أيد خبراء اقتصاد الاستراتيجية الوطنية للإقراض المصرفي التي أقرها مجلس الوزراء أمس الأحد، لكنهم شددوا على ضرورة إسعافها بمكملات ضامنة لنجاح المشاريع المستهدفة خصوصا أن هذه الاستراتيجية تمر عبر نظام إداري بيروقراطي، وفيما أبدوا خشيتهم من أن تؤدي لتضخم مالي، شددوا على وجوب تخفيض فوائدها وتيسير القروض للمستفيدين.
ويقول الخبير الاقتصادي دريد العنزي، إن “هذه الاستراتيجية كانت مطروحة سابقا وذلك بتخصيص خمسة مليارات دولار من مبادرات البنك المركزي للقطاع الخاص لدعمه وتشغيل الأيدي العاملة العراقية العاطلة عن العمل والتي تتجاوز أعدادها ستة ملايين عامل”.
ويضيف العنزي، أن “هذه المبادرات لا تنجح دون دراسات جدوى لجميع القطاعات كالإنشاءات وصناعات الغزل والنسيج والأدوية وصناعات الأغذية والحلويات التي نستورد منها سنويا بحدود 500 مليون دولار، على أن تكون المشاريع بمستوى متوسط وبمبالغ يمكن أن تكون مناسبة للصناعات المتوسطة والصغيرة”.
ويجد أن “الفكرة رائعة لكن الجهات المعنية لم تفكر بالمكملات الضامنة لها”، فيما يقترح أن “تعمل الحكومة على آلية تسويق لجميع المنتجات المحلية والتضييق على المستورد تدريجيا وأن تلبي احتياجات الدوائر من إنتاج هذه المشاريع وبنسبة لا تقل عن 50 – 60 بالمئة من احتياجاتها، وكذلك توزيع منتجات هذه المشاريع على جميع الوحدات السكنية”.
وفيما يؤكد أن “أهداف هذه الاستراتيجية لو تحققت ستكون أكبر بكثير من الخطط الخمسية أو العشرية”، لكنه يستدرك أن “المشكلة الأساس التي قد تفشل هذه العملية التنموية الكبيرة هي مرور معاملتها عبر النظام الإداري الفاسد البيروقراطي المرتشي والمتخلف”.
وفي جلسته يوم أمس الأحد، أقر مجلس الوزراء الاستراتيجية الوطنية للإقراض المصرفي المعدة من قبل البنك المركزي العراقي، بما في ذلك التوصيات والبرامج المثبتة فيها، وقال بيان للمجلس إنها تأتي في إطار رؤية الحكومة الخاصة بالإصلاح الاقتصادي، وتنشيط حركة الاستثمار والتنمية في البلد.
وأشار مجلس الوزراء إلى أن الاستراتيجية تهدف إلى تحفيز نموّ القطاع الخاص العراقي عبر تحسين بيئة الأعمال، وجذب المستثمرين المحليين والأجانب، وزيادة الائتمان الممنوح له من الناتج المحلي الإجماليّ غير النفطي بحلول عام 2029، فضلا عن زيادة الائتمان للمشروعات الصغيرة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، وتمويل ما يقرب من 100 ألف مشروع.
وفي السياق ذاته، يشدد الخبير الاقتصادي قاسم بلشان، على أن “القروض التي تمنح من هذه الاستراتيجية يجب أن تكون ميسرة حتى يستفيد منها ذوو الحالة الاقتصادية المتدنية، وعلى الحكومة أن تراعي في مقدمتها عملية تيسير الحصول على القرض وأيضا يجب أن تكون الفائدة غير مرتفعة وأن تكون عملية التسديد مريحة”.
ويضيف بلشان، أن “عملية إطلاق القروض عادة تخضع لشروط معقدة في العراق، مع وجود فائدة كبيرة، لذا تعتبر غير منتجة بالنسبة للشخص المقترض، وعليه نحن بحاجة إلى منظومة سهلة تمكن كل المواطنين من الحصول على القرض الذي يريده لتكون الفائدة متبادلة بينه وبين المصارف الحكومية والأهلية المضمونة”.
كما يفترض الخبير الاقتصادي “وجود خطة حقيقية واستراتيجية واضحة المعالم من أجل الحصول على القروض وتمويل المشاريع سواء كانت صغيرة أم كبيرة، فأي عمل عشوائي سيضر بالاقتصاد العام ومصلحة البلد المالية”، لافتا إلى أن “الخطط يمكن من خلالها أن نستشرق مستقبل المشاريع وما الذي يمكن أن تحققه من انعكاسات إيجابية، وغير ذلك فإن منح القروض سيكون غير مجد”.
لكنه يشير إلى أن “غالبية الاستراتيجيات التي تطلقها الحكومة تكون غير واضحة بسبب المستشارين الذين تم تعيينهم بضغوط حزبية بعيدا عن الكفاءات والخبراء في مجال الاقتصاد”.
ومنذ أيار الماضي أطلق محافظ البنك المركزي علي محسن العلاق، الاستراتيجية الوطنية للإقراض المصرفي في العراق 2024 – 2029، التي قال إنها انطلقت من الدور المحوري للقطاع المصرفي في النظام المالي، مبينا أن الإقراض المصرفي يعد حجر الزاوية في النشاط الاقتصادي وقيادة النمو وتحقيق الرفاهية.
وكان وزير التخطيط محمد علي تميم، ذكر أن هذه الاستراتيجية تتوافق مع توجهات الحكومة، وتتزامن مع الانتهاء من إعداد خطة التنمية الخمسية لذات المدة الزمنية، وتقنين القروض، مبينا أن وجود استراتيجية الإقراض يمكن أن تسهم في زيادة الائتمان الممنوح للقطاع الخاص بنسبة 4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، وإيلاء المشاريع الصغيرة والصغرى والمتوسطة، اهتماما خاصا من خلال زيادة الائتمان الممنوح لها بنسبة 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي.
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي ضياء المحسن، إن “أرقام هذه الاستراتيجية غير منطقية، يصعب توفيرها من البنك المركزي أو المصارف الحكومية، كما أن هناك مشكلة أخرى تكمن في الخشية من أن هذه القروض بسبب فوائدها العالية قد تودي إلى زيادة معدلات التضخم، وهو ما يخالف سياسة وزارة المالية”.
ويضيف المحسن، أن “سياسة البنك المركزي تدفع باتجاه زيادة منح القروض لدعم الاستثمار بالاقتصاد العراقي، لكن كيف يكون هذا الاستثمار في ظل الفائدة العالية”، وفيما أشار إلى أن “هناك تقاطعا بين وزارة المالية والبنك المركزي العراقي”، لفت إلى أن “على الجميع أن ينظر لهذا الأمر بجدية لغرض تخفيض قيمة الفائدة المفروضة على القروض لأن هذه الإستراتيجية متناقضة مع سياسات الدولة”.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