- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الخُمس بين المكلف والفقيه و اشكالية الصرف
الاستقطاعات المالية التي اقرها الدين الاسلامي على دخل الفرد المسلم كثيرة تصرف في مجالات تخدم المواطن المسلم منذ ان تاسست الدولة الاسلامية على يد سيد البشر محمد (ص) .
والتسميات في حينها كانت الزكاة والخمس والهبات والصدقات والجزية ولو اردنا ان نعرفها تعريف مشترك هو الاستقطاعات المالية من المواطن الخاضع للحكم الاسلامي وفق اسس ومعايير تحقق العدالة في الاستقطاع والصرف .
واكثر استقطاع مالي اثار جدلا ولغطا هو الخُمس ومن ثم الجزية ، وبما ان الشيعة متمسكة بالاستقطاع الخُمسي وفق علاقة بين المكلف والله عز وجل فقط فاذا ما امتنع لا رادع له الا الله ونبيه واهل بيته عليهم السلام والعكس بالعكس .
التسميات الحديثة للاستقطاعات هي الضريبة والرسوم والغرامات والتامينات وما الى ذلك من مستحدثات ولو اردنا جمعها في تعريف واحد فيكون التعريف اعلاه الذي جمع الاستقطاعات الاسلامية هو بعينه يصدق عليها محذوفا منها العدالة في الاستقطاع والصرف .
اذن لماذا الخُمس دون غيره يثير الاشكالات حتى تصل الى التهجم على المراجع والعلماء وكل من يستلم الحقوق الشرعية متهمين اياهم اما بالسرقة او الابتزاز او سوء الصرف وما الى ذلك من سفاسف لا تستند الى دليل سوى الجهل .
والطرق العلمية الصحيحة لاثبات الشيء هو الاستدلال بادلة نقلية وعقلية لكل متعلقات الخمس من الاستحقاق والمقدار والجهات المخولة بالاستلام والصرف .
الادلة النقلية هي الكتاب والسنة ولعل الاية الكريمة من سورة الانفال لا خلاف فيها على اصل الخمس وهي (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِالله ِ) ـ الانفال 41 ـ ، الاشكال الذي ظهر بين المسلمين في المال الذي يُستخرج منه الخمس فالشيعة تعتبر الغنيمة بالاضافة الى غنائم الحرب هو الفائض عن راس المال السنوي اما بقية الطوائف فتحصره في غنائم الحرب .
ويستدل الشيعة بكتب السنة على وجوب استخراج الخمس من غير غنائم الحرب بالحديث التالي (قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « في المعدن جُبار ، وفي الركاز الخمس » .
والركاز هو : الكنز الذي يستخرج من باطن الأرض ، وهو ملك لمن استخرجه ، ويجب فيه الخمس لأنّه غنيمة ، كما أنّ الذي يستخرج العنبر واللؤلؤ من البحر ، يجب عليه إخراج الخمس لأنّه غنيمة ، هذا اضافة الى ماورد عن النبي محمد واهل بيته الاطهار عليهم السلام في وجوب استخراج الخمس من الفائض السنوي .
اما الاستدلال بالعقل فانه يتم على النحو التالي معنى الغنيمة في اللغة العربية وحسب ما جاء في المعاجم العربية هو كل مكسب والارباح هي من المكاسب بدليل لو تم حساب الربح تجاريا فانه يكون الفائض عن تكلفة الانتاج وياتي دون عناء جهد يذكر فلو كلفتنا بضاعة معينة الف دينار وبعناها بالف وخمسمائة دينار عندها نستخرج الكلفة وهي الالف دينار فيكون الخمسمائة دينار المتبقية بمثابة غنيمة وعليه يحسب راس المال السنوي اذا ما فاض فوق راس المال فانه يعني المكاسب فتستحق الخمس .
