وتابع: “ومع ذلك، فإنَّ كثيراً من النقاد داخل العراق غالباً ما يسلِّطون الضوء على فشل بعثة الأمم المتحدة في تنفيذ بعض ولاياتها على مدى العقدين الماضيين، على الرغم من توفر الدعم الوطني والدولي للبعثة الأممية، حتى أن البعض يذهب إلى حد اتهام «يونامي» بالتجاهل المنهجي لأوجه القصور في النظام السياسي العراقي، وتزوير الانتخابات على نطاق واسع، وانتهاكات حقوق الإنسان التي اعترفت بها الحكومة العراقية نفسها. ولا ننسى أن تنظيم «القاعدة» ازدهر خلال وجود البعثة الأممية في العراق، بينما اندلع العنف في أعقاب استفتاء الاستقلال الكردي، وعانت بغداد من أسوأ مأزق سياسي بعد انتخابات عام 2021 التي أدت إلى انسحاب التيار الصدري من العملية السياسية. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ هناك بعض العمليات المعلقة التي تقع ضمن ولاية «يونامي»، والتي لم تُنجز بعد، مثل ملف الكويتيين المفقودين، وملف المحفوظات الوطنية في العراق، وتنفيذ اتفاق سنجار، وفشل إقليم كردستان في إجراء انتخابات عامة لمدة عامين كاملين”.
أدناه نص المقال كما نشره في جريدة الشرق الأوسط:
دعا رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني -في رسالة وجَّهها مؤخراً للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش- إلى «إنهاء ولاية بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) بحلول 31 ديسمبر (كانون الأول) 2025»، مؤكداً أنَّه «بعد أكثر من 20 عاماً من الانتقال الديمقراطي، والتغلب على تحديات كبيرة ومتنوعة، فإنَّ مبررات البعثة السياسية في العراق لم تعد موجودة».
وقد تم تسليم هذه الرسالة من قِبَل القائم بأعمال مندوب العراق لدى الأمم المتحدة، وذلك قبل اجتماع مجلس الأمن الدولي في 30 مايو (أيار) 2024، للتصويت على مصير بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق «يونامي». ورغم أن العراق ليس عضواً في مجلس الأمن، فإنَّه كان من الصعب على أعضاء مجلس الأمن الحاليين تجاهل رغبات الحكومة المنتخبة في العراق.
الاستعراض الاستراتيجي
في مايو 2023، قدَّم العراق طلباً رسمياً إلى مجلس الأمن الدولي لتقليص ولاية «يونامي»، واستجابة لذلك الطلب، شكَّل المجلس لجنة ثلاثية، برئاسة فولكر بيرتس من ألمانيا، لإجراء «مراجعة استراتيجية» لولاية بعثة «يونامي»، استناداً إلى قرار مجلس الأمن رقم 2682 لعام 2023. وقد زارت اللجنة العراق في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، وأجرت 250 مقابلة مع مختلف الجهات ذات العلاقة، ومنها: الحكومة الاتحادية، وحكومة إقليم كردستان، والأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، ومراكز الفكر، وموظفو «يونامي» في جميع أنحاء العراق. بالإضافة إلى ذلك، استعرضوا أوراق البعثة الأممية وعملها في كل من العراق ونيويورك، قبل تقديم التقرير إلى الأمين العام في فبراير (شباط) 2024.
وأقر «تقرير بيرتس» بشكل لا لبس فيه بالتقدم المحرز في العراق، وذكر أن «النظام السياسي في العراق، على الأقل خلال الأشهر الـ18 الماضية، أظهر بشكل متزايد قدرته على إدارة الأزمات»، مضيفاً أنه «لا ينبغي أن تبقى أي بعثة سياسية تابعة للأمم المتحدة في بلد إلى الأبد. وقد يؤدي الوجود المطول لطرف ثالث إلى تثبيط الحلول المحلية والملكية الوطنية». ولذلك، أوصى «تقرير بيرتس» بأن «تبدأ البعثة في نقل مهامها إلى المؤسسات الوطنية، وفريق الأمم المتحدة القُطري، بطريقة مسؤولة ومنظمة وتدريجية ضمن إطار زمني متفق عليه».
وهكذا، تتفق كل من الحكومة العراقية، والمراجعة الاستراتيجية لبيرتس على إنهاء المهمة، مع اختلاف طفيف في التوقيت والعملية؛ حيث يريد العراق إنهاء المهمة بحلول ديسمبر 2025، مع إنهاء فوري وتحويل التركيز بعيداً عن الملف السياسي، إلى «الإصلاح الاقتصادي، وتقديم الخدمات، والتنمية المستدامة، وتغير المناخ»، ومع ذلك، يوصي التقرير بإنهاء المهمة بحلول يونيو (حزيران) 2026، مع الحفاظ على الملفات السياسية ضمن عملية فطام تدريجية.
