- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
موازنة السنوات الثلاث المقترحة.. حلم اقتصادي فاشل أم فشل أحلام سياسية؟
حجم النص
بقلم: عباس العلي
خلال اجتماع للحكومة العراقية في يوم الاثنين الفائت، وافق مجلس الوزراء العراقي على "مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية للسنوات المالية 2023 و2024 و2025... وأحاله إلى مجلس النواب"، وفق بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي قال إن هذه "الموازنة سيجري تكرارها لثلاث سنوات"، مضيفا أن هذه الأرقام قد يطرأ عليها "تعديلات وبموافقة مجلس النواب في حال وجود تغيرات بالأرقام أو أسعار النفط أو الكميات"، وتبلغ النفقات المقترحة في الموازنة الجديدة 197 تريليون و828 مليار دينار (152 مليار دولار بحسب سعر الصرف الرسمي)، تشمل استثمارات بقيمة 47 تريليون و555 مليار دينار (36.5 مليار دولار)، ويبلغ إجمالي إيرادات الموازنة المقترحة لعام واحد 134 تريليون و5 مليارات دينار (103.4 مليارات دولار)، بناء على سعر برميل نفط 70 دولارا.
وفي 2021، بلغت الإيرادات 69.9 مليار دولار على سعر برميل نفط 45 دولارا، أما العجز المقترح في الموازنة الجديدة فهو 63 تريليون و75 مليار دينار (حوالي 48 مليار دولار) في مقابل 19.8 مليارا في 2021 و23.1 مليارا في 2019.
القراءة الأولية لهذه الأرقام تظهر لنا ثبات الميل الأستهلاكي العالي الذي يستنزف موارد العراق والتي تذهب في جزء كبير منها إلى الجانب التشغيلي (رواتب وتقاعد ومخصصات الرعاية الأجتماعية)، مع جزء مهم من الأستنزاف يذهب لخدمة تسديد القروض وفوائدها والتي في أغلبها لم تساهم في تحسين حركة الأقتصاد وبناء منظومة فاعلة منتجة، كما لم تظهر الأرقام رؤية جادة ومتطورة لتنمية الجوانب الأقتصادية التنموية والأستثمارية التي تحد من الشكل الريعي للموازنة وعموم بناء الأقتصاد العراقي، كما أنها لم تعط مرونة وأفق أستثماري للقطاع الخاص وتمكينه من مواجهة حالة الحلل في الميزان التجاري لصالح الجهات والدول التي ترتبط مع العراق في سوق تبادلية مهيمنة عليه، كما أنها لم تعتمد على رؤية بعيدة المدى لإعادة الحيوية والنشاط للجانبين الأهم في العملية الأقتصادية الوطنية وهما الجانب الزراعي ومشكلة المياه وفقدان المساحات الزراعية الكبرى نتيجة فقدان الموارد المائية الأساسية، كما لم تعالج مشاكل البيئة والتصحر ونضوب مستوى المياه الجوفية التي ستتأثر أصلا بقلة مياه الأنهار وأنخفاض مستوى الأمطار في البلد.
كما لم تجري عمليات تصحيح وإعادة هيكلة القوى البشرية العاملة في أجهزة الدولة ومرافقها، والتي لا تتناسب أصلا مع مقدار ما تساهم به في بناء المنظومة الأقتصادية، هذا غير وجود الفروقات الغير معقولة بين الرواتب والاجور بين الدرجات الوظيفية العليا والدنيا، كذلك لم تتم معالجة الخروقات الدستورية المتمثلة بالحصول على رواتب وأمتيازات خارج مبدأ المساواة الدستورية في الحقوق والواجبات والتي تمثل معضلة أقتصادية أخرى واجهت كل الحكومات السابقة وبقيت دون حل، لكن المشكلة الأكبر والتي يحاول البرلمان والحكومة التغطية عليها من خلال هذه الميزانية، هي مسألة الحسابات الختامية للموازنات السابقة من 2010 ولليوم، والتي تخفي ورائها فسادا ونهبا منتظما وبرعاية رسمية من قبل نفس المنظومة التي سودت هذه الموازنة ووافقت عليها، إن غياب الأرقام الحقيقية عن الواردات والأنفاق الحكومي ونسبة التنفيذ في تلك الموازنات تكشف لنا حجم فساد هذه الحكومة والتي سبقتها وكل الحكومات التي تعاقب على إدارة البلد، مما يجعلها مدانة وغير جديرة لوضع ميزانية شهر واحد وليس موازنة لمدة ثلاث سنوات متتالية كأنها أستنساخ لمنهج محدد مطلوب ليس وفقا للحاجة الوطنية الحقيقية، وإنما لتنفيذ منهج تخريبي أساسه أجندة خارجية ضاغطة ومؤثرة على بنية الحياة والنظام في العراق.