ومن الجانب الاخر هنالك رواية ذكرها البخاري ومسلم وكتب الشيعة ان ال بيت النبي وذريتهم حرمت عليهم الصدقة وان الحسن عليه السلام وضع تمرة في فيه من الزكاة القادمة من اليمن فصاح عليه رسول الله ( ص) واستخرج التمرة باصبعه من فيه وقال له نحن اهل بيت حرمت علينا الصدقة ، والزكاة والهبات والتبرعات كلها تدخل ضمن الصدقة وبما ان الفقر يشمل كل البشرية فالفقير من نسب محمد (ص) كيف يتم منحه الاستحقاقات المالية له اذا حرمت عليه الصدقة ؟
فلو كانت الحكومة اسلامية تحكم أي بلد ستكون الضرائب المالية هي الوجه الاخر للخمس والزكاة ، وطالما ان اغلب الحكومات الاسلامية لا تعمل بالنظام المالي الاسلامي معتمدة انظمة مالية غربية او مستحدثة مع التجاوز على الاستقطاعات الشرعية نجد ان اغلب الشيعة المتمسكين بدفع الخمس لا زالوا يستقطعون هذا المال من اموالهم وكل يصرفه حسب الوجه الشرعية والفقيه الذي يلتزم بفتاويه .
وهذا المال طالما كان نقطة التقاء كل من يريد انتقاد استقطاع وتسليم الخمس الى الفقهاء ، فالنظرة الضيقة هذه للخمس وتنسيب اتهامات ليس لها وجود اصلا لا في الفقه الشيعي ولا في تصرفات الشيعي .
ما من مرجع شيعي يلزم مقلديه باستخراج الخمس من ماله وشرط تسليمه له فوجوب استخراج الخمس مسالة لا خلاف عليها بين العلماء والجهات التي تستحق الخمس هي ايضا لا خلاف عليها ولكن الواسطة التي توصل هذا الخمس الى مستحقيها هي التي اثيرت حولها الاشكال .
واغلب الشيعة ترى مراجعها اهلا لاستلام الخمس وصرفه في المجالات التي يرتضيها الله عز و جل ونبيه واهل بيته الاطهار عليهم السلام ، حيث يعتبر المورد المالي الرئيسي الذي كان يصل الى الائمة الاطهار منذ وفاة رسول الله (ص) الى غياب الامام الحجة (عج) وكان السفراء الاربعة للامام الحجة يتسلمون الاموال ويوصلونها اليه ويوجههم في كيفية صرفها .
اما في الغيبة الكبرى فصارت محل خلاف اصلا بين العلماء في كيفية صرفها وليس في الزام تسليمها لهم من قبل المكلفين ، فهنالك من يرى يجب الحفاظ على حق الامام وعدم التصرف فيه لحين ظهور الامام وهذا امر اصبح صعب التحقيق بحجة ان هذا يؤدي الى الجمود والركود الاقتصادي اذا ما جمدت كمية من المال لفترة لا يعلم متى تنتهي ، اضافة الى التغيرات الاقتصادية التي تطرا على الاقتصاد العالمي مع استحالة الحفاظ عليها بتغير الحكومات الاسلامية من ظالمة الى طاغية ، فاذا كان المسؤول عن حفظ الاموال في زمن الامام الصادق عليه السلام خان الامانة ولم يسلم ما بعهدته الى ولده الامام الكاظم فكيف هو الحال في الغيبة الكبرى ؟
المهم اصبح التصرف بالاموال الشرعية من حق العلماء المجتهدين الحافظين لحديث الائمة (ع) والمتمسكين بنهجهم ، وهذا ولد الثقة بين المكلف والمرجع وبدرجات متفاوتة وحسب فتاوى العلماء انفسهم .
نعم هو اشكال للذمة من يستحق عليه الخمس ولم يستخرجه فبهذا يكون قد لوث ماله بالحرام والاشكال الذمي الاكبر هو التصرف الغير مسؤول بهذه الاموال .
فالمكلف الذي يمنح امواله مع اطمئنانه للفقيه يكون قد ابرأ ذمته الفقيه ويكون المكلف قد اشكل ذمة الفقيه اذا ما تصرف تصرف غير شرعي بهذه الاموال ، اما ان امنح الفقيه الاستحقاقات المالية ومن ثم اشنع به او استفسر منه الى من صرف هذه الاموال فهذا ليس من الصحيح .
