حجم النص
بقلم:حسن كاظم الفتال لعلي أقترب بقدر ما من الدقة أو من حافة الصواب حين أعتقد بعدم وجود شعب يتناول السياسة في أحاديثه اليومية كشعبنا الذي أثخنته السياسة بجراح طعناتها ـ وهذا مجرد رأي ليس إلا ـ إذ يندر أن تجد فردا عراقيا لم تنله آثار إنعكاسات ألاعيب السياسة والسياسيين أو يتعذر عليه الفرز بين السياسي الأصلي وبين (السياسي المعاد) أي من يدس أنفه بميدان السياسة عنوة. هذا التوصيف أو هذه المحصلة صارت قاسما مشتركا بين أفراد المجتمع ولعل البعض اتخذها وسيلة للتنفيس عن النفس. لم استمع يوما لحديث اجتماعيا كان أو دينيا أو اقتصاديا أو أسريا أو غير ذلك دون أن يغمس بالإستشهادات السياسية أو التلميح لما تركته السياسة والسياسيون من أثر سلبي على المجتمع أو على اقل تقدير أن يختم الحديث بندب السياسة. لا يرى البعض بأسا في هدر بعض من الوقت في الحديث عن السياسة ومجرياتها وأبعادها ومعطياتها إنما يراها حالة صحية تشير إلى قمة الوعي وقد أكسبت الشعب خبرة جعلته يتأنى كثيرا قبل أن يبدي رضاه أو رفضه بعد تدقيق وتمحيص وحصافة حتى وإن لم تكن معلنة. وبما أننا وصفنا من المتميزين بهذه الصفة فقد لازمتنا صفة أخرى منحنا إياها باستحقاق تام النظام المقبور ألا وهي: السرية التامة وعدم البوح بمضمون الحديث الحقيقي. فإننا اعتدنا على الحديث همسا سواء في الأماكن العامة أو في المقاهي أو حتى في المنازل مع وجود الأطفال أو الضيوف. بل كل يهامس صاحبه إذ أن النظام المقبور استخدم ألعن أساليب السياسة من ناحية ولم يبق وسيلة من وسائل الإضطهاد أو البطش والإرهاب إلا واستخدمها. مما زرع في نفوسنا الرعب والشعور بالخوف من أقرب المقربين حتى وإن كان ذا ثقة. وهذا ما دعانا أن لا نتناقش إلا فيما بيننا على أفضل الأحوال لذا فقد زارني صهري ذات يوم وتداولنا الحديث وفي الجوهر نفسه كالعادة ـ واقصد السياسة ـ وأعني بالسياسة شجب واستنكار وندب الحظ والتظلم مما كان يفعله النظام المباد فطلب مني صهري ـ سبحان الله ـ أن ألبي له دعوة لأشاهد إحدى القنوات الفضائية إذ أنه خاطر باقتناء (ستلايت) حيث أن حيازة الستلايت في ذلك العصر يعني إلقاء النفس في التهلكة ولفت نظري ابني حين سأله أين وضعت الصحن ؟ وأجابه أخفيته في جسم مبردة قديمة مستهلكة. ولم أفكر بان اسأل عن شكل أو نوع الصحن بقدر ما همني مشاهدة بعض المحطات لأستبدل روتين المتابعة القسرية لبرامج محطة تلفزيون بغداد و Tv) الشباب). وذهبت مع صهري وجلست في ركن من الغرفة المنزوية من مساحة البيت لتستقبل عيني أول مشاهدة لـ (الـعمة نور) وهي تبدي نصائحها من خلال إحدى القنوات الفضائية ويا لها من نصائح. وكم تمنيت أن استطيع اقتناء ستلايت أو صحن لاستمع إلى نصائح أكثر وثم استمع لأخبار العراق من خلال القنوات الفضائية الأخرى التي كانت تشير إلى مدى تخلفنا. وما هي إلا أيام قلائل تمر حتى خرجنا إلى الشارع