هنا علينا أن نشير إلى حقيقة لا بد منها ونقولها من موقع المسئولية الوطنية والحرص على مستقبل العراق وشعبه، أنه عندما تضع ميزانية طويلة لمدة ثلاثة سنوات لا بد أن تتوفر لديك المعطيات التالي، والتي تسمح لك أن تتصرف بثقة مع مفردات ملزمة للحكومة والشعب طالما أنها ستشرع وتصبح قانونا ملزما، وهي:ـ
1. لديك رؤية أقتصادية مجربة ومختبرة ذات بناء ثابت ترافقها حسابات دقيقة لكل مفصل من مفاصل الحركة الأقتصادية في البلد، ولديك نظام مالي ومصرفي مرن، مع ثبات في مستوى النمو والتطور النسبي لحركة رأس المال العام.
2. أن يكون أقتصادك متعدد الموارد ولا يتأثر بأي طارئ نتيجة تأثر أحد الموارد المالية بشكل يؤثر على مستوى الأرقام المثبتة والمنشودة، في أقتصاد ريعي قائم على 90%من موارده على النفط الخاضع أصلا لتقلبات السوق صعودا نزولا، ويتحرك وفق قرارات دولية وأحداث سياسية عالمية، لا يمكن التنبؤ حتى بأسعاره على مدى فصل واحد.
3. لديك بنية إدارية أحترافية ذات أفق مفتوح يتعامل مع المتغيرات والتبدلات السياسية والأقتصادية الدولية بمنتهى الذكاء والقدرة على المعالجة الفورية، كما تحتاج إلى مؤسسات أستشارية فاعلة ومراكز دراسات متخصصة لديها أستراتيجية طويلة الأمد وتملك مشروع مرن متعدد الأوجه والأحتمالات، يصاحب ذلك قوة سياسية وحكومية وتشريعية متعاضدة لها قدرة على التفاهم السريع لمواجهة حالات الطوارئ بقوة وفاعلية، لا مؤسسة سياسية قائمة على المناكدة والتخاصم والنهب والسلب والفساد الذي لم يسلم منه أي مفصل من مفاصلها تنفيذيا تشريعيا.
4. ضرورة وجود أغلبية سياسية مريحة ومنتخبة بمشروعها السياسي الذي يعني أنها مخولة شعبيا لهذا الغرض، لا أغلبية جاءت أثر أختلال في العملية الديمقراطية أصلا، وبغياب دعم شعبي لها من خلال مقاطعة جماهيرية وصلت لحدود 80%، فالحكومة التي تبنت هذه الموازنة الطويلة لا تملك مشروعية دستورية صحيحة ولا تملك التفويض المناسب، كما أنها وفقا لمشروعها السياسي حكومة إعداد لأنتخابات مبكرة والتهيئة له، وهذا المشروع المالي المطروح يناقض أساسا برنامجها الحكومي وينسفه من الأساس.
5. النقطة الأخيرة التي يمكننا أن نجزم بها أن موازنة بهذا الشكل تحتاج أيضا إلى إرادة وطنية تصحيحية وإصلاحية في المنهج والنتائج، وليس عملية إملاء سياسي وفرض أمر واقع تحت هوس الشعور بالتفرد بالقرار السيادي والسياسي للبلد، خاصة مع بقاء الياب مفتوح أمام قوى سياسية فاعلة بشارعها المنتفض والتي يمكنها من خلال تغريده واحدة أن تحرك الجو الجماهيري والضغط بقوة على السلطة التنفيذية والتشريعية وحتى هزيمتها، ناهيك عن مسألة في غاية الأهمية وهي عدم أحترام الكثير من القوى السياسية التي ساهمت في إعداد الموازنة لكل قوانين الموازنات السابقة، ولا حتى الإيمان بكونها قوانين أتحادية واجبة التطبيق على مستوى الوطن والمؤسسات.
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة
- الإجازات القرآنية ثقافة أم إلزام؟