حجم النص
بقلم: نزار حيدر الاولى: هي إرادة الناخب الذي رسم بصوته الذي أدلى به يوم الانتخابات، المعالم العامة لمؤسسات الدولة العراقية التي ستنبثق عن مجلس النواب الجديد. انه اثبت شجاعة فائقة عندما قرر المشاركة في الانتخابات على الرغم من كل التحديات الكبيرة والعظيمة، وعلى الرغم من كل حملات التضليل والإرهاب والإرعاب التي مارسها أعداء العراق الجديد. انها إرادة حقيقية بلا شك، ولكنها ليست كل شيء، فصندوق الاقتراع، في العملية الديمقراطية في العراق تحديدا، لا تعتمد على هذه الإرادة، وإنما هناك إرادة اخرى بهذا الصدد وهي إرادة النواب والكتل البرلمانية التي تتشكل، سواء قبل او بعد الانتخابات. كنت اتمنى ان تكون إرادة الناخب هي الإرادة الوحيدة التي تتحكم في سير العملية الديمقراطية واتجاهاتها العامة، لو ان السياسيين، وتحديدا ائتلاف دولة القانون، لم يلجأ، في المرة السابقة، الى المحكمة الدستورية لتفسر له عبارة (الكتلة النيابية الأكثر عددا) الواردة في المادة (٧٦) من الدستور، كونها التي تتشكل تحت قبة البرلمان، وليست التي ينتجها صندوق الاقتراع بشكل مباشر، لكنا اليوم قد قطعنا شوطا متقدما في تحديد الكتلة المسؤولة دستوريا عن تقديم مرشحها لرئاسة مجلس الوزراء. على الجميع ان يحترم هذه الإرادة، على الرغم من كل ما قيل ويقال عن مجريات العملية الانتخابية بشكل عام. الثانية: هي الإرادة الدستورية التي تمثلت، كما قلت للتو، في تفسير القضاء لمفهوم الكتلة النيابية الأكبر. ان هذه الإرادة محترمة على الرغم من انها أفرغت الأرقام من محتوياتها، فلم يعد لحصول الكتل السياسية على عدد المقاعد في يوم التصويت اي معنى، لازالت لم تعد تمثل الإرادة الدستورية المعنية بتشكيل الحكومة. لقد منح التفسير القانوني للمادة الدستورية رقم (٧٦) الحق لأية كتلة برلمانية في السعي للتحالف مع بقية الكتل لتشكيل الكتلة النيابية الاكثر عددا، بغض النظر عن النتائج المباشرة التي ينتجها صندوق الاقتراع، ولذلك، فان حق تشكيل التحالفات النيابية تحت قبة البرلمان، هو حق دستوري مكفول للجميع، وهو لا يقتصر على كتلة دون اخرى، وان على الجميع احترامه بالتساوي للآخرين كما يحترمه او يتمناه لنفسه، بعيدا عن الاصطفافات الطائفية او العنصرية، وكذلك بعيدا عن لغة التسقيط والتخوين والطعن بالولاءات. ان النتائج اثبتت عدم قدرة اي من الكتل على الحصول على الأغلبية المطلقة التي تمنحها (حقاً دستوريا مريحا) في تقديم مرشحها لتشكيل الحكومة، فأكبر الكتل لم يتجاوز فوزها (٢٧٪) فقط من مجموع عدد مقاعد مجلس النواب القادم، ما يعني ان بين جميع الكتل منفردة وبين نسل الأغلبية المطلقة بعد المشرقين، ولذلك فان على الجميع احترام الكتل التي ستشكل الكتلة النيابة الأكثر عددا تحت قبة البرلمان، أيا كانت هذه الكتل، وعدم عرقلة مساعيها الرامية الى تقديم مرشحها لرئاسة مجلس الوزراء. ولقد تبلور، حتى الان، مشروعان لتشكيل الكتلة النيابية الأكثر عددا، الاول هو الذي يقوده (ائتلاف دولة القانون) والذي يقوم على أساس تجميع أشلاء عدة كتل من هنا وهناك للوصول الى العدد المطلوب من المقاعد، والثاني، الذي تقوده بقية مكونات (التحالف الوطني) والذي يقوم على أساس تجميع القوى الاساسية القوية لتشكيل الكتلة النيابية الاكثر عددا، وفي كلا الحالتين، فان الهدف من المشروعين هو تشكيل مجلس النواب الجديد على أساس أغلبية تشكل الحكومة وأقلية معارضة، الاولى التي تضمن نسبة (٥٠+١) وأكثر، والثانية التي ستتشكل من نسبة (٥٠-١) فما دون، وان على الجميع احترام اي من المشروعين اذا ما نجح في إنجاز مهمته، خاصة (القانون) الذي اعتمد في مشروعه الانتخابي على تسويق فكرة (حكومة الأغلبية السياسية) فان عليه ان يقبل بأداء دور المعارضة تحت قبة البرلمان اذا ما فشل في إنجاز مشروعه، خاصة وانه الأقدر على لعب هذا الدور بسبب تراكمات الخبرة التي اكتسبها جراء تجاذبات العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية على مدى الدورتين الدستوريتين الماضيتين. الثالثة: هي إرادة الشارع العراقي الذي يتطلع الى التغيير، ليس في الوجوه والأسماء والمسميات فحسب، وإنما في الإرادات والخطط والاتجاهات والبرامج. يجب على من حجز مقعدا تحت قبة البرلمان ان يأخذ بنظر الاعتبار هذه الإرادة الشعبية التي عبر عنها الشارع العراقي على لسان اكثر من جهة، وعلى رأسها المرجعية الدينية والمثقفين ومنظمات المجتمع المدني وغيرها من القوى المجتمعية الفاعلة التي تعبر عن إرادة الشارع العراقي الى حد كبير. ان على مجلس النواب الجديد ان يتعلم من تجربة الدورتين النيابيتين السابقتين لإنجاز التغيير المرتقب، وإلا فان استصحاب الحالة السابقة للسنوات الأربع القادمة، يعد مضيعة للوقت والجهد والطاقات، وكذلك، مضيعة للجهد العظيم الذي بذله الناخب العراقي للمشاركة في العملية الانتخابية، فضلا عن انه يهدد الديمقراطية وأدواتها ويطعن بمصداقيتها ويفرّغها من جوهرها. ان على مجلس النواب ان لا يتعامل مع الأرقام المجردة ابدا، وإنما عليه ان يتعامل مع الوقائع والإرادات، وعلى رأسها الإرادة الوطنية التي يجب ان يصطف الى جانبها كل العراقيين، والسياسيين تحديدا، للقضاء، او على الأقل، للتقليل من الإرادات (الدينية والمذهبية والإثنية والمناطقية) وكذلك الإرادات الإقليمية والدولية، والا فسيعود العراق الى المربع الاول، فيتشكل على أساس الإرادات الثانوية المدفوعة والمدعومة بالارادات الإقليمية والدولية، وهذا ما يعرض البلاد والتجربة الديمقراطية والنظام السياسي الى خطر كبير. E-mail: nhaidar@hotmail. com
أقرأ ايضاً
- ثلاثة مشاهد في فيلم طويل
- الاستثمار القَطَري والموازنة الثلاثيّة وطريق التنمية في العراق
- شرح دعاء اليوم الثلاثين من شهر رمضان المبارك