العراق يواجه تحدياته الخاصة
يشهد هذا العام انتهاء 3 بعثات مهمة في العراق، أُنشئت جميعها بموجب قرارات مختلفة لمجلس الأمن الدولي، ونتيجة لذلك، فإنَّ العراق سيصبح قريباً على بعد خطوات من تحمل المسؤولية الكاملة عن مصيره بوصفه دولة واثقة وذات سيادة كاملة. وإذا كان المنتقدون يرون أن إنهاء هذه المهمات دفعة واحدة سيؤدي إلى عزلة العراق، فإنَّ عراق 2024، ليس هو نفسه عراق 2003، عندما انهار النظام السابق، أو عراق 2014، عندما مزَّق تنظيم «داعش» البلاد واستولى على ثلثها. والواقع أن عراق اليوم أكثر استقراراً وثقة وتطلعاً إلى الأمام.
وفي تلك الأثناء، يسعى العراق جاهداً إلى مواجهة تحدياته الخاصة بشكل مباشر. وبطبيعة الحال، لن تتخلى بغداد عن التعاون الدولي، وقد استمرت تحديات كبيرة وكثيرة على مدى أكثر من عقدين، عندما كانت البعثة الأممية تقدم المساعدة إلى العراق. ومن الواضح أن المسائل معقدة، ولكن التجربة أظهرت أن الحلول تأتي أساساً من الداخل، على النحو الذي اعترف به وشجعه تقرير الاستعراض الاستراتيجي، والذي شدد على أن «ملكية هذه القضايا أصبحت الآن في أيدي المؤسسات العراقية… فلديهم القدرة على الدعوة إلى السلام والاستقرار داخل البلاد ومع الجهات الفاعلة الخارجية»، وقد تجلَّت هذه القدرة بوضوح في محافظة كركوك؛ حيث ترأَّس رئيس الوزراء اجتماعات مختلف الأحزاب السياسية لإجراء الانتخابات المحلية، والتي لم تجر منذ عام 2005، بالإضافة إلى نجاح الحكومة في إبرام اتفاقية أمن الحدود مع إيران، واتفاقية التعاون الاستراتيجي مع تركيا للتعامل مع ملفي المياه والأمن.
شكراً «يونامي»
تقدِّر الحكومة العراقية تقديراً عميقاً الأدوار الإيجابية التي لعبتها بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، والوكالات الأممية الأخرى في العراق على مدى العقدين الماضيين، وقد عبَّرت الحكومة العراقية -في بيان صدر يوم 12 مايو- عن «امتنانها للأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش، والممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، السيدة جينين هينيس-بلاسخارت، وجميع موظفي (يونامي) على دعمهم خلال السنوات الماضية». ومما لا شك فيه أن مشاركة السيدة هينيس-بلاسخارت الديناميكية والحيوية، ومساهماتها الكبيرة في العراق كانت مفيدة، ومقدَّرة على نطاق واسع.
ومع ذلك، فإنَّ كثيراً من النقاد داخل العراق غالباً ما يسلِّطون الضوء على فشل بعثة الأمم المتحدة في تنفيذ بعض ولاياتها على مدى العقدين الماضيين، على الرغم من توفر الدعم الوطني والدولي للبعثة الأممية، حتى أن البعض يذهب إلى حد اتهام «يونامي» بالتجاهل المنهجي لأوجه القصور في النظام السياسي العراقي، وتزوير الانتخابات على نطاق واسع، وانتهاكات حقوق الإنسان التي اعترفت بها الحكومة العراقية نفسها. ولا ننسى أن تنظيم «القاعدة» ازدهر خلال وجود البعثة الأممية في العراق، بينما اندلع العنف في أعقاب استفتاء الاستقلال الكردي، وعانت بغداد من أسوأ مأزق سياسي بعد انتخابات عام 2021 التي أدت إلى انسحاب التيار الصدري من العملية السياسية. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ هناك بعض العمليات المعلقة التي تقع ضمن ولاية «يونامي»، والتي لم تُنجز بعد، مثل ملف الكويتيين المفقودين، وملف المحفوظات الوطنية في العراق، وتنفيذ اتفاق سنجار، وفشل إقليم كردستان في إجراء انتخابات عامة لمدة عامين كاملين.
