حجم النص
بقلم:مهدي الدهش " نعم جيد "، " كان قرارا.... " بتلك العبارات وغيرها التي انطلقت من بعض الأفواه، استقبل بها البعض من مُتابعي المشهد (الأمريكي)! السائد على الساحة العراقية مع أول قراراته السلبية حسب البعض والإيجابية حسب البعض الآخر؛ ذلك القرار رقم (14) والصادر بخصوص حل وزارة الإعلام العراقي. تلك المؤسسة التي مثّلت المرحلة الأخيرة من التاريخ الطويل نسبيا للعمل الإعلامي العراقي. ذلك العمل الذي يمتد ما بين أواخر العهد العثماني وحتى الاحتلال الأمريكي للعراق في 9 ـ نيسان ـ 2003. حيث كانت تلك الوزارة تُمثّل الشكل الرسمي الأخير من أشكال العمل الإعلامي بصورة عامة والصحفي بصورةٍ خاصة في العراق طيلة فترة تُقدّر بثلاثة عُقُود من الزمن. ولو أعدنا قراءة واقع العمل الصحفي منذ ظهوره ولأول مرة وذلك عام 1869م زمن والي بغداد (مدحت باشا) مؤسس جريدة (الزوراء) في ذلك العام، وحتى قرار الحاكم السياسي الأمريكي (بول بريمر) بفك الارتباط الحُكومي مع المؤسسة الإعلامية، لوجدنا نمطية سلبية ومخاض عسير كان ولا يزال يعتري العمل الصحفي ومؤسساته المُختلفة. وذلك عبر المسافة الزمنية الطويلة التي قضّاها العاملون في هذا المجال. والذي اصطلح عليه بعبارة ربما كان وجودها حقيقيا وأكثر واقعية في مكان آخر غير العراق هي (السلطة الرابعة). فدوما ما كان للتدخلات السياسي/الحُكومية (السُلطة) في مُجريات العمل الصحفي هي اليد النافذة والمُسيطرة على قلم هذا الصحفي أو ذاك وكذلك سياسة عَمل هذهِ الجريدة أو تلك وبشكل خاص تلك الصُحُف وأولئك الصحفيين المحسوبين على جانب المُعارضة للسياسات الحُكومية. مما حدى بالكثير من تلك المصانع الفكرية لأن تلقى العديد من المتاعب والعراقيل في طريق عملها، بل وحتى الضغوط باتجاه إغلاقها من خلال اسلوب المُساومة الرخيصة، نتيجة لمواقفها الحيادية ونشاطها الوطني البحت، فمِن تلك الصحف على سبيل المثال ما كانت تتعرّض لهُ جريدة (الاستقلال البغدادية) وصاحب امتيازها المرحوم (عبدالغفور البدري) منذ تأسيسها في 27 ـ أيلول ـ 1920م وحتى توقفها نهائياً بوفاة مؤسسها في العام 1945م، من حالات التعطيل للصحيفة وأحكام السجن العديدة التي صدرت بحق البدري صاحبها نتيجة لمقال افتتاحي أو حملة صحفية ضد وزارة متورطة بعمليات فساد مالي أو إداري وغيرها من المواقف الوطنية والآراء الصحفية. وهناك العديد من الصُحف والمجلات والمؤسسات الإعلامية بل وحتى الصحفيين الذين مُرس بحقهم الكثير من أساليب الضغط ووسائل التهميش كونهم كانوا يعملون على التأسيس لخط مهني ونفس وطني للصحافة العراقية، وكان هذا دائما لا يروق للمصادر العُليا للقرار السياسي ابتداءً من العهد الملكي ومروراً بكل عهود الحكم الجمهوري وحتى عام 2003م. وهنا لزاماً التنويه، بأن المؤسسة الإعلامية شبة الرسمية التي تشكّلت على أنقاض ــ وزارة الإعلام العراقي ــ هي الأخرى لم تسلم من حالة الانحياز للجهاز الحكومي الذي تأسس بعد ذلك التاريخ، فهيأة الإعلام العراقي هذهِ المؤسسة الإعلامية الضخمة مارست سياسات شبه انحيازيه وأصبحت نافذة لتمرير الرأي الرسمي ولو كان ذلك على حساب بعض الحقائق والوقائع التي تجري وبخلاف المطروح على لسان هذهِ الجهة الإعلامية والتي كان يُفترض بها أن تكون حاملة للمهنية والحيادية ورافعة لشعار الاستقلالية في معالجة الخبر وصياغة التحليل واستضافة الشُخوص من مُحللين وسياسيين وغيرهم وكذلك المواقف التي يجب أن تتخذها تجاه ما يقع ويجري من مختلف الأمور والوقائع وخاصة ما يتصل منها بالمؤسسات الإعلامية الأخرى من فضائيات وصُحف وغيرها. فمن المعلوم أن الإعلام أصبح لا يقتصر بعد العام 2003م في العراق على الصحافة المقروءة والمسموعة فقط، بل شمل وسائل أخرى ذات تكنلوجيا عالية التقنية والدقة كالقنوات الفضائية التي تعتمد على الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية. وقد قدّر بعض المُختصين أن عدد الفضائيات العاملة في العراق ومنها المهتمة بالشأن العراقي بشكل خاص قد تجاوز المئة قناة فضائية سواء تبث من الداخل العراقي أم من خارج العراق. نعم كان منها ولايزال البعض يبث روح الكراهية والعنف وربما بعض الأحقاد العنصرية أيضا، وهذا بالطبع أمرٌ مَرفوض وبشكل لا يقبل النقاش، وهي إشارة إلى انعدام المهنية في سلوك تلك القنوات والقائمين عليها. ولكن هذا لا يمنع من حدوث حالات من الإقصاء والتهميش لبعض المؤسسات الإعلامية العاملة على خط إحداث التغيير الفكري والسلوكي والنظر للعمل السياسي لدى المواطن العراقي وبالاتجاه الذي يُحقق نفعاً أكبر حسب رؤيتهم للأمور وتقديرهم لها. ومن حيث كون العمل الذي تسعى لتحقيقه ربما لا يروق للسلطة والنظام الحكومي فقد عملوا على إغلاق مكاتبها في الداخل وكذلك السعي لغلقها نهائيا من خلال القمر الصناعي الذي تَبُث من خلاله. إذن.. تستمر مهنة المصاعب والمشقة في تعبيد طريقها وسط حقل من الألغام الفكرية والسلوكيات المُلتوية في وطن لا يَعرف شعبهُ غير الحاكم اُماً وأباً لهْ ودولةً لا ترى غير نفسها في مرآة الزمن وحاكم يعتقد دوماً إنه القائد المُلهم والضرورة أو كما يقول أحد الأصدقاء بأنهم أنصاف آلهة وأن الرعية أنصاف قرود!.
أقرأ ايضاً
- أوكرانيا ستصعد لكأس العالم بقرار أمريكي-أوربي
- لا أمل مطلقا في التزام حكومة الإقليم بقرار المحكمة الاتحادية العليا ..
- مسيرة الأربعين وأدراك الفتح