- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
سلاما على الزاحفين صوب الحسين
اتصلت بعميد كلية ( ..... ) جامعة الكوفة لأسأله عن سبب عدم حضوره ندوة مؤسسة آفاق للدراسات والأبحاث ، اعتذر عن عدم حضوره لأنه قد قصد زيارة الحسين ( صلوات الله عليه ) مشيا على الأقدام ، كما اخبرني انه الآن في منتصف طريق ( نجف ـ كربلاء ) ، دعوت له بقبول العمل ،. لم يكن العميد هو الوحيد من بين عمداء كليات جامعة الكوفة ، نعم . هناك الكثيرون ، كما ان هناك الكثيرين من أساتذة الجامعة وطلابها ، و كنت أتمنى ان أكون مع هؤلاء السائرين لولا عارض صحي نزل بي فحرمني من ذلك .
وحين خرجت صباح اليوم ـ متجولا في أسواق النجف وأحيائها ـ وجدت ان اغلب دكاكينها قد أغلقت أبوابها ، وخرج أصحابها للزيارة ، واحسب ان أكثر المحافظات العراقية لا يختلف حالها عن حال النجف .
لم تخرج الملايين للزيارة بفتوى مرجع ديني مهما علا شانه ، فيطلب البعض منه إصدار أمرا بالمنع ، ولم تخرج استجابة لدعوة حركة إسلامية أو حزب إسلامي ، أو غيرهما ممن هو على شاكلتهما ، حتى يقال ان ثمة استغلالا سياسيا لحركة هذه الملايين قد طلبته هذه الحركة أو ذاك الحزب أو غيرهما ، ولم تخرج ـ أيضا ـ إثارة لمشاعر الطائفية البغيضة ـعند من لا يرى للحسين حرمة حتى قال قائلهم : ( ان الحسين قتل بسيف جده ) ، حتى يقال لها : كفي عن إثارتها ، الملايين خرجت التماسا لثواب الآخرة ، وحسبهم هذا الالتماس الجميل .
ولقد يقال : ان الكثرة الكاثرة من هؤلاء الزاحفين صوب الحسين قد ملئت حياتها بالآثام والجرائر والذنوب ، فإنا نقول: نعم . زلت قدم الكثير منهم فارتكبوها في دنياهم ، لكن يجب ان نقول ـ أيضا ـ لقد ثبتت لهم قدم أخرى بزيارة الحسين ( صلوات الله عليه ) . فهم اشرف ممن زلت أقدامهم جميعا في بحر الغواية والآثام .
ولقد يقال ـ أيضا ـ : لم لم تمنع المرجعية الدينية هذه الملايين من أداء الزيارة درءا للمخاطر ، وحفاظا على أرواحهم ، فيقال : إنه ليس من سيرة المرجعية الدينية تحريم ما احل الله ، أو تحليل ما حرم الله ، ولو أنها فعلت ذلك لما كانت مرجعية حقا ، المرجعية الدينية ليست سلطة سياسية تحلل وتحرم كيف ما تشاء وترغب ، أو كيف ما تحب وتكره ، و لئن رأى البعض ان هذه المسيرة يجب ان تحرم ، فان هذه الحرمة ينبغي تنسب إليه ، فيقال هذا حرام فلان أو حلاله ، و فلان ليس بحجة على الناس فيجب إتباعه عليهم . وأما حديث المخاطر التي يتعرض لها الزائرون ، فإننا نقول : ان الإنسان على نفسه بصيرة ، وحسبنا هذه الحقيقة ، والعراقيون ـ الذين في العراق يعيشون ـ هم أب صر بأوضاعهم الأمنية من غيرهم ـ ممن يعيشون خارج العراق ـ وأدرى منهم بموارد الخطر . ان هذه الملايين تدرك غاية الإدراك ان إحجامها عن مواجهة احتمال المخاطر يعني ـ الإحجام ـ لها ؛ إنها تحقق للإرهابيين قوة انتصارهم ، وزهو افتخارهم ، وهيهات هيهات لهم ذلك .
الإرهابيون لن يقر قرارهم إلا باقتلاع جذور أتباع آل البيت النبوي ( صلوات الله عليهم أجمعين ) من على ظهر البسيطة ، خرجوا بالملايين لزيارة الحسين ، أم قبعوا في جحور بيوتهم حذرين خائفين مذعورين .
ثم لا يكاد ينقضي تعجبي ممن يصف هذه الملايين بالجهل والتخلف ، ولو ان ارتفاع الجهل والتخلف عنهم يكون بعدم الزحف صوب الحسين ( عليه السلام ) ، لقلنا ان البقاء في بيوتهم أولى وأرجح ، ولكن الأمر ليس كذلك بداهة .
ان أكثر هذه الملايين السائرة لا تفقه من نهضة الحسين (عليه السلام ) الكثير من دلالاتها .. فلسفتها ..أهدافها ..أسرارها ، أو غير ذلك من شؤونها وشجونها ، و كل هذا ليس بضائر بنياتهم ، نعم . حسبهم ان حبهم للحسين هو الذي أنشا فيهم هذا الارتباط العاطفي بالحسين ، فأجرى دموعهم لهول فاجعته ، وأثار الحزن في نفوسهم ، ودفعهم دفعا لزيارته مشيا على الأقدام رغم المخاطر التي تحيق بهم ، ورغم بعد الطريق ومشقة المشي وقسوة الظروف .
أقول لو أن هؤلاء فقهوا من نهضة الحسين (عليه السلام ) الكثير من دلالاتها .. فلسفتها ..أهدافها ..أسرارها ، لكنهم فقدوا هذا الارتباط العاطفي الرائع بالحسين (عليه السلام ) ، فلا تجد عندهم عين دامعة على فاجعة الحسين ، أو قلب يقلقه الحزن حين الاستماع لناعيته ، أقول لو كان هذا فقط أ كان لقضية الحسين ان تستمر حتى يوم الناس هذا ، فضلا عن استمرارها إلى ما بعده من الأيام .
نعم . منتهى الروعة ان نحب الحسين ـ أولا ـ حبا تتوجع له قلوبنا ونذرف له دموعنا ، وان نفقه الحسين ـ ثانيا ـ ثائرا ومصلحا وشهيدا .
علي عبد الهادي الأسدي
العراق / النجف الأشرف
أقرأ ايضاً
- الآن وقد وقفنا على حدود الوطن !!
- الآثار المترتبة على العنف الاسري
- الضرائب على العقارات ستزيد الركود وتبق الخلل في الاقتصاد