ومع ذلك، يؤمن رئيس الوزراء العراقي إيماناً راسخاً بأنَّ مثل هذه القضايا لا يمكن حلَّها إلا من خلال الجهود الوطنية، وإجراء حوار مجتمعي بين كافة الأطياف السياسية، من أجل التوصل إلى حلول عملية، وهذا ما أدَّى مؤخراً إلى إنجاز بعض التطورات في التعاون بين بغداد وأربيل، وإجراء أول انتخابات محلية، وأكثرها سلمية في العراق منذ عام 2013.
علاوة على ذلك، سيطلب العراق مساعدة الأمم المتحدة في بعض الملفات المهمة، مثل الانتخابات، واستجلاب الدعم الفني من فريق الخبراء في الأمم المتحدة، كما فعلوا في الماضي، إلا أنَّ هذه المساعدات ستكون مؤقتة، تحديداً طوال فترة العملية الانتخابية.
ومثال آخر على التعاون المشترك، يتجسد في استمرار العملية الثلاثية لإنهاء ملف الكويتيين المفقودين؛ حيث تعمل الحكومة العراقية بجد لإنهاء هذا الملف بمساعدة «الصليب الأحمر الدولي»، والدعم الفني من الأمم المتحدة إذا لزم الأمر.
المستقبل
أكَّد رئيس الوزراء السيد السوداني مراراً وتكراراً أنَّ «المبدأ التوجيهي» لسياسته الخارجية هو «العراق أولاً»، من خلال بناء شراكات قوية قائمة على المصالح المشتركة مع الدول الصديقة في المنطقة وخارجها. وسيعمل العراق مع جميع شركائه الدوليين لإقامة تحالفات ثنائية تساعد على أمنه واستقراره، وسينفتح على الشراكات التجارية والاقتصادية. ولا شك أن توقيع اتفاقية طريق التنمية مع تركيا وقطر والإمارات، يُعدُّ مثالاً جيداً على اقتناص الفرص الاقتصادية، باعتبارها منصات انطلاق للتعاون الإقليمي في المستقبل.
في الوقت الرهن، تعمل الحكومة العراقية جاهدة على معالجة مجالات القلق الثلاثة التي رصدها تقرير بيرتس الاستراتيجي، والذي خلص إلى أنَّ «استقرار العراق اليوم مهدد بشكل أساسي بثلاث ظواهر: (أ) هشاشة المؤسسات (ب) عدم كفاية الموارد البشرية (ج) انتشار الجماعات المسلحة، واحتمال ظهور (داعش) جديد، أو أشكال أخرى من الإرهاب والتطرف العنيف».
ومع ذلك، فقد تحققت خطوات كبيرة باتجاه تعزيز المؤسسات، ومكافحة الفساد، وعدم تسييس المناصب القيادية. وفيما يتعلق بانتشار الجماعات المسلحة، أوضح رئيس الوزراء أنَّ «هذه الجماعات نشأت في ظل الظروف المعقدة التي واجهها العراق خلال مواجهة الإرهاب؛ لكن شيئاً فشيئاً، مع استعادة الأمن والاستقرار، ستختفي الحاجة إلى السلاح الخارج عن سيطرة الدولة ومؤسساتها. ونحن نعمل بشكل متضافر لتحقيق هذه الغاية»، أما بالنسبة للإرهاب والتطرف العنيف، فإنَّ الحكومة العراقية تعتقد أنَّ «داعش» هُزم، ولم يعد يشكل تهديداً للعراق. ومما يزيد من صعوبة عودته، تعزيز قدرة قوات الأمن العراقية، والاستقرار الجيد الذي يتمتَّع به العراق، والنمو الاقتصادي الصاعد في كافة مناطق الدولة.
وبكل تأكيد، فإنَّ العراق على استعداد تام الآن للعب دور محوري في منطقة الشرق الأوسط. واستعادة سيادته تعد الخطوة الأولى في هذا الاتجاه، ولهذا، فإنَّ إنهاء عمل البعثة الأممية «يونامي» سيزيد من اعتماد العراق على قدراته المؤسسية في التصدي لمختلف التحديات التي يواجهها.
أقرأ ايضاً
- تستقبل طلابها في العام المقبل :العتبة الحسينية تُشـّيد جامعة تقنية تضم معاهد واقسام نادرة في العراق
- مكتب السيستاني بدمشق :يد العون العراقية تمتد الى (7) الاف عائلة لبنانية في منطقة السيدة زينب
- فرع كربلاء لتوزيع المنتجات النفطية: الخزين متوفر والمولدات الاهلية تتسلم كامل حصصها من الكاز هذا الشهر