فرحين مستبشرين نشاهد مرور الدبابات الأمريكية ونتبادل التهاني فيما بيننا والتحايا مع الجنود وأول واسطة للتعرف عليهم كانت كلمة good. وحينها إلتمسنا أن نظفر بعد هذه الـ good بكل ما كنا نتمناه من انعتاق من طوق المظلومية المرة التي طوقتنا غفلتنا به وسكوتنا على كل عيب. وآن لنا الأوان لننعت الماضي بسحيق غير مرغوب بإعادته وسوف نقف صفا واحدا ضد توقف عجلة التقدم عند ذاك حاول ابني أن يكون من السباقين في إقتناء صحن خصوصا وهو يدخر مبلغا لا بأس به ولم يشهر في وجهي إفلاسه بعد. ولم أكتفِ بالتعرف على الصحن بل كان إعلانا مني للفرحة. ساهمت في بنائه وتثبيته على البيتونة. وكم يغدو مبهورا من يحظى بـمسك المقود وأقصد (الريموت) ويقلب القنوات. ولكن سرعان ما توسعت المساحة في مخيلتي لعبارة (يا فرحت المادامت) إن ما فزز هذه العبارة في مخيلتي هي النزاعات التي راحت تتفاقم بيننا بسبب اختلاف الأذواق والميول إلى بعض القنوات الدينية على وجه الخصوص منها والتي أوحى تزايدها بأننا سنستمد ثقافة دينية نتسلح بها. ولكن النزاعات حول استبدال القنوات توحي بأننا لم نتزود بأية ثقافة وكلنا لا يعرف السبب. ومن أجل أن نفض النزاع بيننا عقدنا داخل العائلة عقد شراكة اتفقنا فيها على تقسيم وقت المشاهدة فيما بيننا وما كان لنا إلا أن نقسم الساعة الواحدة على ثلاثة أشخاص حتى وإن كانت القسمة ضيزى فأنا وابني وأمه فهي لها المحاضرة الدينية وأنا الأخبار والندوات الثقافية والمسلسلات والفلم الهندي والرياضة من حصة إبني وهذا ما يلحظ إلى أن القسمة ضيزى. إذ يبدو أن ابني كان أكثر منا فلاحا في أخذ نصيبه فإنه يشاهد في ثلث الساعة المخصص له قسما كبيرا من المسلسل ولم يحالفني الحظ في مشاهدة أي مفيد ونافع إذ ما أن أفلح بمسك (الريموت) والبحث عن قنواتي المفضلة حتى والتي كثيرا ما أشاهد واستمع منها الإتهامات المتبادلة للمسؤولين في السلطة لبعضهم البعض أفاجأ ببدء موعد الإعلانات عن البرامج التي ستعرض لاحقا أو عن أفضل أنواع الشامبوات أو أسرع مزيل للشعر ويطيل انتظاري وأنا أتابع الإعلانات التي تشجب وتستنكر الإرهاب وتدعو لبناء العراق ونبذ الفرقة ورمي السلاح بالشعار المعهود يدا بيد لا سلاحا باليد وينتهي الوقت المخصص لي. ومن أجل أن (أزاغل) أي أراوغ في التمتع بوقت أطول أصرخ بإبني قائلا: لا يجوز مشاهدة المسلسلات المدبلجة أما سمعت محاضرة الشيخ حين حذر من مشاهدتها ؟ ولأنه يخشى غضبي اقترب من أمه ليهمس بأذنها عبارة ركزت على أن استرق السمع بها وإذا به يقول: لينتج لنا الشيخ مسلسلا تاريخيا دينيا من صميم تراثنا حتى نمنحه جل وقتنا فما كان علي إلا أن ألجأ إلى الفراش لأخلد إلى نومة هانئة
أقرأ ايضاً
- يرجى تصحيح المسار يا جماهير الكرة
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- الحجُّ الأصغرُ .. والزِّيارةُ الكُبرىٰ لِقاصِديِّ المولىٰ الحُسّين "ع"