الحاكم الشرعي هو الفقيه الجامع للشرائط اما الحاكم الفعلي للبلاد الاسلامية فهي الحكومات المنصبة حسب الوسائل المتبعة في اغلب بلدان العالم . فليس من الصحيح ان كل من يدعي حاجته للمال يذهب الى المرجع ويطالب فيُمنح ولكن لو كان هنالك ما يثبت صحة حاجة المكلف للمال فان المرجعية ستمنح حاجته وبدون تردد وذلك لتجنب سخط الله عز و جل واشكال الذمة في هذا المجال ، كما انه ليس من خلق المراجع هو التشهير الاعلامي عندما يقومون بصرف المال في أي اتجاه سواء للفقراء او لبناء مشاريع اسلامية تخدم المسلمين على مر الدهور وهنالك الكثرة الكاثرة من هذه المشاريع والمؤسسات الدينية التابعة للمرجعية في النجف .
وبالرغم من ذلك فان اخر فتوى للسيد السيستاني كانت تلزم المكلف بمنح ما يستحق بذمته من اموال الى الفقراء الاقربين ومن ثم الجار وتوزيعها طبقا للاسس الشرعية المتعارف عليها بتنصيفها بين من كان نسبه يعود لرسول الله ( ص) وبين العوام ، والى اليوم لم نرى احد من المراجع الذين تسنموا المرجعية العليا للشيعة قد عاش في بحبوحة من اموال الخمس او ورّثوا اهلهم قصور واموال كثيرة .
لإذكر هذه القصة التي حصلت للشيخ الانصاري ( قدس ) فقد جاءه شخص طالبا منه ان يصلي لاحد اقرباء المتوفين وبهدية مالية قدرها عشرة دنانير فرفض ذلك وقال له انه يريد ان يقضي فراغه لعبادة الله عز و جل لنفسه وبعد خروج هذا الشخص دخلت امراة وهي في حاجة الى دينار فلم يملك الشيخ الانصاري هذا الدينار فما كان منه الا ان بعث الى الرجل الذي طلب منه ان يصلي واخذ منه دينار واحد على ان يصلي له بعض المطلوب للمتوفي فوافق على ذلك ، انظروا الى الحالة المادية التي كان يعيشها الانصاري مع كونه المرجع الوحيد للشيعة في وقتها وكانت كل اموال الخمس تاتيه الى بيته فانه كان يصرفها حال وصولها على مستحقيها .
شخص اخر منح الخميني (قدس) استحقاقه الخُمسي فقال له الخميني فاعلم نحن المتفضلون عليكم بابراء ذمتك واشكال ذمتنا .
في زمن السيد ابا القاسم الخوئي (قدس) قدم له استفسار من احد المكلفين ان الحكومة العراقية في حينها كانت تستقطع ضرائب كثيرة من امواله ولا يستطيع الامتناع فما موقفه من الخمس فاجابه السيد اذا كان يؤثر الاستقطاع الضريبي على اموالك وهو بقدر او اكثر من الاستحقاق الخمسي فلا خمس عليه وان كان اقل فما عليه الا دفع الفرق .
الكثرة الكاثرة من الجهلة الذين يسالون ويشككون بالمراجع حول التصرف بالمال واقول لهم ولمن على شاكلتهم اذا كان لديكم شك في منح الاموال للمراجع هذا اذا كنتم تلتزمون بالاحكام الشرعية فما عليكم الا الامتناع عن منحها الى المراجع وتصرفوا بها كيف ما شئتم ، اما ان امنح الاموال الى المراجع ومن ثم اطلب منهم التوضيح حول وجهة الصرف فهذا الجهل بعينه ، فالطلب يعني التشكيك والتشكيك مع المنح أليس هو الغباء؟.
معلومة اخيرة هل تعلمون ان مجموع الاستقطاعات المالية في النظام الضريبي الامريكي يساوي 18,5% مضافا اليها 1,5% تامينات صحية فيكون المجموع 20% وهذا يسمى بنظام ( TVA ) وهو بعينه نسبة الخمس .