا يسيرا من الوعي والثقافة واللغة أن يلاحظ نظرة الأوربي الفوقية له؟ هل أن الأوربي (مع الإقرار بنسبية الأشياء) لا يميل إلى إبداء شعوره بالإمتعاض من الآخرين المغايرين؟
الفكرة الجديدة في عالمنا المعاصر كانت \"\"نظرية صراع الحضارات\" التي جاء بها (هنتلغتون) لتحل محل نظرية فرويد المعروفة بـ \"التقابل بين الحضارة الأوربية والتوحش الشرقي\". لكن نظرية هنتلغتون جاءت بالدرجة الرئيسية لتعميق الصراع بين ثنائية ثقافية متباينة في جذورها وخلفياتها، وهي \"الأنا الغربي المتحضر\" والآخر الشرقي، وتحديدا \"العربي الإسلامي المتوحش\" في منظور الغرب. وهنا يأتي العامل الاقتصادي ولا سيما نفط العرب، وتطور العملاق الشرقي، الصين الصفراء. لكن محور الآخر الذي تتعرف أوربا هويتها المتحضرة من خلاله هو \"العرب والإسلام\". ومن هنا يحق لأوربا المتحضرة، طبقا لمفهومهم، إمتلاك الأسلحة المتطورة والاقتصاد المتطور والموارد الطبيعية لأنها متحضرة، ومنع هذه الأسلحة والتطور الإقتصادي عن العرب لأنها غير متحضرة.
إذاً نحن أمام ثنائية فكرية متباينة تحكم العقل الغربي والعقل الشرقي، والعربي الإسلامي بالذات. نحن أمام آليات العقل الأوربي المأثر على العالم (هنا تدخل إسرائيل أيضا) في المعادلة الأوربية الغربية، بغض النظر عن العامل الجغرافي في مواجهة العقل الشرقي، ولا سيما الشرق الأقصى والأوسط، وتحديدا ‘‘العقل العربي الإسلامي‘‘ لأنه الآخر الفعال المهدد للهوية الغربية في دائرة العقل الأوربي.
المركزية الإوربية الغربية هي التي تحكم من خلال النظام الرأسمالي العالمي، في مواجهة الآخر المتخلف من وجهة نظر التحضر المكون للهوية الأوربية الغربية، بغض النظر عن تقبلنا أو رفضنا للمعادلة. إذن نحن أمام هويتين متباينتين، في ثنائية فكرية متباينة.
‘‘إنّ الوضع الثقافي الدولي الراهن يكرس الآن استراتيجية ثقافية جديدة: لقد حل الاختراق محل الاستتباع فتحولت التبعية الثقافية إلى عملية تكريس وترسيخ لثقافة الاختراق‘‘. (د. محمد عابد الجابري، المسألة الثقافية، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1994، ص 171).
الفلسفة الدينية والإيديولوجيا السياسية في \"اللاهوت\"، لكن هذه النظرة القديمة تغيرت في فكر الأوربيين إلى الحياة الدنيا بفعل قيام النهضة الأوربية وظهور الدول القومية الحديثة، وفصل الدولة عن الكنيسة حيث أصبحت النظرة إلى المستقبل شيء بيد الإنسان في هذا العالم وليس في العالم الآخر بعد الموت. واستنادا على ذلك فإنَّ \"التقدم\" يأتي بفعل عمل الإنسان وليس \"ما تقدم\". وفسروا \"التقدم\" الذي حصل \"إعادة بناء تاريخ البشرية بالصورة التي تجعل التقدم الحاصل نتيجة لحركة التاريخ في الماضي ومقدمة لما سيحصل من تقدم أوسع وأعمق في المستقبل‘‘. (محمد عابد الجابري، مسألة الهوية – العروبة والإسلام والغرب، مصدر سبق ذكره، ص119- 121).
هنا ظهر ‘‘الاستشراق . . إقصاء للشرق وبناء للغرب\" من طرف الغرب بهدف التعرف إلى ذاته وبناء هويته وأناه كان مصحوبا بعمليات استعادة لذلك الشرق نفسه كموضوع للغرب، موضوع تجب معرفته للتمكن من السيطرة عليه‘‘. (المصدر نفسه، ص 127).
وأخيرا أكد المستشرقون في بنائهم لـ \"الأنا\" الأوربي وإقصاء لـ \"الآخر\" وهو الشرق. وهذا لإقصاء شمل الجغرافيا والعرق والعقل والحضارة.
نؤكد هنا على الاقصاء العقلي أولاً. فالشـرقيون، ومنهم الشرق الأوسط، من وجهة نظرهم، \"ذو عقول أدنى مرتبة من عقول الأوربيين‘‘. ((المفكر الجابري، المصدر نفسه، ص 130).
أما الاقصاء الحضاري فـ ‘‘يتعلق الأمر بالعرب والإسلام خاصة . فالإسلام، عندهم، عدو الحضارة، وبالتالي عدو الغرب . . . هذه الأنواع من الإقصاء للشرق من طرف الغرب كانت من أجل أن يتعرف هذا الأخير إلى ذاته ويبني أناه‘‘. (المصدر نفسه، ص 131-133).
أجرى الحوار حسين النعمة
أقرأ ايضاً
- تصل الى (29) تخصص في اربع فروع العتبة الحسينية: الاعدادية المهنية للبنات تدرس (5) اقسام الكترونية علمية
- تستقبل طلابها في العام المقبل :العتبة الحسينية تُشـّيد جامعة تقنية تضم معاهد واقسام نادرة في العراق
- شاهد عيان: جيش الكيان الاسرا..ئيلي قصف الانسان والحيوان والشجر والحجر